‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابن الجوزي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابن الجوزي. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 4 مارس 2016

لا تيأس من روح الله

لا تيأس من روح الله
يبين إيمان المؤمن عند الإبتلاء فهو يبالغ في الدعاء و لا يرى أثرا للإجابة و لا يتغير أمله و رجاؤه و لو قويت أسباب اليأس لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح
أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان فإنه لم يحكم عليه بذلك إلا و هو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره أو يريد كثرة اللجأ و الدعاء
فأما من يريد تعجيل الإجاية و يتذمر إن لم تتعجل فذاك ضعيف الإيمان يرى أن له حقا في الإجابة كأنه يتقاضى أجرة عمله
أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام : بقي ثمانين سنة في البلاء و رجاؤه لا يتغير فلما ضم إلى فقد يوسف بنيامين لم يتغير أمله و قال : [ عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ]
و قد كشف هذا المعنى قوله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب }
و معلوم أن هذا لا يصدر من الرسول و المؤمنين إلا بعد طول البلاء و قرب اليأس من الفرج
و من هذا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قيل له : و ما يستعجل ؟ قال : يقول : دعوت فلم يستجب لي ]
فإياك إياك أن تستطيل زمان البلاء و تضجر من كثرة الدعاء فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر و الدعاء و لا تيأس من روح الله و إن طال البلاء .

من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي

الأحد، 7 فبراير 2016

بادر بالاعمال الصالحة ... ابن الجوزي

بادر بالأعمال الصالحة

طوبى لمن بادر عُمره القصير، فعمَّر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير. قال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأَعمال سبعاً، هل تنتظرون إِلّا فقراً مُنسياً؟ أو غني مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو موتاً مجهزاً، أو هرماً مُفنداً، أو الدجال، فشر غائب يُنتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر)

كان الحسن يقول: عجبت لأقوام أُمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل، وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون وكان يقول: يا بن آدم: (السكين تشحذ والتنور يسجر، والكبش يعتلف).

وقال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها، فإِنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إِلى قليل ولا كثير، وكان عون بن عبد الله يقول: ما أُنزل الموت كنه منزلته، ما قد غدا من أجلكم، مستقبل يوم لا يستكمله، وكن من مؤملٍ لغدٍ لا يُدركُه، إِنَّكم لو رأيتم الأَجَل ومسيره، بغضتم الأَمل وغروره.

 وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أَحدهم درهمٌ لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، 

وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات. 

فقيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه ما مات حتى سرد الصوم. وكانت عائشة رضي الله عنها تسرد، وسرد أبو طلحة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، وقال نافع: ما رأيت ابن عمر صائماً في سفره ولا مفطراً في حضره 

 قال سعيد بن المسيب: ما تركت الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة. وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في ليلتين. وكان الأسود يقوم حتى يخضر ويصفر، وحج ثمانين حجة. وقال ثابت البناني: ما تركت في الجامع سادنة إلّا وختمت القرآن عندها. وقيل لعمرو بن هانئ: لا نرى لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلّا ما تخطئ الأصابع. وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة وقام ليلها، وكان الليل كله يبكي فتقول له أُمه: يا بني قتلت قتيلاً، فيقول: أَنا أَعلم بما صنعت نفسي. قال الجماني: لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته، فقال: لا تبك، وأشار إلى زاوية في البيت، إنه قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة. قال الربيع: وكان الشافعي رضي الله عنه يقرأ في كل شهر ثلاثين ختمة، وفي كل شهر رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلوات، واعلم أن الراحة لا تنال بالراحة، ومعالي الأُمور لا تنال بالفتور، ومن زرع حصد، ومن جد وجد. لله در أقوام شغلهم تحصيل زادهم، عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذكر المال عن المال في معادهم، وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغلاً بمرادهم، وتوسدوا أحزانهم بدلاً عن وسادهم، واتخذوا الليل مسلكاً لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النار عن غيهم وفسادهم، فيا طالب الهوى جز بناديهم ونادهم:أَحيَوا فُؤَادِي ولَكِنَّهم ... علَى صَيحَة من البين ماتُوا جميعاً
حرمُوا رَاحة النَّوم أَجفَانهم ... وَلَفُّوا علَى الزفرات الضُّلوعَا
طُول السَّواعد شُمُّ الأُنوف ... فطابُوا أُصُولاً وطَابُوا فُرُوعا

أَقبلت قلوبهم تراعى حق الحق فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق. فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقُلوب في رياض الملكوت ترعى، نازلهم الخوف فصاروا والهين، وناجاهم الفكر فعادوا، خائفين، وجَنَّ عليهم الليل فباتوا ساهرين، 

وناداهم منادى الصَّلاح، حىّ على الفلاح، فقاموا متهجدين، وهبت عليهم ريح الأَسحار فتيقظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين، فلمَّا رجعوا وقت الفجر بالأَجر بادى الهجر يا خيبة النائمين.

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا .... ابن الجوزي



عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا
رأيت إبليس قد إحتال بفنون الحيل على الخلق و أمال أكثرهم عن العلم الذي هو مصباح السالك فتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل و شغلهم بأمور الحس و لا يلتفتون إلى مشورة العقل
فإذا ضاق بأحدهم عيشه أو نكب إعترض فكفر
فمنهم من ينسب ذلك إلى الدهر و منهم من يسب الدنيا
و هذا إسفاف لأن الدهر و الدنيا لا يفعلان و إنما هو عيب للمقدر
و منهم من يخرجه الأمر إلى جحد الحكمة فيقول : أي فائدة في نقض المبني ؟
و زعم بعضهم أنه لا يتصور عود المنقوض و أنكروا البعث و يقولون : ما جاء من ثم أحد
و نسوا أن الوجود ما انتهى بعد و لو خلفنا لصار الإيمان بالغيب عيانا و لا يصلح أن يستدل على الأحياء بالأحياء
ثم نظر إبليس فرأى في المسلمين قوما فيهم فطنة فأراهم أن الوقوف على ظواهر الشريعة حالة يشاركهم فيها العوام فحسن لهم علوم الكلام و صاروا يحتجون بقول أبقراط و جالينوس و فيثاغورس
و هؤلاء ليسوا بمتشرعين و لا تبعوا نبينا صلى الله عليه و سلم إنما قالوا بمقتضى ما سولت لهم أنفسهم
و قد كان السلف إذا نشأ لأحدهم ولد شغلوه بحفظ القرآن و سماع الحديث فيثبت الإيمان في قلبه
فقد توانى الناس عن هذا فصار الولد الفطن يتشاغل بعلوم الأوائل و ينبذ أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم و يقول : أخبار آحاد
و أصحاب الحديث عندهم يسمون حشوية
و يعتقد هؤلاء أن العلم الدقيق علم الطفرة و الهيولى و الجزء الذي لا يتجزأ
ثم يتصاعدون إلى الكلام في صفات الخالق فيدفعون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بواقعاتهم
فيقول المعتزلة : [ إن الله لا يرى لأن المرئي يكون في جهة ] و يخالفون قول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ] فأوجب هذا الحديث إيثار رؤيته و إن عجزنا عن فهم كيفيتها
و قد عزل هؤلاء الأغبياء عن التشاغل بالقرآن و قالوا مخلوق فزالت حرمته من القلوب
و عن السنة و قالوا أخبار آحاد و إنما مذاهبهم السرقة من أبقراط و جالينوس
و قد إستفاد من تبع الفلاسفة أنه يرفه نقسه عن تعب الصلاة و الصوم و قد كان كبار العلماء يذمون علم الكلام حتى قال الشافعي : [ حكمي فيهم أن يركبوا على البغال و يشهروا و يقال : هذا جزاء من ترك الكتاب و السنة و إشتغل بالكلام ]
وقد آل بهم الأمر إلى أن إعتقدوا أن من لم يعرف تحرير دليل التوحيد فليس بمسلم
فا الله الله من مخالطة المبتدعة و عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا .

من كتاب صيد الخاطر

الاثنين، 1 فبراير 2016

مساعد الظالم ظالم مثله ... كلمات من ذهب



مساعد الظالم ظالم مثله
رأيت خلقا يفرطون في أديانهم ثم يقولون : إحملونا إذا متنا إلى مقبرة أحمد
أتراهم ما سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إمتنع من الصلاة على من عليه دين و على الغال و قال : [ ما ينفعه صلاتي عليه ]
و لقد رأيت أقواما من العلماء حملهم حب الصيت على أن إستخرجوا إذنا من السلطان فدفنوا في دكة أحمد بن حنبل و هم يعلمون أن هناك خلقا رفات بعضهم على بعض
و ما فيهم إلا من يعلم أنه ما يستحق القرب من مثل ذلك

فأين إحتقار النفوس ؟ أما سمعوا أن عمر بن عبد العزيز قيل له : تدفن في الحجرة ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أرى نفسي أهلا لذلك
لكن العادات و حب الرياسة غلبت على هؤلاء فبقي العلم يجري على الألسن عادة لا للعمل به
ثم آل الأمر إلى جماعة خالطوا السلاطين و باشروا الظلم يزاحمون على الدفن بمقبرة أحمد و يوصون بذلك
فليتهم أوصوا بالدفن في موضع فارغ إنما يدفنون على موتى.
و يخرج عظام أولئك فيحشون على ما ألقوا من الظلم حتى في موتهم و ينسون أنهم كانوا من أعوان الظلمة
أترى ما علموا أن مساعد الظالم ظالم و في الحديث : [ كفي بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة ]
قال السجان لأحمد بن حنبل : هل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال : [ لا أنت من الظلمة إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمره ] 

ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر