ذكر محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه
أنه بلغ إلى عضد الدولة خبر قوم من الأكراد يقطعون الطريق ويقيمون في جبال شاقة
فلا يقدر عليهم، فاستدعى أحد التجار ودفع إليه بغلاً عليه صندوقان فيهما حلوى قد
شيبت بالسم وأكثر طيبها وترك في الظروف الفاخرة وأعطاه دنانير وأمره أن يسير مع
القافلة ويظهر أن هذه هدية لإحدى نساء أمراء الأطراف. ففعل التاجر ذلك وسار أمام
القافلة، فنزل القوم وأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد به مع
جماعتهم إلى الجبل وبقي المسافرون عراة لما فتح الصندوقين وجد الحلوى يضوع طيبها
ويدهش منظرها ويعجب ريحها، وعلم أنه لا يمكنه الاستبداد بها، فدعا أصحابه فرأوا ما
لم يروه أبداً قبل ذلك فأمعنوا في الأكل عقيب مجاعة فانقلبوا فهلكوا عن آخرهم
فبادر التجار إلى أخذ أموالهم وأمتعتهم وسلاحهم واستردوا المأخوذ عن آخره، فلم
أسمع بأعجب من هذه المكيدة، محت أثر العاتين شوكة المفسدين.
وروى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي
قال حكى السلامي الشاعر قال دخلت على عضد الدولة فمدحته فأجزل عطيتي من الثياب
والدنانير وبين يديه حسام خرواني فرآني ألحظه، فرمى به إلي وقال خذه فقلت وكل خير
عندنا من عنده. فقال عضد الدولة ذاك أبوك فبقيت متحير لا أدري ما أراد، فجئت
أستاذي فشرحت له الحال فقال ويحك قد أخطأت عظيمة لأن هذه الكلمة لأبي نواس يصف
كلبا حيث يقول:
أنعت كلباً أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
وكل خير عنده من عنده
قال: فعدت متوشحاً بكساء فوقفت بين يدي
الملك فقال: ما لك فقلت حممت الساعة. فقال هل تعرف سبب حماك؟ قلت نظرت في ديوان
أبي نواس فقال لا تخف لا بأس عليك من هذه الحما فسجدت بين يديه وانصرفت.