بسم
الله الرحمن الرحيم
القوة
الضاربة
في
مغامرة (رقم 1)
مغامرة (رقم 1)
مطاردة
في الصحراء
بقلم
ح
. ح.
3-2014
اللقاء الأول
يقع
اقليم الساحل الغربي في غرب القارة الافريقية وهو منطقة صحراوية تطالب منذ فترة
طويلة بالاستقلال بالوسائل العسكرية احيانا و بالوسائل السلمية أحيانا أخرى , وبقيت
هذه المناطق طيلة هذه الفترة تعاني من عدم الاستقرار الامني وتعاني من التدخل
الخارجي.
تقع
بعض مناطق الساحل تحت سيطرة المسلحين والمناطق الاخرى تحت سيطرة الدولة المركزية وكان
شعب هذه المنطقة هو المتضرر الاول دائما.
على
بعد آلاف الكيلومترات وفي موقع عسكري في غرفة اجتماع صغيرة جلس شخصان في ملابس
مدنية كان احدهما في الاربعين من عمره وقد خط الشيب شعره و ارتسم الهدوء والوقار
على محياه , والشخص الثاني كان شاباً في اوائل العشرين من عمره و قد تملكته
الحماسة و هو يجلس مستمعا الى رئيسه.
اصغى
احمد بانتباه الى رئيسه وهو يفصل العملية التي قرر ارساله فيها . كانت رحلة الى
الساحل الغربي لافريقيا لجمع معلومات عن وباء غريب ينتشر ويفتك بالنساء والاطفال ,
كانت الكلمات تخرج من فم الرئيس بهدوء وحرص , ومع انسياب هذه الكلمات المتتابعة
كانت هناك اسئلة تتبلور في ذهن احمد , ما ان انتهى رئيسه من كلامه وسمح له
بالاسئلة حتى القاها مستفسراً :
احمد
– سيدي لماذا لم يكلف فريق علمي اكاديمي بهذه المهمة ؟
الرئيس
– المنطقة تشهد تمردا من الثوار وحصاراً من قوات الدولة التي تمنع دخول فرق
الاغاثة الدولية للمنطقة لذلك لن يستطيع فريق عادي من الدخول.
احمد
– لهذا السبب سندخل من طريق البحر ؟
الرئيس
– نعم.
احمد
– سيدي .. فهمت ان امرأة من ضمن الفريق , اليست بيئة الصحراء ستكون صعبة عليها
وربما ستقيدنا في حركتنا في تلك الصحراء ؟
-
انها
عميلة في الاستخبارات ومتدربة جيدا كما انها دكتورة اختصاصية في علم الامراض وكونها
إمرأة سيمكنها ذلك من التواصل بسهولة مع النساء والاطفال في مجتمع متحفظ كالذي
ستذهبون اليه.
بعد
النقاش في عدة تفاصيل لوجستية اخرى انفض الاجتماع , وفي مساء ذلك اليوم جهز احمد
حقيبته للرحلة المقبلة.
في
صباح اليوم التالي حملته طائرة عمودية الى قاعدة بحرية في جنوب البلاد , حيث التقى
هناك لاول مرة بزملائه في المهمة , النقيب علاء وهو قائد المهمة ومسؤول الاتصالات
وهو من جهاز الاستخبارات العسكري والدكتورة نوال من جهاز المخابرات.
كان
علاء طويل القامة قوي البنية قارب الثلاثين , بشرته بيضاء اسود الشعر , حاد
القسمات , تظهر عليه صرامة الضباط واضحة , بينما كانت الدكتورة نوال في نهاية
العشرينات من العمر , متوسطة الجمال , هادئة , قصيرة الطول , رشيقة القوام ذات اطراف
ناعمة , وشعر اصفر قصير.
التقى
الثلاثة في غرفة صغيرة بعد ان سلموا حقائبهم لاحد الجنود المرافقين لهم , دار حديث
تعارف بسيط بين الثلاثة لدقائق قبل ان يظهر على الباب كابتن بحري عرفّت به بزته
الزرقاء وشارات البحرية المشهورة , سلم عليهم ووقف الثلاثة احتراما له وعرّف نفسه
لهم بالكابتن "سليم" , صافحوه بحرارة وقد علت وجهه ابتسامة لطيفة. جلس
خلف المكتب وامامه جلس افراد المهمة.
-
انا
سعيد بلقاءكم .. اتمنى لكم مهمة موفقة وناجحة.. ستكون هذه اول عملية مشتركة لقيادة
العمليات الخاصة وسلاح البحرية , ارجو ان ننجح بالتعاون فيما بيننا .. سننطلق بعد
ساعتين .. حاولوا ان ترتاحوا وان تراجعوا احتياجاتكم , وان احتجتم اي شيء فساكون على
استعداد لتوفيره لكم .. سأرسل لكم الملازم عماد ليكون قربكم في حال احتجم لشيء.
كان
الكابتن "سليم" قائد غواصة "القرش الازرق" و هي مصنوعة في
المصانع البحرية المحلية وبمواصفات متقدمة لتلبي احتياجات القوة البحرية الوطنية.
وقف
الكابتن "سليم" والقى التحية وخرج من الغرفة , كان لقاءاً قصيرا تعرف
فيه الكابتن على فريق العمليات الخاصة ثم ذهب بسرعة ليشرف على الترتيبات النهائية
قبل انطلاق الرحلة.
تولى "علاء" زمام القيادة من تلك
الجلسة واخذ يراجع مع "احمد" و "نوال" تفاصيل المهمة والمعدات
التي جلبوها معهم وما سيحمله كلٌ منهم منها وكذلك اعاد تذكيرهم بالتعليمات الصارمة
التي يقتضي الالتزام بها في أي عملية سرية وركز في ذلك على "احمد" كونه
من القوات الخاصة ولانها اول مهمة فعلية له خارج الوطن.
اثناء
ذلك كان ملازم "عماد" يقف خارج الغرفة على مقربة من الباب ينتظر , بعد
مراجعة الفريق الشاملة للمهمة طلب "علاء" من "عماد" ان يسمح
لهم بفحص التجهيزات والمعدات التي جلبوها معهم والتي زودتهم القيادة بها.
كانت المعدات موضوعة في غرفة مغلقة مع حقائبهم
وكانت المعدات تنقسم الى معدات شخصية سيحملها كل فرد من الفريق تتعلق بالاتصالات
والامن ومعدات علمية تتكون من اجهزة فحص محمولة و متطورة للتحليل جرثومي بالاضافة
الى كمية من المضادات الحيوية والادوية بالاضافة الى الملابس والاحذية المناسبة
للصحراء وكمية من الطعام الصحي والماء لكل فرد.
بعد
تدقيق المواد والتأكد منها طلب "علاء" من الملازم "عماد"
تحميلها على ظهر الغواصة , اجرى "عماد" اتصال من هاتف داخلي موضوع في
الغرفة وطلب ارسال جنديين لحمل المعدات , حضر الجنديان بعد وقت قصير وحملا المعدات
والامتعة و رافق ملازم "عماد" الفريق ليقودهم الى الغواصة .
سار
الفريق يقودهم "عماد" داخل ممرات متعددة حتى دخلوا الى سقيفة حديدية
ضخمة البنيان ثم انتهى بهم الطريق الى رصيف ميناء داخل هذه السقيفة. كانت السقيفة مضاءة
بمصابيح هالوجين قوية , فيما لا تسمح بمرور ضوء الشمس اليها.
في
نهاية الرصيف وقفت غواصة زرقاء كبيرة , شاهد الفريق لاول مرة الغواصة التي ستقلهم
, كان برج الغواصة يعلو ما يقرب من ثلاثة امتار مع طول جسر يصل الى ثلاثين متر
يوحي بانها غواصة متوسطة الحجم , كانت هذه الغواصة تعتبر مفخرة البحرية ومفخرة
الصناعة العسكرية الوطنية , صممت هذه الغواصة لتكون متعددة المهام و منها مهمة نقل
القوات الخاصة.
صعد
الفريق الى الجسر ثم نزلوا من خلال كوة الى الداخل حيث وجدوا انفسهم داخل مقصورة
مليئة بالاجهزة الالكترونية والشاشات التي يشرف عليها مجموعة من الضباط و التقنيين
, في وسط الغرفة جلس الكابتن "سليم" على مقعد كبير مرتبط بكثير من
الاجهزة وامامه شاشة صغيرة , عرف الثلاثة انهم في غرفة القيادة , عندما احس
الكابتن بدخولهم قام لاستقبالهم ورحب بهم على متن الغواصة قائلا :
-
مرحبا
بكم في غواصة "القرش الازرق".
ثم طلب منهم مرافقته , عبر الجميع الى ممر ثم الى غرفة صغيرة احتوت على سرير
ومكتب صغير وكرسي وعدة اجهزة متفرقة في ارجاء الغرفة.
الكابتن
– دكتورة "نوال" .. ليست لدينا غرف نوم فردية ماعدى غرفتي هذه فارجو ان
تقيمي فيها طوال الرحلة وهذا جرس الخدمة , اذا اردت شيء اضغطي عليه وسيأتي بحار ليلبي
طلباتك.
شكرته
دكتورة "نوال" على هذا التصرف ثم ودعها و قاد الآخرين الى غرفة اخرى
تحوي سريرين ذات طابقين. رحب بهما الكابتن مرة ثانية وتمنى لهم التوفيق.
كانت
الغرفة صغيرة تصلح للنوم فقط وتتسع لاربع اشخاص ويبدوا انها مخصصة لاستضافة رجال
المهمات الخاصة.
بعد
اقل من ساعة دقت صافرة ذات نغمة خاصة تبعها صوت يعلن قرب انطلاق الغواصة .
كانت
هذه المرة الاولى ل"علاء" و"احمد" على متن غواصة وكانت هذه
الاجراءات مبهرة ومميزة , استمرت هذه الاجراءات لعدة دقائق رافقت بداية الابحار
تبعتها صفارة الغوص.
رحلة
تحت الماء
استمرت
رحلة الغواصة لايام كانت ل"علاء" و "احمد" و "نوال"
اشبه بدورة تعريفية في هندسة الغوص والملاحة , كان بامكان الثلاثة التجول في معظم
اقسام الغواصة و لكن كانت التعليمات تقضي بعدم الكلام مع البحارة وعدم القاء
الاسئلة وحصر ذلك بالقبطان ومساعده فقط.
مع
الاقتراب من مضيق جبل طارق بدأت الغواصة في اتخاذ المزيد من الاجراءات الدقيقة
لتجنب الانكشاف لاجهزة الرصد الغربية المكثفة الموجودة في المنطقة.
وصلت
الغواصة الى المكان المقرر قريبا من شاطىء اقليم الساحل الغربي , كانت الغواصة قبل
ساعات من ذلك قد فعلّت الطور الشبحي.
كان الطور الشبحي يتطلب عدة اجراءات يتخذها
الطاقم تتضمن سير الغواصة بسرعة هادئة و غلق جميع الاتصالات و ايقاف تشغيل المكائن
والمعدات التي تصدر ضوضاء قد تستشعرها رادارات الاستشعار من الدول المضادة والتي
لها اساطيل قريبة.
مع
دخول الليل اطفأت الغواصة محركاتها وساد الصمت الكلي وبعد ساعة من الترقب و التنصت
والتأكد من امن المنطقة المحيطة تحت الماء بدأت الغواصة في الوقت المحدد بتنفيذ
مناورة انزال الفريق , ارتفعت الغواصة ورفعت منظار الاستطلاع خارج الماء وتم
استطلاع المنطقة وبعد ذلك تم رفع صارية الرادار الجوي لاستكشاف المنطقة وتأمينها
ضد الحركة الجوية.
قبل
دقائق من هذا وزع "علاء" الاجهزة الشخصية على "احمد" و "نوال"
قبل ان يرتدوا ملابس ضد البلل وينتقلوا الى البرج قبل الخروج.
بعد تأمين المنطقة تم فتح عنبر الشحن في الغواصة
واطلاق تجهيزات المهمة , كان هناك قارب مطاطي انفتح تلقائيا على ظهر الماء فيما
طفت باقي المعدات التي كانت محفوظة في اكياس ضد البلل و معلقة ومربوطة الى القارب ,
اثناء ذلك ارتفع البرج الى اعلى من مستوى البوابة , ثم فتحت البوابة وخرج "علاء"
ثم "نوال" ثم "احمد" الى ماء المحيط واخذوا يسبحون الى القارب
مستخدمين نظارات للرؤية ليلية, كانت المسافة قريبة فوصل "علاء" اولا
فصعد الى القارب ثم ساعد "نوال" في الصعود ف"احمد".
غطست
الغواصة من جديد واختفت في مياه البحر فيما كان "احمد" يرفع اكياس
المعدات من ماء البحر الى الزورق. بعد قليل وحسب خطة العمل شغل "احمد"
محرك الزورق الصامت وبدأ بالابحار باتجاه الشاطىء.
الفريق
على الارض
كانت
ليلة مضلمة صافية اختفى فيها القمر وبانت فيها النجوم لماعة , كان الصمت الالكتروني يتضمن اغلاق جميع الاجهزة
الالكترونية مخافة ان يتم تحسسها من اجهزة الرصد المعادية لذلك كان استعمال الطرق القديمة في الاسترشاد بالنجوم هي الطريقة السليمة.
جلس
الثلاثة في القارب صامتين متبعين التعليمات الصارمة ولم يكن هناك سوى صوت ازيز
محرك القارب الصامت , و الظلام الدامس يحيط بهم والجو تهب فيه نسمة باردة فتسبب لهم
القشعريرة.
بعد
ساعات من الابحار في غسق الليل وصل القارب الى الشاطىء , تم تفريغ القارب و خلع
الثلاثة ملابسهم المضادة للبلل التي كانوا يرتدونها فوق ملابسهم العادية , ارتدوا
فوق ملابسهم العادية صداري تحمل اشارات وعلامات تشير للمؤسسة الانسانية التي
ينتمون لها , دفن الثلاثة القارب في مكان مميز يمكن الرجوع اليه عند انتهاء المهمة , كان افراد
الفريق يتكلمون بالاشارات وينفذون خطوات كانوا قد اتفقوا عليها وتدارسوها بينهم ,
في خلال دقيقة حمل كلٌ متاعه وبدأوا بالسير مستعينين بالنظارات الليلية , كانت
الخطة تهدف الى الوصول الى طريق معبد سيكون دليلا لهم للوصول الى بلدة
"الداخلة" الصغيرة , كانت تلك البلدة قريبة الى البحر وتمتاز بانها
سياحية وهادئة و يستطيع فيها الغريب ايجاد ما يحتاجه من مكان للمأوى والمأكل ففيها فنادق
ومطاعم كما فيها مرشدين و سواق و عجلات قوية.
بدأ الثلاثة خطواتهم في ارض رملية , كانت
الاقدام تغوص فيها لترتفع محملة بالرمال مما يجعل السير متعبا وبطيئا , بعد ساعات
من المسير بدأ ضوء الفجر يتسلل من الافق واصبحت رؤية الكثبان الرملية واضحة وكان
التعب قد بدا على الفريق فاشار "علاء" الى الفريق بالتوقف.
-
لنأخذ
استراحة.
جلس
الجميع على الارض لاخذ قسطا من الراحة واخرج كل منهم بسكويتا من جيبه اخذ يمضغه
ليسد به رمقه .
لم
يكون هناك موضوع للحديث اذ ان "علاء" كان مهتما ان يراجع خطوات العملية
ويتأكد من انها تسير وفق المخطط , اما "احمد"
فقد كان الامر بالنسبة اليه كأحد التدريبات الروتينية والقاسية التي كان يتدرب
عليها بشكل دوري بالرغم ان زمان انتهاء هذا التدريب كان غير معروف.
كانت
"نوال" تشعر بالتعب و تُسلي نفسها بان هذا لن يدوم طويلا وان مهمتها ستُنجز
ما ان تحصل على عينات الدم الحاوية لهذا المرض الغريب وانها ستعود محققة النجاح
الذي تطمح اليه.
-
لنواصل
السير.
كانت
هذه المفردات هي من ضمن الكلمات القليلة التي قالها "علاء" منذ بدء
المهمة.
بعد
دقائق من السير , ظهر الطريق فجأةً امامهم , كان هذه هي العلامة الاولى الجيدة منذ
بدء الرحلة , كان طريقا معبدا خاليا من الاسيجة الواقية , عرضه يكفي لسير عجلتين ,
اخرج "علاء" جهازه اللوحي ونظر الى خارطة المنطقة ليتأكد من موقعهم ثم
نظر حوله واغلق جهازه واشار الى اتجاه السير.
-
من
هنا.
اخذوا
يسيرون على حافة الطريق المعبد , اصبح السير اسرع بعد ان تخلصوا من الرمال و ساروا
على الطريق.
كان الطريق ملتويا يمر بين الكثبان الرملية ولا
دليل حوله على وجود مناطق آهلة بالسكان على مدى البصر. ولكن دراستهم للمهمة
وبياناتها تدل على انهم على مسافة ساعة من السير.
كانت
الشمس قد ارتفعت في السماء وبدأت حرارة الجو ترتفع حتى بدأت حرارة الطريق تتسرب
الى باطن اقدامهم , فجأة سمعوا صوت سيارة تقترب ..كان الصوت يزداد علوا وسرعان ما
تبينوا انه آت من الاتجاه المعاكس , مرت بهم
شاحنة حمل صغيرة ، نظر اليهم السائق مستغربا ومضى في طريقه. كانت نظرة
الاستغراب مفهومة اذ يبدوا انه لم يرى اجانب في المنطقة منذ زمن.
بعد
دقائق سمعوا صوت سيارة ثانية هذه المرة كان الصوت قادما من خلفهم وقف "علاء"
فاستدار الى الخلف ووقف الفريق يتنظر , كانت سيارة صالون صغيرة خالية من سوى
السائق , اشار اليه "علاء" بيده ليطلب بها توصيلهم الى المدينة المقبلة
, توقفت السيارة واستدار اليهم السائق ونظر اليهم نظرةً فاحصةً مبدياً استغرابه
لرؤية مجموعة من الاشخاص الأجانب في هذا المكان من الطريق الصحراوي , بادره "علاء"
متحدثا بلكنة كانها اجنبية :-
-
السلام
عليكم
رد
الرجل السلام.
-
"الداخلة".
ذكر
"علاء" اسم المدينة بنفس اللكنة السابقة واشار الى اتجاه المدينة.
-
اركبوا
قالها
السائق بلهجة محلية غير واضحة لكن تعابير وجهه واشارة من يده كانت كافية لتدل على
انه فهم الطلب ووافق عليه.
ركب
"علاء" قرب السائق وركب "احمد" و "نوال" في الخلف
بعد ان خلع الجميع حقائبهم من خلف ظهورهم ووضعوها بجانبهم.
شكر
"علاء" السائق بالانكليزية واستفهم منه.
-
شكرا
.. هل تتكلم الانكليزية ؟
تمتم
الرجل ببعض حروف غير مفهومة ولكن تعابير وجهه لم توحي بشيء , واستمر يقود بصمت ,
التزم الجميع الصمت واستمرت السيارة في طريقها.
بعد
دقائق بدت اطراف المدينة الصغيرة تتراءى ولم تلبث دقائق حتى كانوا يدخلون المدينة
, كان هذا الطريق هو الشارع الرئيسي وقد توزعت على جانبيه محلات صغيرة للبقالة
والمواد الغذائية .
-
هل
هناك "هوتيل" ؟
تكلم
علاء الانكليزية ولكنه ردد كلمة "هوتيل" بالانكليزية والفرنسية لعل
السائق يفهم مراده , تكلم السائق بجملة طويلة فهموا منها بضع كلمات عرفوا منها انه
فهم مرادهم.
لم
يكاد السائق ينهي كلامه حتى بدت لافتة كبيرة الى جانب الطريق تشير الى فندق توقف
السائق قربها , كان على جانب الطريق فندق صغير مكون من طابقين له واجهة انيقة ,
اشار السائق الى الفندق ليؤكد لهم انه اوصلهم الى مقصدهم.
نزل
الثلاثة و اخرج "علاء" بضع دولارات واعطاها الى السائق الذي حاول رفضها
ولكن "علاء" وضعها له في جيبه و شكر السائق "علاء" ثم انطلق.
حمل الثلاثة اغراضهم وقبل ان يصلوا الى باب الفندق انفتحت الباب وخرج رجل يلبس بزة
انيقة تفاجأ بها الفريق مع لهجة عربية واضحة "اهلا وسهلا" و اضاف كلمة
"مرحبا " بالانكليزية والفرنسية. رد "علاء" و "احمد"
التحية بالانكليزية فيما اسرع الرجل بأخذ الحقائب من يد "علاء" و "نوال"
, استسلم الاثنان لسرعة الرجل واستمر يرحب بهم بالانكليزية بعد ان ادرك ان هذه
لغتهم واخذهم الى الداخل , ما ان عبروا الباب حتى اسرع الحمال فاخذ الحقائب من
الرجل الذي سلمها له واشار اليهم ذو البزة الى غرفة صغيرة.
-
اهلا
بكم في فندقي , فندق "المرجان".
قال
ذو البزة بعد ان جلس خلف المكتب الصغير الموجود في الغرفة وجلس الثلاثة على
الكراسي المقابلة.
-
اسمي
السيد "صالح" وانا مالك الفندق .. ارجو ان تتمتعوا بالاقامة في فندقي.
-
نشكرك
على طيب الاستقبال.
-
هل
انتم سياح ؟
-
كلا
, نحن فريق تابع لمنظمة طبية انسانية.
-
اهلا
بكم في اقليم الساحل الغربي .. ارجو ان تروني جوازاتكم لاسجل اسمائكم .. تعلمون
انه اجراء روتيني.
اخرج
الثلاثة جوازاتهم وسلموها الى "صالح" الذي فتح حاسوبه واخذ ينقل بعض
البيانات من كل جواز على حدة.
اخرج
"علاء"
من جيب قميصه دليلا يحوي معلومات تعريفية عن المنظمة الانسانية وعن نشاطاتها
المختلفة , واعطاها ل"صالح" الذي نظر بسرعة اليها وهو يعيد الجوازات الى
الثلاثة.
-
لقد
اهتمت منظمتنا باخبار انتشار وباء في الاقليم , وارسلتنا لمعرفة مدى انتشار
الوباء... هل يوجد مصابين في هذه البلدة.
-
لا
اعرف حقيقةً ولكن حسب معلوماتي لا يوجد وباء في البلدة.
طلب
"علاء" جناحين احداها له و ل"احمد" والثاني ل"نوال"
وطلب وجبة غداء مشبعة , ادرك الفريق ان الفندق فارغ بسبب ظروف المنطقة و علموا من "صالح"
انه كان سابقا يعج بالسياح , صعد الثلاثة الى غرفهم ومعهم الحمال , ما ان خرج
الحمال حتى مدد "احمد" جسمه على الفراش فيما قام "علاء" بدورة
سريعة في الجناح مدققا بنظرة فاحصة في اركانها وفي الاثاث والجدران خوفا من وجود
اجهزة تجسس او مراقبة ثم اخرج هاتفه المحمول الذي هو عبارة عن مجموعة من الاجهزة
المدمجة والمموهة بشكل هاتف , شغل "علاء" الجهاز وفعّل نظام كشف اجهزة
التجسس واخذ يدور به في ارجاء الغرف , كانت النتيجة سالبة , ثم القى نظرة شاملة من
النافذة قبل ان يجلس للراحة.
كانت
الساعة الثانية عشر ظهراً عندما نزل "علاء" و "احمد" الى مطعم
الفندق الصغير كان الفندق خاليا الا من مدير الفندق وبواب الفندق ما ان رآهم صاحب
الفندق حتى اسرع اليهم فاستفسر منهم فطلب "علاء" منه وجبة الغذاء لهما في
المطعم و وجبة للدكتورة في غرفتها.
كان
"علاء" يتكلم مع ابتسامة عريضة , وبدا اكثر مرحا مما كان سابقا كأن ذلك
كان جزء من اسلوب تنكره.
بينما
اسرع المدير الى الخادم ليستعجل الطلبات بينما جلس الاثنان الى مائدة في طرف المطعم.
"علاء"-
من الجيد انه مطعم خالي وهادي.
-
ولكن
الا يشعرك ذلك باننا اصبحنا محط اهتمام المدير ؟
-
ذلك
هو الامر السيء , لا بد اننا الغرباء الوحيدين في البلدة ولا بد ان خبر وصولنا قد
انتشر.
-
هذه
البلدة تبدوا هادئة وبعيدة عن مناطق الصراع.
-
عندما
يأتي المدير سأجلسه معنا واحاول معرفة المزيد منه.
بعد
قليل جاء المدير وبرفقته الخادم وهو يحمل قسم من الاطعمة التي طلبوها ووضعها على
طاولتهم.
-
ستجهز
الوجبة بعد قليل.
-
ارجو
ان تنظم الينا.
اعتذر
الرجل ظانا انه قد ارتكب خطأً ولكن علاء استدرك الامر وبين له ان كل شيء على ما
يرام فجلس الرجل.
-
سيد
"صالح" , نحن نود ان نتعرف على الوضع الانساني والصحي في الاقليم ولابد
انه لديك معلومات عامة تستطيع ان تفيدنا بها.
-
كما
ترى سيدي , نحن منطقة فقيرة وكنا نعتمد على السياحة وعلى حركة النقل بين الموانىء
والشمال و على حركة المسافرين والشاحنات من الحدود الجنوبية وبالعكس .. وعندما
انفرض الحصار انقطعت هذه الموارد وارتفعت الاسعار وقلت البضاعة واصبح الحصول على
النقود والطعام صعبا لذلك هاجر كثير من الناس الى جنوب البلاد والى الدول المجاورة
.. اما الادوية فقد ارتفعت اسعارها واصبحت نادرة .. ثم بدأنا نسمع انتشار الوباء
في المدن الاخرى وان هناك من بدأ يموت نتيجته .. ونحن نعيش بامل ان تُحل الازمة
بسرعة والا فقد نضطر الى الهجرة ايضا.
-
هل
هناك فرق طبية أو اغاثة في الاقليم.
-
لا
اعلم يا سيدي ولكن ازدياد شراسة المعارك جعلت جميع البعثات والاجانب يغادرون
المنطقة خوفا على حياتهم.
-
هل
لديكم مستشفى او مستوصف في هذه البلدة.
-
لدينا
مستوصف صغير ولكنه تحول الى مستشفى بسبب الحصار وعدم وجود مكان آخر لاجراء عمليات
الولادة او العمليات الطارئة.
-
هل
نستطيع ايجاد سيارة لاستأجارها مع سائقها.
-
طبعا
.. متى تحتاجونها.
نظر
علاء الى ساعة يده بسرعة ثم قال:
-
هل
تستطيع ان تجهزها في الثالثة بعد ظهر اليوم.
-
ان
شاء الله.
شكر
"علاء" "صالح" واستأذن "صالح" وانسحب بادب.
اكمل
"علاء" و "احمد" غداءهما وصعدا الى غرفة "نوال" ,
طرق "علاء" الباب ففتحت "نوال" الباب واخبرها بما اتفق عليه
مع مدير الفندق وموعد قدوم السائق.
الخطوة
الاولى
في
الثالثة نزل الثلاثة من غرفهم الى بهو الفندق فاخبرهم البواب ان السيارة تنتظرهم ,
كانت سيارة جيب ذات دفع رباعي و قُربها كان "صالح" وشاب انيق في العشرين
من عمره يقفان ويتحدثان , سلم الثلاثة على الرجلان وعرّف "صالح" الشاب
باسم "ادريس" تكلم "ادريس" معهم بالانكليزية و رحب بهم
بابتسامة عريضة , كان شاباً ذو وجه باسم ومريح , ركب الجميع وتركوا "صالح"
مودعا.
طلب "علاء" من "ادريس" ان يوصلهم
الى مستوصف المدينة , وصلوا الى مبنى محاط بسور منخفض اصفر مع مبنى صغير في وسطه ,
دخلوا يقودهم "ادريس" , كان مبنىً مزدحماً بالمراجعين قادهم "ادريس"
عبر صفوف الناس الى الداخل , كانت هناك عيادة مكتضة بالمرضى الذين ينتظرون دورهم
للفحص من قبل دكتور المستوصف , بعد ان قام "ادريس" بحملة من التعريف
والشرح استطاع الدخول الى العيادة فيما كان الناس ينظرون بريبة واستغراب الى هؤلاء
الغرباء القادمين ليتجاوزوا الطابور الطويل , لضيق المكان طلب "ادريس"
منهم الانتظار خارج غرفة الفحص فيما دخل الى الغرفة وخرج بعد ثواني مع رجل يناهز
الخمسين من عمره ارتدى صدرية وقد بدا عليه الاهتمام وهو يصغي الى "ادريس"
بانتباه عرّف "ادريس" الطبيب على الفريق وقال علاء :
-
حضرة
الدكتور نحن من مؤسسة طبية عالمية ونود ان نستطلع الوضع الانساني في البلدة ونعرف احتياجاتكم
الطبية.
-
من
اي مؤسسة انتم ؟
-
من
مؤسسة اطباء عبر العالم , مقرنا الرئيسي في الولايات المتحدة ونحن جئنا من
بريطانيا .
قال
"علاء" ذلك وهو يسلم الدكتور مطوية تعريفية بالمؤسسة كما اراه هويته
وتابع :
-
اقدم
لك الدكتورة "جين طومسون" من المؤسسة.
انسحب
"علاء" ليسمح لنوال لتتقدم وتتكلم مع دكتور المستوصف.
عرفت
"نوال" نفسها للدكتور واختصاصها الطبي ثم سألته عن الوضع الانساني
والطبي في البلدة وعن الحاجات الطبية للمستوصف.
اخذ
الدكتور يشرح ل"نوال" الوضع الصحي في البلدة و احتياجات المستوصف و الناس
, ثم طلبت "نوال" منه قائمة بما يحتاجه من مواد طبية , فبحث في جيوبه عن
ورقة فناولته نوال بسرعة دفتر صغير وقلم فشكرها ثم اخذ يكتب بالانكليزي قائمة من
الكلمات ثم يقف بين حين وآخر ليتذكر المواد الضرورية التي يحتاجها المستوصف , اكمل
القائمة ثم سلمها الى الدكتورة "نوال" , بعد ذلك استفسرت منه "نوال":
-
دكتور
ما هي معلوماتك عن الوباء المنتشر في الاقليم.
-
ليس
عندنا اصابات هنا و ليس عندي معلومات دقيقة عنه.
-
اين
نستطيع ان نحصل على معلومات اضافية عن هذا الوباء.
-
في
بلدة "الواحة" هناك اصابات كثيرة وتستطيعين معاينتها.
-
هل
لديك هناك من يستطيع مساعدتنا في الحصول على معلومات عن المرض.
-
اعذريني
لا اعرف احد.
شكرته
"نوال" وانسحب أفراد الفريق وتباحثوا بينهم.
"نوال"
- يجب ان نذهب الى الواحة.
-
يجب
ان نتريث ربما الوضع الامني خطير هنالك.
-
ان
مهمتنا الرئيسية هي جلب عينة من الفايروس.
-
يجب
ان ندقق الامر وسنقرر بعدها.
دار الحوار بين "علاء" و "نوال"
و التزم "احمد" الصمت فقد كان نقاشا بين رئيس الفريق والشخص الثاني في
الفريق الذي يتولى الجانب العلمي , و رأى "احمد" انه بصفته كعنصر حماية
للفريق فعليه ان ينتظر نهاية النقاش و ما سيصل اليه.
قرر
"علاء" الرجوع الى الفندق وفي الطريق سأل "علاء" "ادريس"
:
-
كم
تبعد مدينة الواحة عنا ؟
-
ما
يقرب من ساعة.
-
كيف
الوضع الامني هناك ؟
-
البلدة
يسيطر عليها الثوار ولكنها بعيدة عن مواقع الاشتباكات وآمنة تقريبا.
-
نحن
نريد التعرف على الواقع الصحي في البلدة ومعاينة المصابين بالوباء.
-
ان
مهمتكم انسانية وقد رأيت كيف اهتم بكم الدكتور علي واعتقد انهم هناك سيرحبون بكم ايضا.
-
هل
تستطيع ان توصلنا غدا صباحا الى بلدة الواحة ؟
-
نعم
بالتأكيد.
عند
وصولهم دفع "علاء" اجرة "ادريس" , ودخل الفريق الفندق وجلسوا
في المطعم.
اسرع
اليهم الخادم وسأل عن طلباتهم ثم ذهب ليجلب الطلبات.
"علاء"
– يجب ان نقرر ذهابنا من عدمه.
"نوال"
- عدم ذهابنا الى هناك معناه فشل المهمة وستكون هذه الرحلة الطويلة كالرجوع بخفي
حنين.
-
ولكن
يجب وضع خطة دقيقة لتأمين ذهابنا ورجوعنا.
"احمد" – يجب ان نختصر وقت ذهابنا الى تلك البلدة الى
اقل وقت ممكن.
-
سأرفع
درجة الخطورة والاستعداد.
-
سنرجع
ما ان نحصل على العينة ونتحقق من حجم الاصابات.
-
يجب
ان تقومي بذلك في وقت سريع جدا .. حددي منذ الان خطواتك وحتى الاسئلة التي
ستطرحينها.
فجأة
ظهر "صالح" بوجه مبتسم وسلم عليهم فرحبوا به وطلب "علاء" منه
الجلوس معهم , كان "علاء" يحتاج الى معلومات اضافية وقد استقرأ في "صالح"
نوعا من الرجال الذين خبرتهم الحياة وصقلتهم في بوتقتها , وكان يود ان يحصل منه
على رأي بشأن الذهاب وخاصة انه من اهل البلاد واعرف بهم وبطباعهم وبتاريخ الثوار
واعمالهم.
-
سيد
"صالح" .. نود الذهاب الى مدينة الواحة للاطلاع على الوضع الصحي في
المدينة .. واود ان اعرف رأيك في الوضع الامني هناك .. انت من اهل البلد واكيد
لديك تصور عن ذلك.
في
هذه اللحظة اختفت الابتسامة العريضة من وجه "صالح" وقطب جبينه وظهر عليه
الاهتمام ,كانت ردة فعله كأب يسأله اولاده النصيحة. استغرق "صالح" لحضات
قبل الاجابة.
-
في
الحقيقة لا انصحكم بالذهاب الى هناك .. الوضع غير مستقر والثوار بعضهم متشددون
ومرتابون .. وانتم اول اجانب تظهرون في المنطقة منذ اشهر .. لا اعتقد انه من
الصواب الذهاب الى هناك .. اعلم ان واجبكم انساني ولكن هناك من لا يعبأ بذلك.
زاد
هذا الرأي قلق الفريق وعلى رأسهم "علاء" فهو قائد المهمة ونجاح المهمة
وسلامة فريقه هو مسؤليته , فكر "علاء" قليلا قبل ان يقرر.
-
سأذهب
وحدي في البداية لاتأكد من الوضع الامني في البلدة واذا كانت الامور على ما يرام
سارسل اليكم "ادريس" ليقلكم.
لم
يتحرج "علاء" من قول ذلك امام "صالح" فهم تحت عينيه بحكم انهم
يسكنون في فندقه وان سائقهم "ادريس" هو قريبه لذلك فان عدم اخباره سيكون
مثيرا للشك , كما ان عليهم ان يتصرفوا
كفريق علمي في مهمة ذات طابع انساني.
-
سادعوا
الله لكم ليحفظكم.
نظر
"احمد" الى وجه "صالح" عندما سمع تلك الكلمات منه , ولمع في
ذهنه خاطر غريب فحواه : ان "صالح" ادرك بخبرته في الناس ان الثلاثة
الذين امامه ليسوا على حقيقتهم التي ادعوها وان ثمة رابط ما يربطه واياهم .
شكر
"علاء" "صالح" على نصيحته , ثم اعتذر منه واشار الى زميليه
للقيام ثم صعد الثلاثة الى غرفهم.
في
الغرفة فتح "علاء" جهاز الارسال الخاص وارسل رسالة مشفرة مختصرة الى
المقر الرئيسي واشار فيه الى رفع درجة الاستعداد الى الصفراء.
كانت
الدرجة الصفراء معناها الانتقال من الوضع الصامت الى وضع الانصات حيث سيتم تفعيل
اجهزة تحديد المواقع المزروعة في ملابسهم مما سيسمح للادارة الرئيسية مراقبة
تحركات افراد الفريق مباشرة بنظام تحديد المواقع.
الى
الواحة
في
اليوم التالي حضر "ادريس" في ساعة مبكرة كما اتفق مع "علاء" حيث
انطلقت العجلة ب"علاء" و "ادريس".
كان
الطريق طويلا اعطى فرصة لاجراء محادثة طويلة بين "علاء" و "ادريس"
, سأل "علاء" :
-
علمت
ان الوضع كان مستقرا في الاقليم وآمن لماذا ساءت الامور فجأة ؟
-
سيدي
, الاقليم منذ عشرات السنين لم يستقر حاله فالحكومة لا تلبي مطاليبنا و الشعب ما
زال مصرا على الاستقلال .. والثوار عندما يحصلون على السلاح يبدأون بالحرب في امل
الاستقلال وعندما تنتهي مواردهم , بعضهم يهرب الى البلدان المجاورة وبعضهم يتصالح
مع الحكومة... وهكذا.
-
والناس
البسطاء هم من يتحملون تبعات هذه الحروب !
-
قبل
شهور كان الوضع جيدا , كان عمل السياحة مزدهراً وكانت الاعمال جيدة , فجأة ظهر
الثوار من جديد واشعلوا الحرب والحكومة اقامت حصارا شديدا علينا ومنعت عنا كل شيء
.
-
وكيف
تعيشون ؟
-
التجار
والمهربون يأتون بالبضائع من الدول المجاورة ولكن باثمان مرتفعة آذت الناس , ومع
انقطاع السياحة توقفت معظم الاعمال وزادت المآساة.
-
اذن
كيف يستطيع الفقراء والكسبة من الحصول على الطعام ؟
-
معظم
العائلات الفقيرة هاجرت او ارسلت ابناءها للعمل في الدول المجاورة.
-
لكني
لم ارى مسلحين في "الداخلة" , والوضع كان هادئاً .. لماذا ؟
-
المسلحون
بقوا بعيدين عن الساحل لان الحكومة تمتلك سفن تستطيع بها قصف الساحل لذلك بقوا
بعيدين عنه .. ولكن ليس كثيرا , فهم موجودون
في بلدات قريبة من الساحل.
وصلت
السيارة الى مشارف مدينة "الواحة" وهناك شاهدوا مجموعة من المسلحين
يرتدون ملابس عادية ويعتمرون غطاء الرأس الوطني لسكان الاقليم.
كان
المسلحون يسدون الطريق مكونين سيطرة لتدقيق الداخلين الى المدينة وحماية المدينة
من قوات الحكومة , اوقف المسلحون السيارة و تقدم احدهم وسأل "ادريس" عدة
اسئلة ونظر الى "علاء" بحذر بسبب سحنته الغريبة عن أهل المنطقة و كان
الكلام يجري باللهجة المحلية غير ان "علاء" استطاع أن يفهم ان "ادريس"
كان يجيب عن اسئلة بخصوصه وعن سبب تواجده و سبب مجيئه للمدينة و ان "ادريس"
كان يحاول الاجابة عن تلك الاسئلة بشكل صريح و يشرح عن سبب وجود "علاء"
ويبين إنه عضو في البعثة الانسانية التي تود زيارة المدينة والتي تحاول تقديم
المساعدة.
بعد
عدة دقائق من الاسئلة والاجوبة , ذهب المسلح وتكلم مع زملائه ثم اخرج احدهم جهاز
اتصال واجرى مكالمة هاتفية ثم تقدم الى "علاء" والهاتف مازال في يده و
تحدث بلهجة محلية طالبا منه جواز السفر , لم يفهم "علاء" ولكن "ادريس"
طلب منه تسليم جوازه الى المسلح , اخرج "علاء" الجواز واعطاه الى المسلح
, ابتعد المسلح قليلا وقلّب في الجواز , كان المسلح يتكلم بالهاتف ويتلقى تعليمات
لتدقيق الجواز وكان يجيب عن استفسارات تُطلب منه , كان من الواضح انه كان على
المسلح ان يتأكد من مصدر الجواز ومن تأشيرة الدخول فقد ركز برهة على العلامات
المطبوعة على الجواز وقلّب في معظم اوراق الجواز.
بعد
ان اطال المسلح التحدث في الهاتف اغلق الجهاز ووضع الجواز في جيب قميصه , اقترب من
جانب "علاء" وتكلم مع "ادريس" فترجم "ادريس" ذلك ل"علاء":
-
سيحتفظ
بالجواز لحين خروجنا من المدينة .. ويجب ان ننزل للتفتيش.
فتش
المسلحون "علاء" و "ادريس" وفتشوا السيارة جيدا ثم سمحوا لهم
بالركوب والانطلاق.
كان
ذهن "علاء" يعمل بسرعة , كان تصرف المسلحين والتوجيهات التي كانوا
يتلقونها عبر الهاتف تنم عن حس امني جيد وحذر , دخلت السيارة المدينة وطلب "علاء"
من "ادريس" التوجه مباشرة الى مشفى المدينة , و بسبب صغر المدينة وخبرة "ادريس"
في كونه دليل سياحي فقد وصلوا الى مشفى المدينة بسرعة وهناك التقوا بمديرها
الدكتور "عبد الصمد" الذي رحب بهم.
شرح
لهم "عبد الصمد" الوضع الصحي في المدينة وامكانيات المشفى المحدودة
وحاجتها الى المواد الطبية وكان "علاء" يصغي بانتباه حتى تكلم "عبد
الصمد" عن الوباء الذي ينتشر في المدينة وانهم بامكاناتهم البسيطة لا
يستطيعون تحديد نوع المرض او علاجه و تكلم ايضا عن عدد المصابين بالوباء الذين
يعالجون في المشفى وكيف ان بعضهم حالتهم تدهورت وان حياتهم في خطر.
"علاء"
– دكتور , ان معي دكتورة جين وهي متخصصة في علم الاوبئة فهل استطيع جلبها لمعاينة
المرضى والكشف عن هذا الوباء.
-
ارجو
ذلك فقد تساعدنا في انقاذ حياة المصابين أو تساعدنا في معرفة نوع الوباء.
-
حسنا
الدكتورة موجودة في مدينة "الداخلة" ساذهب وآتي بها الى هنا.
شكر
الدكتور "عبد الصمد" "علاء" ثم ودعه على ان يلتقي به هو
والدكتورة جين في وقت آخر من النهار.
كانت
الساعة تقترب من العاشرة صباحا وقد اعتقد "علاء" انه يستطيع الذهاب الى
مدينة الداخلة وجلب الدكتورة ومن ثم العودة بها قبل حلول الظلام , اتصل "علاء"
ب"نوال" وناقش معها الامر وتأكد كم ستحتاج من الوقت لمعاينة المرضى واخذ
العينات , فاطمئن الى ان الوقت المفترض يكفي للرجوع قبل هبوط الظلام , فطلب من "ادريس"
ان يسرع به الى مدينة "الداخلة". اثناء خروجهم من المدينة مرت السيارة
بمجموعة المسلحين واسترجع علاء جوازه منهم.
في
الطريق كان "علاء" يفكر في الساعات القادمة وفي الخطوات المثلى
والاحتياطات اللازمة التي يجب اتخاذها , وصل "علاء" الى الفندق حيث كانت
"نوال" تنتظره مع حقيبتها العلمية ومعها "احمد" في بهو
الفندق.
طلب
"علاء" من "احمد" البقاء في الفندق فيما رافق "نوال"
الى السيارة , فكر "علاء" في ان بقاء "احمد" في الفندق افضل
من مجيئه معهم وتعريض الفريق كله للخطر.
انطلقت
المجموعة الى مدينة "الواحة" من جديد ومروا بالمسلحين انفسهم حيث اعطوا
جوازاتهم لهم.
وصلوا
الى المشفى والتقوا بالطبيب "عبد الصمد" حيث رحب ب"نوال" و
"علاء" و قادهما الى ردهة المصابين , كان ممراً مزدحما بالاسرة ,كأن
بعضها وضعت بصورة مستعجلة , كانت تحوي ما يقرب من 40 مريضا.
بدأت دكتورة "نوال" بتفحص احدهم وبدأت
تناقش حالته مع دكتور "عبد الصمد" وبكثير من المصطلحات الطبية التي لم
يستطع "علاء" فهم اكثرها , كان الاهتمام باديا على وجه "نوال"
اثناء الكلام ومن ثم انتقلوا الى مريض آخر تبدوا حالته اسوأ , ثم اسأذنت من
الدكتور "عبد الصمد" لاخذ عينات من دم المرضى ففتحت حقيبتها ثم استخرجت
انابيب وأخذت بها عينات من دم ثلاث مصابين و وضعتها في انابيب طبية خاصة بجهاز
الكتروني متطور خاص بفحص البصمة الجينية للفايروسات موجود في حقيبتها.
قامت
"نوال" بتسجيل النتائج , ثم اخرجت مجموعة من الادوية واعطتها للدكتور "عبد
الصمد" وتناقشت معه عنها واقترحتها كعلاج مؤقت لعلاج الحالات المتقدمة.
أشار
"علاء" لها بان تسرع لانهاء عملها , خرج الاثنان بعد ان ودعا مدير
المشفى وركبا مع "ادريس" الذي ينتظرهما في السيارة .
الوقوع
في الخطر
انطلقت
السيارة الى خارج المدينة ومرت بمجموعة المسلحين حيث اخذ "علاء" و
"نوال" جوازيهما واستمرت السيارة في طريق العودة , ظن الجميع ان المهمة
قد انتهت واخرجت "نوال" من حقيبتها جهازها المحمول واخذت تكتب تقريرا
خاصا موجزا بنتائج الاختبارات وارسلتها برسالة الكترونية الى مقر العمليات وذلك
حسب التعليمات.
فجأةً
ظهرت عربة مسرعة خلفهم كانت بيك آب تحمل مسلحين , استمر "ادريس" في
قيادته وتنحى الى جانب الطريق فاسحا المجال للسيارة المسرعة , مرت السيارة قربهم
ثم اعترضت طريقهم فجأة واخذ المسلحون يلوحون بالاسلحة في وجه "ادريس" و يطلبون
منه التوقف , توقفت السيارة فقفز المسلحون من ظهر البيك آب وساروا باتجاه السيارة
مصوبين اسلحتهم باتجاه السيارة واخذ "ادريس" يترجم كلامهم.
-
انهم
يطلبون منا الترجل من السيارة ورفع ايدينا.
ترجل
الجميع ورفع "ادريس" و "علاء" ايديهما امام الحاح المسلحين
الغاضبين. قام احدهما بتفتيش "علاء" واخذ منه جهاز الاتصال وجواز السفر
, حاول "ادريس" التفاهم معهم ولكن الردود الغاضبة اقنعته بالسكوت , تقدم
احدهم اتجاه "نوال" وطلب منها اعطاءه جواز السفر و ما تحمل من اجهزة ,
سلمته "نوال" ما طلب منها ثم نظر داخل السيارة واخذ حقيبتها , طلب
المسلحون بعد ذلك من الثلاثة الصعود الى حوض البيك آب الخلفي و الجلوس فيه ثم
صعدوا و وقفوا حولهم يحيطون بهم.
حاول
"علاء" التكلم مع "ادريس" ليتكلم مع المسلحين ليفهم منهم سبب
اعتقالهم , لكن احد المسلحين صرخ به ليمنعه من التكلم فآثر الثلاثة الصمت و ادرك "علاء"
ان ما كان يخشاه قد وقع وان مستوى الخطر قد بلغ درجته القصوى فضغط "علاء"
على فص خاتمه لثوان , كان خاتما خاصا يحوى جهازا الكترونيا دقيقا , كانت هذه الضغطة
كفيلة بتفعيل نظام الطوارىء .
كان
نظام الطوارىء يشمل تفعيل اجهزة تحديد المواقع واللاقطات المزروعة في ملابسهم
ويرسل اشارة تنبيه الى مقر القيادة على بعد الاف الكيلومترات لينذر بوقع خطب ما ,
كانت اللاقطات تسمح لكل فرد في المجموعة سماع ما يجري بمحيط زملائه من اصوات
بواسطة اجهزة الاتصال ومع تفعيل ادوات خاصة فيها.
ادرك
"علاء" ان اي محاولة للتصرف بشكل متسرع قد يؤدي الى عواقب سيئة مع كثرة
المسلحين والسلاح المسلط عليهم , كان هناك ستة رجال مع اسلحتهم لذلك قرر "علاء"
التريث والانتظار فربما هناك سوء تفاهم , ما ان وصلوا المدينة حتى تم تغطية عيونهم
بعصابة فيما بقيت ايديهم حرة.
استمرت
العجلة بالسير وكل ما يعرفه المعتقلون انهم في وسط المدينة وهم يسمعون اصوات حركة
السيارات وبعض الهتافات , وفجأة توقفت السيارة واحس "علاء" بشخص يمسكه
من ذراعه ويجبره على الوقوف والنزول من السيارة , كان "علاء" يحاول
معرفة مكان "نوال" من الاصوات التي يسمعها حوله , تم اقتيادهم مسافة ما
يقرب من عشرين مترا ثم سمعوا صوت باب يفتح ثم يغلق بعدها , اُجلسوا على كراسي وتم
تقييد ايديهم خلف ظهورهم ومن ثم رُفع الغطاء عن عيونهم , شاهدوا غرفة صغيرة
جدرانها قديمة ليس فيها الا طاولة صغيرة وعدة كراسي , كان "علاء" و
"نوال" مربوطين الى كرسيين خشبيين فيما لم يكن "ادريس" معهم
ووقف تجاههم مسلحان محليان قرب الباب.
بعد
دقائق من الهدوء فتحت الباب ودخل رجل يلبس ملابس عسكرية وقد ارتدى غطاء الرأس
المحلي وقد اسدل قطعة منها لتخفي رقبته وذقنه وقد ارتدى نظارات شمسية فكان معظم
وجهه مخفيا وبدا انه المسؤول عن المسلحين , جلس خلف الطاولة بينما وقف المسلحان
على جانبيه خلف ظهره , دخل احد المسلحين واعطى الجوازات والاجهزة والاوراق التي
اخذها المسلحون من "علاء" و "نوال", قلّب في الاوراق والجوازت
باهتمام وقرأ ما فيها بسرعة.
-
من
اين انتما ؟
-
نحن
انكليز من منظمة انسانية.
-
وكيف
دخلتما البلد ؟
-
دخلنا
بصورة رسمية عبر مطار العاصمة.
نظر
الى علاء بنظرة غاضبة وقال بصوت غاضب :
-
كيف
دخلتم الى اقليم الساحل ؟
-
استأجرنا
قارب ليلا من مدينة "الجبل" ونزلنا قرب مدينة "الداخلة".
-
وكيف
لم تعترضكم زوارق خفر السواحل ؟
-
الصياد
الذي جلبنا اكد لنا انه يستطيع تجنب خفر السواحل وقد استطاع ذلك.
صمت
الرجل قليلا وكأنه استنفد الاسئلة واقنعته الاجوبة , ثوان وخرج الرجل وحمل معه
الجوازت والاوراق وبقي الحارسان.
تبادل
"علاء" و "نوال" النظرات وقال "علاء" لها:
-
لا
تخافي سنخرج من هنا بسلام.
قال
"علاء" ذلك وهو غير متأكد ولكنه قالها بطريقة تنم عن ثقة ليبعد عن "نوال"
الخوف.
احمد
يتحرك
قبل
اكثر من ساعة كان "احمد" يتابع التلفاز وقد اعتقد ان مهمته الاولى قد
شارفت على النهاية بسلام فقد ذهب "علاء" مع "نوال" ولابد انهم
نجحوا في جلب عينات الدم المطلوبة وتعرفوا على نوعية الوباء المنتشر في الاقليم ,
و فجأةً اثناء هذه الجلسة الهادئة ل"احمد" اهتزت ساعة يده منذرةً بخطبٍ
ما , نظر الى ساعته وضغط على احد جوانبها لتتغير شاشة الساعة الى شاشة حمراء تلمع
بصورة متقطعة , كانت هذه الاشارة تنذر ان المهمة انتقلت الى الانذار الاحمر اي ان
الخطر في اعلى قمته ، ضغط "احمد" على الشاشة فاختفى اللون الاحمر وبدأت
الشاشة تبث صور مباشرة لكاميرة خفية موضوعة في نظارات "نوال".
كانت
اللحظات الاولى من الصور الحية غير مفهومة فهناك اقدام في كل مكان , فهم "احمد"
سريعا ان "نوال" كانت تنظر الى اسفل وانها جالسة على الارض فيما يحيطها
عدد من الرجال , لم تكن أرض بل حوض سيارة خلفي , بدأت الصورة تتحرك , نظرت "نوال" الى "علاء"
الجالس قربها ثم الى "ادريس" وكانت سيقان لرجال واقفين حولهم تظهر اثناء
تجوال الكاميرة.
اكتفى
"احمد" بهذه اللقطات واسرع الى حقيبة المعدات واخرج حاسب محمول صغير
وشغله فأنارت الشاشة وبلمسات خفيفة ظهرت خارطة المنطقة واظهر برنامج تحديد المواقع
التحركات الاخيرة لافراد الفريق والتحرك الاخير ل"علاء" و "نوال"
, كان البرنامج يشير الى انهما عائدين الى مدينة الواحة بعد خروجهما منها , اخرج "احمد"
من الحقيبة جهاز صغير وضعه في اذنه واخرج هاتفه المحمول وضغط عدة مفاتيح وبدأ
الجهاز يلتقط من لاقطات صغيرة في ملابس "علاء" و "نوال" الاصوات
المحيطة بهما.
ادرك
"احمد" ان "علاء" و "نوال" قد تم اعتقالهما في طريق
العودة من قبل المسلحين , كان "احمد" هو رجل الحماية الاول في الفريق وعليه
حماية زملائه في اوقات الخطر , كما ان "احمد" يدرك ان مركز العمليات قد
وصلته اشارة الانذار نفسها التي وصلته.
قرر
"احمد" ان يعمل بسرعة بانتظار ان تأتيه اوامر جديدة من القيادة , وضب "احمد"
الحقائب وجمع جميع الامتعة والمعدات , نزل "احمد" من غرفته , كان عقله
يعمل بسرعة , قرر ان يحصل على سيارة قوية للذهاب في اثر زميليه و ليستطيع الحركة
بحرية في حال صدرت الاوامر له بالتحرك.
سأل
"احمد" صاحب الفندق عن معرض يستطيع فيه شراء سيارة فدله صاحب الفندق عليه , كان المسافة قريبة
فقرر "احمد" الذهاب مشيا وفي الطريق رن هاتفه كان الرقم معروفا له .
كان
اتصال من القيادة يطلب منه اتخاذ ما يلزم لتعقب زميليه واتخاذ ما يلزم لانقاذهما ,
اخذ "احمد" يتابع عبر سماعة الاذن الاصوات التي تأتي من مكان زميليه
ويتوقف بين فترة واخرى ليطالع الصور الواصلة من كاميرة "نوال".
استطاع
"احمد" ان يحصل على سيارة جيدة رباعية الدفع , بعد ان جربها وتأكد من
كفائتها دفع نقودها و اخذها وملأها
بالوقود ولانه شعر بان شكله مميز ومثير للريبة بسبب ملامحه ذهب الى سوق شعبي
واشترى كما يشتري السائح ملابس شعبية ومجموعة تجميل لينجز بها فكرته , عاد
بالسيارة الى الفندق وصعد الى غرفته وهو مازال يتابع الاحداث عبر سماعة الاذن.
فتح
الجيوب السرية في حقائبه واخرج اجزاء الاسلحة واعاد تجميعها اصبح عنده مسدسان
ومجموعة قنابل صغيرة , في تلك الحظات انتبه الى الاحداث واخذ يستمع الى اسئلة
المسلحين نظر الى ساعته ورأى الصور المباشرة , رأى ذلك المسلح ذو النظارات السوداء
وهو جالس خلف الطاولة وهو يسأل "نوال" و "علاء" وهو يتفحص
جوازيهما واجهزتهما المحمولة , حول الصورة الى جهاز الحاسب اللوحي فيما ارتدى درع
مضاد للرصاص تحت ملابسه , شاهد "احمد" خروج المسلح من الغرفة , لم يكن المسلح
يعلم ان اجهزة "علاء" و "نوال" التي يحملها تحوي لاقطات للصوت
وان حديثه كان يسمع من قبل "احمد" والقيادة المركزية للمهمة.
خرج
المسلح من الغرفة خطوات ثم بدأ يتصل بواسطة هاتفه المحمول ثم بدأ يتكلم بالانكليزية
:
-
لقد
قبضت على اجنبيين يحاولان اخذ عينة من دماء المصابين بالفايروس.
-
من
اين هما ؟
-
يحملان
جوازا سفر انكليزيان ويقولان انهما من منظمة انسانية.
-
تحفظ
عليهما وصور لي جوازهما وارسلها لي فورا.
-
حسنا
, سأرسلها لك.
بعد
ذلك انتهت المكالمة وسمع "احمد" صوت كاميرة وهي تلتقط صورتين وفترة هدوء
, ادرك "احمد" ان المسلح قام بارسال صور الجوازات الى الشخص الاخر الذي
يظهر انه يتبع اليه , كان "احمد" يعلم إن الجوازات مطبوعة باحدث الاجهزة
الالكترونية ومطابقة للجوازات البريطانية الاصلية ولن يستطيع احد اكتشاف عدم صحتها
الا اذا طابق ارقام الجوازات والاسماء مع قاعدة البيانات لحاملي الجوازات
البريطانية والموجودة فقط في حاسبات وزارة الداخلية البريطانية , لذلك اعتقد "احمد"
ان هذه الخطوة من قبل المسلحين كانت ستعطي الامان لزميليه , فهولاء المسلحون لن
يستطيعوا بكل بساطة كشف تزوير الجوازات وسيتأكد المسلحون انهم شخصان اجنبيان وليسا
جاسوسان محليين للحكومة , اعقب ذلك صوت مبهم وصوت غريب يتكلم بلهجة محلية ولكن "احمد"
استطاع فهم فحوى الكلام الدائر :
-
"ابو الأسود" من هؤلاء الذين قبضت عليهم ؟
-
انهما اجنبيان وسائقهما .. اطلقت سراح السائق وتحفظت على الاجنبيان لاحقق معهما
واعرف سبب تواجدهما هنا.
-
حسنا ولكن احذر لا نريد ان نتورط مع الدول الغربية.
-
فهمت.
استمر
الهدوء , فيما قرر "احمد" ان يستغل الوقت , كان الهدوء يحيط ب"علاء"
و "نوال" و "ابو الاسود" .
نزل
الى الاسفل وذهب الى الادارة ودفع كامل الاجور و فتح السيارة ووضع الحقائب فيها
وودع صاحب الفندق وانطلق بالسيارة , ما ان خرج "احمد" من اطراف المدينة
حتى اوقف السيارة على جانب الطريق فقد انتبه الى صوت رنة المحمول تدق في اذنه ,
كانت رنة جهاز المسلح "ابو الاسود" :
-
نعم
ماذا وجدت ؟
-
جوازاتهم
مزورة , ويبدوا انهم جواسيس محترفون , حقق معهم واعرف لاي دولة يتبعون , واحذر ان
يهربوا منك فهمت.
-
فهمت.
كان
هذا تطور مفاجىء ومقلق , فكيف استطاع ذلك المتكلم ان يكشف جوازاتهم !
عاصفة
من الخوف
مرت
الدقائق ثقيلة و كان "علاء" يفكر في طريقة للخروج من هذا المأزق ويدرس
جميع الاحتمالات وخطورتها وامكانية نجاحها , كما انه كان يفكر في الاسباب التي
جعلت المسلحين يغيرون رأيهم وخاصة ان المسلحين كانوا في البداية قد تحققوا منهم
وسمحوا لهم بالدخول وحتى الخروج , لماذا غيروا رايهم في اللحظة الاخيرة وقرروا
القاء القبض عليهم , هل ارتكب هو او "نوال" خطأً اثار ريبة المسلحين ,
لم يكن المسلحين على قرب منهم قط الا في بوابة الحراسة عند مدخل المدينة ولم يحدث
شيء مريب هنالك , هل هناك في المشفى من شك فيهم واخبر المسلحين بشكوكه ! , كل تلك
الافكار كانت تدور في ذهن "علاء" وهو يحاول ان يحضر ردود لاي اسئلة او
شكوك قد تُطرح عليه.
فجأة
دخل "ابو الاسود" ضاربا الباب بقوة واقترب من الاثنين وصاح بقوة :
-
انتما
جاسوسان لمن تعملا .. اجيبا ؟
-
نحن
لسنا جواسيس.
قالت
" نوال" بسرعة.
كانت
رد الفعل الاسود عنيفة ومفاجأة فصفع "نوال" صفعة قوية رمت بنظارتها من
وجهها وجعلتها تطلق صرخة , لم يتحمل "علاء" المنظر فقفز عليه وضرب برأسه
صدر "ابو الاسود" فارتد الى الخلف ولكن بسبب الكرسي الذي قُيدَ اليه فقدَ
"علاء" اتزانه وجعله يقع على الارض فهاجمه احد الحراس وضربه بكعب
البندقية على رأسه مما جعله يقع مغشيا عليه.
راحت "نوال" تصرخ وهي تنظر الى
"علاء" وهو يُضرب وبدون ان تشعر تكلمت بالعربية :
-
اتركوه
.. اتركوه .
استعاد
"ابو الاسود" رباطة جأشه بعد ان تفاجأ بضربة "علاء" القوية ,
واشار الى الحارسان :
-
احملوه
الى الدكتور لا نريده ان يموت الان.
حمل
الحراس "علاء" من ذراعيه وخرجوا به من الغرفة.
اقترب
"ابو الاسود" من "نوال" :
-
انت
تتكلمين العربية وبلهجة غريبة لا اعرفها , اخبريني من اين انتم ؟
-
نحن
منظمة انسانية...
وقبل
ان تكمل جملتها صفعها من جديد صفعة اقوى من سابقتها اخرجت الدم من شفتها العلوية.
-
لسنا
جواسيس .. على ماذا نتجسس ..
جاءت
الصفعة الجديدة لترميها هي والكرسي على الارض , اطلقت "نوال" من جراءها
صرخة عالية , بعد ارتطامها بالارض احست بالم شديد في ذراعها اليسرى ورقبتها
واسنانها و لم تستطع "نوال" السيطرة على دموعها .. تقدم منها "ابو
الاسود" وبقبضة واحدة اعادها الى وضعيتها السابقة:
-
لا
فائدة من الكذب جوازاتكم مزورة وانتم مزورون .
اخرج
من حزامه سكين وقربه من وجه "نوال".
-
تكلمي
قبل أن اقطّعك بهذا السكين .. انت ستتكلمين في جميع الاحوال فتكلمي الان افضل فقد أرأف
بك.
تقربت
السكين رويدا رويدا من وجه "نوال" كانت اجزاء الثواني تمر برعب على "نوال"
التي تكاد اعصابها تنهار تحت الضغط .
الخوف
من المجهول
فجأة
انفتحت الباب , فالتفت "ابو الاسود" ودخل رجل كبير السن تحدث بشكل غاضب
مع "ابو الاسود" ورد عليه "ابو الاسود" بشكل اقل حدة ! بالرغم
من اللهجة الغريبة على "نوال" الا انها استطاعت ان تفهم ان الرجل الكبير
يرفض ضرب النساء او تعذيبهم و إن هذا الرجل يبدوا من رؤساء الثوار فقد كان "ابو
الاسود" يجادله ولكن باسلوب مهذب نوعا ما ويحاول ان يقنعه إن "نوال"
و "علاء" جواسيس وعملاء للحكومة , و انه يفعل ذلك لحماية الثوار والثورة
, بقي الحوار مستمرا لدقائق استعادت فيها "نوال" رباطة جأشها وحاولت
السيطرة على سرعة تنفسها , انتهت المحاورة بنبرة حازمة من الشيخ تبعها بخروجه من
الغرفة فتبعه "ابو الاسود".
بقيت "نوال" وحدها في الغرفة نظرت الى
ملابسها وتأكدت ان اجزاء من جسمها لم تنكشف نتيجة الضربة الاخيرة و نظرت الى
الاماكن التي تؤلمها لم يكن هناك جروح ولكنها أحست بطعم الدم في فمها , ثم بدأت
تفكر في اللحظات التالية كان قلقها من تكرار عملية الاستجواب و كم تستطيع ان تتحمل
, اعتراها قلق شديد فراحت تردد بصوت هامس :
-
يا
رب انقذني.
دام
الهدوء لدقائق قبل ان يدخل احد المسلحين ويحررها من الكرسي الا انه اعاد ربط يديها
خلف ظهرها ثم امسكها من ذراعها يجرها الى الخارج اصبحت خارجا فنظرت حولها بسرعة ,
كان المكان عبارة عن بناية من طابق واحد تحيط بساحة كبيرة , انتشر فيها الكثير من
المسلحين وفي طرفها سيارتين رباعيتي الدفع.
جرها
المسلح وسط حشد من المسلحين الى احدى السيارتين كانت مفتوحة الباب الخلفي , وهناك
رأت "علاء" ملقىً في حقيبة السيارة وهو مغمى عليه ويديه مقيدة خلف ظهره ,
دفعها المسلح الى داخل الحقيبة لتصطدم ب"علاء" بعنف ثم أغلق الباب
الخلفية , كان المكان ضيقا وكان ظهرها لظهر "علاء" .
-
علاء
.. علاء !
نادت
نوال على "علاء" محاولةً ايقاضه ولكن بلا فائدة فلابد ان اصابة "علاء"
شديدة تمنعه من الاستيقاظ اعتقدت "نوال" , كانت المساحة الخلفية تسمح
لها برؤية السماء وسماع اصوات من في السيارة اذ لا يفصلها عنهم فاصل باستثناء
الكراسي الخلفية. احست "نوال" بركوب المسلحين وقدرت انهم ثلاثة من اصوات
انفتاح الابواب وغلقها ثم تحركت السيارة و بدأت تسير بسرعة على طريق غير معبد جيدا
, فكانت تشعر بالحفر والمطبات التي تجعل جسمها ينصدم بشدة بباب السيارة احيانا و
بجسد علاء احيانا أخرى.
حاولت
"نوال" فتح قيدها بقوة ساعديها الا ان القيد كان اقوى , واستمرت هذه
الحالة الصعبة الى أن فجأةً سمعت نوال صوت انفجارين في داخل السيارة وصراخ واشتمت
رائحة الدخان ثم توقفت السيارة بعنف.
تدخل
سريع
عندما
توقف "احمد" على جانب الطريق لبس القميص الشعبي الذي اشتراه من السوق
بدلا من قميصه السابق ولبس غطاء الرأس و وضع بعض المساحيق على وجهه ومع النظارات
اصبح شكله مشابها لاشكال اهالي المنطقة.
وضع
"احمد" جهازه المحمول امامه على لوحة السيارة وفعّل جهاز الارشاد
الالكتروني الذي يظهر خارطة الطريق الى مدينة "الواحة" بالاضافة الى
علامات تدل على مكان وجود "علاء" و "نوال" على الخريطة.
سار
"احمد" متبعا الخريطة وفي الطريق انتابته موجة غضب عندما سمع "ابو الاسود"
يضرب "نوال" وصرختها واصوات ارتطام الاجسام بالارض , ثم تحول الغضب الى
قلق عندما ساد الهدوء للحظات و كانت ردة فعله أن ضغط "احمد" دواسة
البنزين اكثر برغم السرعة العالية التي يسير بها اصلا.
كان
"احمد" بفضل جهازي التنصت المزروعين في ملابس "علاء" و "نوال"
يتابع الحال في محيطهما في وقت واحد , ويتابع محيط الاصوات قرب "ابو
الاسود" , فبعد ان خرج من الغرفة التي فيها "نوال" استمر الحوار قليلا
بين "ابو الاسود" وبين رفيقه وفهم "احمد" ان الشخص الثاني رفض
تعذيب "نوال" ولكن بعد ثواني سمع "احمد" "ابو
الاسود" يتحدث مع شخص ثالث بلهجتهم الحالية .. بعد عدة جُمل ادرك "احمد"
ان "ابو الاسود" كان يسأل عن صحة "علاء" وان الشخص الاخر
وربما كان طبيباً اخبره ان اصابته شديدة وانه لا يستطيع ان يستجوبه , بعدها ساد
الصمت من جديد ثم سمع "احمد" "ابو الاسود" يتصل من جديد :
-
حاولت
استجواب الجاسوسان لكن احدهما اصيب باصابة بالغة والاخرى حاولت استجوابها ولكن ..
هذا الغبي "ابو العز" لايقبل ان اعذبها.
-
اجلبهما
لي بسرعة وحافط على حياتهما .. اريدهما حيين.
-
حاضر.
فهم
"احمد" ان هناك من يقود "ابو الاسود" وان اوامره صارمة ولابد
ان "ابو الاسود" سيقوم بنقل "نوال" و "علاء" تنفيذا
لتلك الاوامر , لذلك اطلق العنان لسيارته لتنطلق باقصى سرعة.
كانت
السيارة تقترب بسرعة من الواحة عندما سمع "احمد" صوت نقل "علاء"
الى السيارة ومن ثم نقل "نوال" اليها ايضا.
ابصر
"احمد" مرابطة المسلحين من بعيد فخفف السرعة وعندما اقترب من المسلحين
لم يتوقف بل اكتفى برفع يديه بالتحية الحارة والمشجعة فردوا له التحية وتركوه يمر
بسرعة , نجح تنكر أحمد في عبور المسلحين , كان "احمد" يركز على الشاشة
وهو يشاهد تحرك "نوال" و "علاء" , خفف "احمد" السرعة
وهو يدخل المدينة , كان "احمد" يتطلع لمعرفة اتجاه حركة زميليه عندما
تأكد ان المسلحين يتحركون بهما بعيدا , الى طريق وحيد يتجه الى الحدود الشرقية ,
بسرعة قرر "احمد" ان يسبق المسلحين مستفيداً من خارطة جهاز الارشاد ,
انطلق "احمد" في الشوارع الفرعية ليصل الى الطريق الخارجي قبل المسلحين ,
وصل "احمد" الى الطريق الخارجي قبل لحظات من وصول المسلحين ثم هدأ
السرعة حتى يمر من سيطرة المسلحين في الطرف الثاني من المدينة لكي لا يثير شكوكهم
, عبر "احمد" بسيارته الى خارج المدينة واسرع لينفذ كميناً للمسلحين.
كان احمد قد لاحظ على جهاز التعقب عدة اشارات
لاجهزة التعقب فهم منها ان زميليه في نفس السيارة الامامية , بينما كانت حقيبة "نوال"
و "علاء" في السيارة الثانية , استمر "احمد" يقود مبتعدا عن
سيارات المسلحين ليوفر لنفسه فسحة من الوقت تكفي لاعداد خطته وكان ينتبه الى ان
المسلحين يسلكون نفس الطريق المعبد.
وصل
"احمد" الى مكان فيه كثبان رملية يستطيع الاختفاء خلفها بالسيارة كما
يستطيع منها مراقبة سيارات المسلحين وهي تقترب منه , أوقف "احمد"
السيارة في المكان المناسب و هيأ اسلحته ومعداته ونزل من السيارة وصعد الكثيب
الرملي و عبر نظارته المقربة راقب السيارات تقترب كان الطريق خاليا من سواها كانت
سيارتان رباعيتا , الدفع الاولى مضللة والثانية قد بدا منها المسلحين وهم يحملون اسلحتهم
, في السيارة الاولى استطاع "احمد" ان يميز رغم التظليل وبسبب اشعة الشمس
القوية وجود رجلين في مقدمة السيارة و رجل في الخلف و أدرك من الاصوات التي سمعها
مسبقا من أجهزة التنصت و اشارات جهاز التعقب ان "نوال" و "علاء"
في صندوق السيارة , عاد "احمد" الى السيارة و تهيأ واخذ يراقب السيارتين
على الخارطة على جهاز الارشاد والتعقب , وعندما اعتقد ان اللحظة الحاسمة تقترب ركز
بصره على السيارة الاولى التي اعتقد ان فيها "ابو الاسود" فيها , كانت اجهزة
المحمول التي لديهم وكل حقائبهم مزودة بمتفجرات صغيرة كافية لاتلاف محتواها في حال
وقعت في أيدي غير امينة , لذلك فكر احمد في استغلال ذلك خاصة وان افراد العدو اكثر
منه.
عملية
الانقاذ
فعّل
"احمد" جهاز التفجير عن بُعد و حدد الاجهزة المراد تفجيرها كانت حقيبة "نوال"
و المحمول ل"نوال" و "علاء" , مع اقتراب ثانية الصفر توكل
"احمد" على الله :
-
بسم
الله .
اتصل
"احمد" بمحمول "نوال" وهو يراقب السيارة الاولى من بعيد وهنا
لمح الحركة التي انتظرها بلهف لمح الراكب في المقعد الخلفي في السيارة الاولى
يتحرك بصورة مماثلة لمن يتفقد هاتفه المحمول ويتطلع فيه , وهنا ضغط "احمد"
ازرار التفجير تباعا وحدث ما كان ينتظره.
سببت
الانفجارات المفاجِأة بالرغم من قوتها المحدودة ارباكا , كان انفجار حقيبة "نوال"
في العجلة الثانية قويا بحيث فُتح صندوق السيارة و ارتفع منه الدخان و توقفت
السيارة خارج الطريق و فُتحت الابواب وخرج افرادها يتراكضون مبتعدين عن السيارة
معتقدين انهم يتعرضون لقصف جوي او خوفا من انفجار السيارة.
اما
السيارة الاولى فقد خرجت عن الطريق قليلا قبل ان تتوقف , وهنا ضغط "احمد"
دواسة الوقود وانطلق باقصى سرعة باتجاه السيارة الاولى , شاهد ابواب السيارة
الامامية تُفتح ويخرج السائق ومرافقه ليفتحوا باب السيارة الخلفي ليخرج "ابو
الاسود" بصعوبة , لم ينتبه المسلحان لاقتراب سيارة احمد الا في اللحظات
الاخيرة وعلى بعد عدة امتار حاول احدهما ان يصوب سلاحه باتجاه السيارة فاطلق عليه "احمد"
النار فاصابه في كتفه , اوقف "احمد" السيارة بكبحة قوية ونزل راكضا بقوة
باتجاه المسلحين , اطلق طلقة اخرى على ساق المسلح الثاني فسقط على الارض اما "ابو
الاسود" فقد كان محتميا بباب السيارة و آثار الدم على وجهه ويده من جروح اصيب بها نتيجة انفجار الهاتفين
المحمولين اللذان كان يحملهما , حاول ان يخرج مسدسا من حزامه ولكن "احمد"
عاجله بضربة بالمسدس على رأسه فسقط مغشيا عليه .
فتح
"احمد" صندوق السيارة وعيناه تدور بسرعة تراقب المسلحين وفوهة مسدسه
تنتقل من واحد لآخر خوفا من حركة غادرة قد يتعرض لها , فتح صندوق السيارة , كانت
نوال متنبهة ومتفاجأة , اخرج "احمد" سكينا وقطع قيد "نوال" :
-
اسرعي
.. وساعديني في حمل علاء.
امسك
بيدها وساعدها على الوقوف والنزول.
كان
المسلحان المصابان يمسكان جروحهما النازفة وينظرون بنظرة خائفة وقد سقط رئيسهما
على الارض , و يبدوا ان المفاجأة وسرعة الاحداث ما زالت تسيطر عليهما فقد جرت كل
هذه الاحادث في ثواني قليلة.
ساعدت
"نوال" "احمد" فحمل "علاء" على كتفه ثم اعطاها
مسدسه الثاني .
-
احمي
ظهري والتقطي بنادق المسلحين بسرعة .
امسكت
"نوال" بالمسدس والقت نظرة حولها , كان هناك بعض مسلحي العجلة الثانية
يقتربون مع اسلحتهم , فاطلقت "نوال" اطلاقة باتجاههم :
-
"احمد"
اسرع .. انتبه .. من ذلك الاتجاه.
واشارت
اليه لجهة المسلحين , اسرع فاطلق اطلاقة باتجاههم وانطلق باتجاه السيارة , رد
المسلحون باطلاق النار ولكن المسافة كانت بعيدة وحركة "احمد" و
"نوال" أسرع.
التقطت
"نوال" بندقية احد المسلحين واسرعت خلف "احمد" ثم توقفت
واطلقت دفعة من الاطلاقات باتجاه المسلحين القريبين , وضع "احمد" "علاء"
في المقعد الخلفي وطلب من "نوال" الصعود قربه , اطلق المسلحون النار من
بعيد واسرعوا للاطمئنان على زملائهم في السيارة الاولى , انطلق "احمد" بالسيارة
باقصى سرعة مبتعدا عن المسلحين , وضغط على جهاز الاتصال وارسل رسالة :
-
تمت
مهمة الانقاذ وانا بحاجة الى الدعم.
وبنقرات سريعة على شاشة جهاز الارشاد والتعقب كبر
حجم الخارطة وحدد اتجاهه تجاه بلدة "الداخلة".
القرش
يتدخل
منذ
اكثر من ساعة كانت "القرش الازرق" قد استلمت رسالة الطوارىء الحمراء
وحسب التعليمات اسرعت بصمت باتجاه ساحل الاقليم , وبدأ القبطان ومساعدوه تدارس
الخطوات والاجراءات الملائمة , وكانت في هذه اللحظات تقترب من الساحل عندما وصلت
اخر المعلومات بنجاح الفريق من الافلات من المسلحين وتحركه باتجاه المحيط.
حددت
ادارة الغواصة موقع سيارة الفريق وموقعهم بالنسبة اليهم , كانت المسافة بين
الغواصة والسيارة بحدود ساعتين باحتساب سرعة الغواصة وسرعة السيارة , لكن هذا
الوقت كان كثيرا كما ان الموقع السابق لنزولهم والذي يحوي القارب المطاطي سيكون بعيداً
عليهم وسيصعب عليهم وهم مطاردون تجهيز القارب والابحار خاصةً مع اصابة علاء , لذلك
قررت ادراة الغواصة وضع خطة جديدة حيث تم تحديد موقع جديد على الساحل اقرب من
الموقع السابق على ان يتم ارسال فريق من افراد الغواصة بواسطة قارب مطاطي لجلب
الفريق , تم ارسال رسالة مشفرة سريعة الى القيادة بالخطة الجديدة , وتم ارسال
احداثيات الموقع الجديد و مسار الحركة الى جهاز الارشاد ل"احمد" , اُعدت
هذه الخطة الجديدة لتوفر ساعة من الوقت.
تم
المباشرة فورا بالخطة الجديدة و بما إن الشمس ما تزال مشرقة فقد تم اطلاق قارب
مطاطي من عنبر الشحن والغواصة تحت الماء وبعدها سبح اربعة غواصين من كوة من
الغواصة الى السطح حيث كان القارب على السطح بعد ان انفتح تلقائيا ومعه تجهيزاتهم
, استقل البحارة القارب وانطلقوا الى موقع اللقاء مع "احمد".
في
هذه الاثناء كان "احمد" يقود السيارة ويتبع الخطة الارشادية للوصول الى
مكان اللقاء , كان يقود و "نوال" تتابع النظر خلف السيارة وكان يعلمان
ان هناك سيارة للمسلحين تتبعما وتحافظ على مسافة ثابتة من دون اطلاق النار , كان ذلك
مثيراً للتساؤل و عدة احتمالات تدور في خاطر "احمد" لعدم هجوم المسلحين
وكان اكثرها احتمالاً ان المسلحين كانوا ينتظرون تعزيزات اضافية قبل الهجوم عليهم
وانهم ربما يخشون الهجوم منفردين بسبب ماتفاجأوا به من انفجارات مباغتة وربما اعتقدوا
ان الفريق هم جواسيس حكوميون وان احتمال تدخل اسناد جوي حكومي وارد.
كان
"علاء" ما يزال في غيبوبة و "نوال" تحمل البندقية وتراقب
حواليها لرصد اي هجوم مباغت من قبل المسلحين وفجأة مع اقترابهم من الساحل ظهرت
سيارة ثانية للمسلحين و دون سابق انذار بدأ اطلاق النار الكثيف وهنا ارسل "احمد"
رسالة نجدة يخبر فيها بانهم يتعرضون لاطلاق نار كثيف, اصابت بضع اطلاقات الجزء
الخلفي للسيارة وبدأ "احمد" يناور بالسيارة يمنةً ويسرة لتفادي
الاطلاقات.
تلقت
الغواصة نداء النجدة وبعد مناقشة سريعة بين القبطان ومساعده قرر القبطان اطلاق
جهاز الرصد "النحلة".
ارتفعت
الغواصة الى العمق المناسب , وبدأ القبطان يصدر اوامره :
-
استعداد
لاطلاق جهاز الرصد "النحلة".
-
عُلم
سيدي.
جاوبه
ضابط الاسلحة.
-
الهدف
.. موقع الفريق وفق احداثيات جهاز تحديد المواقع .. في حال كنت مستعد .. اطلق.
من
تحت الماء تم اطلاق صاروخ موجه يحمل النحلة , ارتفع الصاروخ فوق سطح الماء ثم بدأ
يعدل اتجاهه وفق البيانات المعطاة ويتجه الى الاعلى صوب الساحل , ما ان وصل
الصاروخ الارتفاع والموقع المطلوب حتى انفصل الجزء العلوي منه وانفتح غلافه
الخارجي فيما انفجر الجزء المنفصل , من الجزء العلوي ظهرت طائرة مروحية صغيرة بدأت
تحلق بصورة عمودية , احتوت هذه الطائرة على كاميرات دقيقة مع عدسات مقربة و اجهزة
توجيه بالليزر , بدأت بتصوير الارض , بدأ قسم الاستطلاع في الغواصة استلام الصورة
الملتقطة مباشرة من النحلة , وبعد لحظات استطاع افراد القسم رؤية عربة "احمد"
تطاردها سيارتان للمسلحين فيما هناك ثالثة تحاول اللحاق بهما , تم تقريب الصورة
وكانت احدى العجلتان تحمل مدفعاً رشاشاً و تطلق النار على عجلة الفريق , اتخذ
القبطان قرارا سريعا وجريئا.
-
استعدوا
لاطلاق صواريخ سطح-سطح .. استعدوا لاطلاق صاروخ "ج" .. الهدف سيارة
المسلحين المحملة بالمدفع الرشاش .. حدد الهدف بواسطة النحلة ... اعلنوا حالة
الاستعداد القصوى ... الاستعداد لاطلاق صاروخ "ج" ... في حال الجهوزية
التامة اطلق صاروخ "ج" رقم 1.
ثواني
قليلة وتم اطلاق صاروخ "ج" القصير المدى الذي يحمل رأساً زنته 25
كيلوغرام , انطلق الصاروخ خارجا من تحت الماء الى الاعلى ثم بدأ بتعديل اتجاهه حسب
الاحداثيات الملقمة اليه.
كانت
سيارة "احمد" تنطلق بسرعة جنونية في ارض صحراوية وهي تنحرف يمينا ويسارا
والغبار يرتفع حولها وعجلات المسلحين تتبعها عن كثب وتطلق النار بين هينة واخرى.
عندما
تلقى "احمد" رسالة تحذير بأن قوة مدمرة ستستخدم ضد المسلحين وان عليه
الابتعاد باقصى سرعة.
كانت
تفصل "احمد" عن موقع اللقاء ما يقرب من خمس دقائق عندما أحس بضوء شديد
يلمع خلفه وصوت قوي يخترق اذنيه وعاصفة من الغبار تغطيه , بردة فعل قوية استدار
ليطمئن على زميليه فلم يستطع رؤيتهما بسبب الغبار ثم عاد الى الانتباه الى الطريق
الذي غطته موجة التراب , ادرك "احمد" ان التحذير الذي تلقاه قبل قليل قد
نُفذ وان اصابة مباشرة اصابت عجلة المسلحين , ثواني وكان "احمد" يخرج من
عاصفة الغبار التي اثارها انفجار الصاروخ الذي اطلقته غواصة القرش , سار "احمد"
المسافة المتبقية بدون اي ازعاج بعد ان اطمأن على زميليه.
عند
موقع اللقاء وجد "احمد" اربعة من الغواصين المسلحين ينتظرونه , عندما
رأوه اسرعوا الى السيارة وحمل اثنان منهم "علاء" فيما حمل الاخر الحقائب
, ثم انطلق الجميع الى قارب مطاطي عند الشاطيء.
انطلق
بهم الزورق باتجاه البحر والشمس توشك على المغيب , بعد ساعات كان الجميع في طريق
العودة الى ارض الوطن.
بعد
ايام تم رفع تقرير بنتائج العملية التي توصلت الى ان دولة معادية طورت سلاح جرثومي
وان الوباء الذي انتشر في اقليم الساحل كان تجربة لهذا السلاح اشترك فيها عملاء
لهم في الاقليم , كما اشّر التقرير الى ان نقص المعلومات وسوء التخطيط عرض المهمة وافرادها
للخطر كما اشاد بافراد الفريق وشجاعته , وبين صواب اجراء القبطان "سليم"
في استعمال الاسلحة الصاورخية الى انه أشر ان ذلك الاجراء عرض الغواصة وطاقمها
للكشف وللخطر.
بعد
اسابيع تدخلت الحكومة للتوسط لحل النزاع بين الحكومة في شمال أفريقيا والاقليم
واستطاعت ادخال المساعدات الانسانية والفرق الطبية الى الاقليم للقضاء على الوباء.
اما
افراد الفريق فقد تمت مكافأة "احمد" و "نوال" و "علاء"
, الذي تماثل للشفاء بعد ايام من عودته الى الوطن , وصدر امر بتشكيل فرقة "
القوة الضاربة " وتم نقل "احمد" ليكون ضمن قيادة هذه الفرقة التي بدأ
تاريخها من ذلك اليوم.
تمت
تنويه
:
هذه
القصة من الخيال ولا يمت محتواها او شخصياتها الى الواقع باية صلة , انما هو طموح
مشروع وأمل في القلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق