كيف اعطى الله سبحانه و تعالى الخلافة لرجل صالح
وعادل من غير حربٍ و لا سيف و لا دم.
ذكر ابن كثير في ترجمة سليمان بن عبد الملك : أنه لما حضرته الوفاة أراد أن يعهد إلى بعض أولاده فصرفه
وزيره الصالح رجاء بن حيوة عن ذلك وما زال به حتى عهد إلى عمر بن عبد العزيز من
بعده وصوب ذلك رجاء فكتب سليمان العهد في صحيفة وختمها ولم يشعر بذلك عمر ولا أحد
من بني مروان سوى سليمان ورجاء ثم أمر صاحب الشرطة باحضار الأمراء ورءوس الناس من بني
مروان وغيرهم فبايعوا سليمان على ما في الصحيفة المختومة ثم انصرفوا ثم لما مات
الخليفة استدعاهم رجاء بن حيوة فبايعوا ثانية قبل أن يعلموا موت الخليفة ثم فتحها
فقرأها عليهم فإذا فيها البيعة لعمر بن عبد العزيز فأخذوه فأجلسوه على المنبر
وبايعوه فانعقدت له البيعة.
تقدم أن عمر بن عبد العزيز لما رجع من جنازة سليمان أتى
بمراكب الخلافة ليركبها فامتنع من ذلك وأنشأ يقول :
... فلولا التقى ثم النهى خشية الردى ... * لعاصبت في حب
الصبا كل زاجر
...
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... * له صبوة
أخرى الليالي الغوابر
...
ثم قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله قدموا إليُ بغلتي ثم أمر ببيع تلك المراكب الخليفية فيمن يزيد وكانت من الخيول الجياد المثمنة فباعها وجعل أثمانها في بيت المال قالوا ولما رجع من الجنازة وقد بايعه الناس واستقرت الخلافة باسمه انقلب وهومغتم مهموم فقال له مولاه مالك هكذا مغتما مهموما وليس هذا بوقت هذا فقال ويحك ومالي لا أغتم وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلى وهو يطالبني بحقه أن أؤديه إليه كتب إلى في ذلك أو لم يكتب طلبه مني أو لم يطلب قالو ثم إنه خير امرأته فاطمة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها وبين أن تلحق بأهلها فبكت وبكى جواريها لبكائها أن فسمعت ضجة في داره ثم اختارت مقامها معه على كل حال رحمها الله وقال له رجل تفرغ لنا يا أمير المؤمنين فأنشأ يقول :
... قد جاءك شغل شاغل ... * وعدلت عن طريق السلامة ...
ذهب الفراغ فلا فرا ... * غ
لنا إلى يوم القيامة ...
وقال الزبير بن بكار حدثني محمد بن سلام عن سلام بن سليم قال لما ولى عمر بن عبد العزيز صعد المنبر وكان أول خطبة خطبها حمد الله واثنى عليه ثم قال : أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فليفارقنا يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ويعيننا على الخير بجهده ويدلنا من الخير على مالا نهتدي إليه ولا يغتابن عندنا أحدا ولا يعرضن فيما لا يعنيه فانقشع عنه الشعراء والخطباء وثبت معه الفقهاء والزهاد وقالوا ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل حتى يخالف فعله قوله وقال سفيان ابن عيينة لما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى محمد بن كعب ورجاء بن حيوة وسالم بن عبد الله فقال : لهم قد ترون ما ابتليت به وما قد نزل بي فما عندكم فقال محمد بن كعب اجعل الشيخ أبا والشاب أخا والصغر ولدا وبر أباك وصل أخاك وتعطف على ولدك وقال رجاء ارض للناس ما ترضى لنفسك وما كرهت أن يؤتى إليك فلا تأته إليهم واعلم أنك أول خليفة تموت وقال سالم اجعل الأمر واحدا وصم فيه عن شهوات الدنيا واجعل آخر فطرك فيه الموت فكأن قد فقال عمر لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال غيره خطب عمر بن عبد العزيز يوما الناس فقال : وقد خنقته العبرة أيها الناس أصلحوا آخرتكم يصلح الله دنياكم وأصلحوا أسراركم يصلح لكم علانيتكم والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات إنه لمعرق له في الموت وقال في بعض خطبه كم من عامر مؤثق عما قليل يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله من الدنيا الرحلة بأحسن ما يحضر بكم من النقلة بينما ابن آدم في الدنيا ينافس قرير العين فيها يانع إذ دعاه الله بقدره ورماه بسهم حتفه فسلبه أثارة دنياه وصير إلى قوم آخرين مصانعه ومغناه إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر تسر قليلا وتحزن طويلا
وقال إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال
لما استخلف عمر بن عبد العزيز قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها
الناس إنه لا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد عليه السلام وإني لست بقاض ولكني
منفذ وإني لست بمبتدع ولكني متبع إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم إلا
أن الإمام الظالم هو العاصي ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز و جل وفي رواية
أنه قال فيها وإني لست بخير من أحد منكم ولكنني لأثقلكم حملا ألا لا طاعة لمخلوق
في معصية الله ألا هل أسمعت
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
قيل: أتى رجل بعشرة دنانير
إلى معروف، فمر سائل، فناوله إياها، وكان يبكي، ثم يقول: يانفس كم تبكين ؟ أخلصي تخلصي.
وسئل: كيف تصوم ؟ فغالط
السائل، وقال: صوم نبينا صلى الله عليه وسلم كان كذا وكذا، وصوم داود كذا وكذا، فألح
عليه، فقال: أصبح دهري صائما، فمن دعاني، أكلت، ولم أقل: إني صائم .
وقص إنسان شارب معروف، فلم
يفتر من الذكر، فقال: كيف أقص ؟ فقال: أنت تعمل، وأنا أعمل.
وقيل: اغتاب رجل عند معروف،
فقال: اذكر القطن
إذا وضع على عينيك.
وعنه قال: ما أكثر الصالحين، وما أقل
الصادقين.
وعنه: من كابر الله، صرعه، ومن
نازعه، قمعه، ومن ماكره، خدعه، ومن توكل عليه، منعه، ومن تواضع له، رفعه، كلام
العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله .
من كتاب سير اعلام النبلاء
للذهبي
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
هيئة احمد بن حنبل رحمه الله
عن عبدالملك بن عبدالحميد الميموني، قال: ما أعلم أني
رأيت أحدا أنظف بدنا، ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا
أنقى ثوبا بشدة بياض، من أحمد بن حنبل رضي الله عنه. كان ثيابه
بين الثوبين، تسوى ملحفته خمسة عشر درهما، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه، لم
يكن له دقة تنكر، ولاغلظ ينكر، وكان ملحفته مهذبة.
وبه حدثنا صالح، قال: ربما رأيت أبي يأخذ
الكسر، ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح. وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة،
إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنبا وتمرا.
من كتاب سير اعلام النبلاء
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
بعض مما قالوا في الامام احمد رحمه الله
قال قتيبة: خير
أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب، يعني: أحمد ابن حنبل، وإذا رأيت رجلا يحب
أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة.
وقال قتيبة: لولا
الثوري، لمات الورع، ولولا أحمد لاحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا.
قال المزني: قال
لي الشافعي: رأيت ببغداد شابا إذا قال: حدثنا، قال الناس كلهم: صدق. قلت: ومن هو ؟
قال: أحمد بن حنبل.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفت
بها رجلا أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
وقال الزعفراني: قال
لي الشافعي: ما رأيت أعقل من أحمد، وسليمان ابن داود الهاشمي.
قال محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثني أبي، قال: قال لي أحمد ابن
حنبل: تعال حتى أريك من لم ير مثله، فذهب بي إلى الشافعي، قال أبي: وما رأى
الشافعي مثل أحمد بن حنبل.
وعن ابن المديني، قال:
أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي: لو أنك
خرجت فقلت: إني على قول أحمد، فقال: أتريدون أن أقوم مقام الانبياء ؟ !.
قال إمام الائمة ابن خزيمة: سمعت محمد بن سحتويه، سمعت أبا
عمير بن النحاس الرملي، وذكر أحمد بن حنبل، فقال: رحمه الله، عن الدنيا ما كان
أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عرضت له الدنيا فأباها،
والبدع فنفاها.
وقال النسائي: جمع
أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصبر.
وقال أبو داود: كانت
مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شئ من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.
عن المزني، يقول: أحمد
بن حنبل يوم المحنة، أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي
يوم صفين.
قلت: كان
أحمد عظيم الشأن، رأسا في الحديث، وفي الفقه، وفي التأله.
أثنى عليه خلق من خصومه، فما الظن
بإخوانه وأقرانه ؟ ! ! وكان مهيبا في ذات الله.
حتى لقال أبو عبيد: ما هبت أحدا
في مسألة، ما هبت أحمد بن حنبل.
قال صالح: ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من
المحدثين، ووجه بقمطر إلى أبي، فرده، وولد لي مولود فأهدى صديق لي شيئا. ثم أتى على ذلك أشهر، وأراد الخروج
إلى البصرة، فقال لي: تكلم أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة، فكلمته
فقال: لو لاأنه أهدى إليك، كنت أكتب له.
من كتاب سير اعلام النبلاء للذهبي.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
ان معاوية ركب البحر في مراكب
فقصد الجزيرة المعروفة بقبرص ومعه جيش عظيم من المسلمين وذلك بامر من عثمان بن
عفان رضى الله عنه له في ذلك بعد سؤاله اياه وقد كان سأل في ذلك عمر بن الخطاب
فابى ان يمكنه من حمل المسلمين على هذا الخلق العظيم الذي لو اضطرب لهلكوا عن
اخرهم فلما كان عثمان لح معاوية عليه في ذلك فاذن له فركب في المراكب فانتهى اليها
ووافاه عبدالله بن سعد بن ابي سرح اليها من الجانب الاخر فالتقيا على اهلها فقتلوا
خلقا كثيرا وسبوا سبايا كثيرة وغنموا مالا جزيلا جدا ولما جىء بالاسارى جعل ابو الدرداء يبكي فقال له جبير
بن نفير اتبكي وهذا يوم اعز الله فيه الاسلام واهله فقال ويحك ان هذه كانت امة
قاهرة لهم ملك فلما ضيعوا امر الله صيرهم الى ما ترى سلط الله عليهم السبي واذا
سلط على قوم السبي فليس لله فيهم حاجة وقال ما اهون العباد على الله تعالى اذا
تركوا امره ثم
صالحهم معاوية على سبعة الاف دينار في كل سنة وهادنهم فلما ارادوا الخروج منها
قدمت لام حرام بغلة لتركبها فسقطت عنها فاندقت
عنقها فماتت هناك فقبرها
هنالك يعظمونه ويستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
روى ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية
والنهاية :
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلثمائة وفيها ولى
بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن أحمد بن موسى الموسوي، قضاء القضاة والحج
والمظالم، ونقابة الطالبيين، ولقب بالطاهر الاوحد، ذوي المناقب، وكان التقليد له
بسيراج، فلما وصل الكتاب إلى بغداد لم يأذن له الخليفة القادر في قضاء القضاة،
فتوقف حاله بسبب ذلك.
وفيها ملك أبو العباس بن واصل بلاد البطيحة
وأخرج منها مهذب الدولة، فقصده زعيم الجيوش ليأخذها منه، فهزمه ابن واصل ونهب
أمواله وحواصله، وكان في جملة ما أصاب في خيمة الخزانة ثلاثون ألف دينار، وخمسون
ألف درهم.
وفيها خرج الركب العراقي إلى الحجاز في جحفل
عظيم كبير وتجمل كثير، فاعترضهم الاصيفر أمير الاعراب، فبعثوا إليه بشابين قارئين
مجيدين كانا معهم، يقال لهما أبو الحسن الرفا وأبو عبد الله بن الزجاجي ، وكان من
أحسن الناس قراءة، ليكلماه في شئ يأخذه من الحجيج، ويطلق سراحهم ليدركوا الحج، فلما
جلسا بين يديه قرآ جميعا عشرا بأصوات هائلة مطربة مطبوعة، فأدهشه ذلك وأعجبه جدا،
وقال لهما: كيف عيشكما ببغداد ؟ فقالا: بخير لا يزال الناس يكرموننا ويبعثون إلينا
بالذهب والفضة والتحف.
فقال لهما.
-
هل أطلق لكما أحد منهم بألف ألف دينار في يوم واحد ؟
فقال: لا، ولا ألف درهم في يوم واحد.
قال: - فإني أطلق لكما ألف ألف دينار في هذه
اللحظة، أطلق لكما الحجيج كله، ولولا كما لما قنعت منهم بألف ألف دينار.
فأطلق الحجيج كله بسببهما، فلم يتعرض أحد من
الاعراب لهم، وذهب الناس إلى الحج سالمون شاكرون لذينك الرجلين المقرئين.
ولما وقف الناس بعرفات قرأ هذان
الرجلان قراءة عظيمة على جبل الرحمة فضج
الناس بالبكاء من سائر الركوب لقراءتهما، وقالوا لاهل العراق: ما كان ينبغي لكم أن
تخرجوا معكم بهذين الرجلين في سفرة واحدة، لا حتمال أن يصابا جميعا، بل كان ينبغي
أن تخرجوا بأحدهما وتدعوا الآخر، فإذا أصيب سلم الآخر.
وكانت الحجة والخطبة للمصريين كماهي لهم من
سنين متقدمة، وقد كان أمير العراق عزم على العود سريعا إلى بغداد على طريقهم التي
جاؤوا منها، وأن لا يسيروا إلى المدينة النبوية خوفا من الاعراب، وكثرة الخفارات،
فشق ذلك على الناس، فوقف هذان الرجلان القارئان على جادة الطريق التي منها يعدل
إلى المدينة النبوية، وقرآ (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا
عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) الآيات [ التوبة: 120 ] فضج الناس
بالبكاء وأمالت النوق أعناقها نحوهما، فمال الناس بأجمعهم والامير إلى المدينة
النبوية فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم ولله الحمد والمنة.
ولما رجع هذا القارئان رتبهما ولي الامر مع
أبي بكر بن البهلول - وكان مقرئا مجيدا أيضا - ليصلوا بالناس صلاة التراويح في
رمضان، فكثر الجمع وراءهم لحسن تلاوتهم، وكانوا يطيلون الصلاة جدا ويتناوبون في
الامامة، يقرأون في كل ركعة بقدر ثلاثين آية، والناس لا ينصرفون من التراويح إلا
في الثلث الاول من الليل، أو قريب النصف منه.
وقد قرأ ابن البهلول يوم في جامع المنصور قول
تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) [ الحديد:
16 ] فنهض إليه رجل صوفي وهو يتمايل فقال: كيف قلت ؟ فأعاد الآية، فقال الصوفي:
بلى والله، وسقط ميتا رحمه الله.
قال ابن الجوزي: وكذلك وقع لابي الحسن بن الخشاب شيخ ابن الرفا، وكان تلميذا لابي بكر بن الادمي المتقدم ذكره، وكان جيد القراءة حسن الصوت أيضا، قرأ ابن الخشاب هذا في جامع الرصافة في الاحياء هذه الآية (ألم يأن للذين آمنوا) فتواجد رجل صوفي وقال: بلى والله قد آن، وجلس وبكى بكاء طويلا، ثم سكت سكتة فإذا هو ميت رحمه الله.
قال ابن الجوزي: وكذلك وقع لابي الحسن بن الخشاب شيخ ابن الرفا، وكان تلميذا لابي بكر بن الادمي المتقدم ذكره، وكان جيد القراءة حسن الصوت أيضا، قرأ ابن الخشاب هذا في جامع الرصافة في الاحياء هذه الآية (ألم يأن للذين آمنوا) فتواجد رجل صوفي وقال: بلى والله قد آن، وجلس وبكى بكاء طويلا، ثم سكت سكتة فإذا هو ميت رحمه الله.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
ابن سمعون الواعظ محمد بن أحمد بن إسماعيل
أبو الحسين بن سمعون الواعظ، أحد الصلحاء والعلماء، كان يقال له الناطق بالحكمة،
روى عن أبي بكر بن داود وطبقته، وكان له يد طولى في الوعظ والتدقيق في المعاملات،
وكانت له كرامات ومكاشفات، كان يوما يعظ على المنبر وتحته أبو الفتح بن القواس،
وكان من الصالحين المشهورين، فنعس ابن القواس فأمسك ابن سمعون عن الوعظ حتى
استيقظ، فحين استيقظ قال ابن سمعون: رأيت رسول الله صـلى الله عليه وسلم في منامك
هذا ؟ قال: نعم ! قال: فلهذا أمسكت عن الوعظ حتى لا أزعجك عما كنت فيه. وكان لرجل
ابنة مريضة مدنفة فرأى أبوها رسول الله صـلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول
له: اذهب إلى ابن سمعون ليأتي منزلك فيدعو لابنتك تبرأ بإذن الله.
فلما أصبح اذهب إليه فلما رآه نهض ولبس ثيابه وخرج مع الرجل، فظن الرجل أنه يذهب إلى مجلس وعظه، فقال في نفسه أقول له في أثناء الطريق، فلما مر بدار الرجل دخل إليها فأحضر إليه ابنته فدعا لها وانصرف، فبرأت من ساعتها، وبعث إليه الخليفة الطائع لله من أحضره إليه وهو مغضب عليه، فخيف على ابن سمعون منه، فلما جلس بين يديه أخذ في الوعظ، وكان أكثر ما أورده من كلام علي بن أبي طالب، فبكى الخليفة حتى سمع نشيجه، ثم خرج من بين يديه وهو مكرم، فقيل للخليفة: رأيناك طلبته وأنت غضبان، فقال: بلغني أنه ينتقص عليا فأردت أن أعاقبه، فلما حضر أكثر من ذكر علي فعلمت أنه موفق، فذكرني وشفى ما كان في خاطري عليه.
ورأى بعضهم في المنام رسول الله صـلى الله عليه وسلم وإلى جانبه عيسى بن مريم عليه السلام، وهو يقول: أليس من أمتي الاحبار أليس من أمتي أصحاب الصوامع.
فبينما هو يقول ذلك إذ دخل ابن سمعون فقال رسول الله صـلى الله عليه وسلم لعيسى عليه السلام: أفي أمتك مثل هذا ؟ فسكت عيسى.
فلما أصبح اذهب إليه فلما رآه نهض ولبس ثيابه وخرج مع الرجل، فظن الرجل أنه يذهب إلى مجلس وعظه، فقال في نفسه أقول له في أثناء الطريق، فلما مر بدار الرجل دخل إليها فأحضر إليه ابنته فدعا لها وانصرف، فبرأت من ساعتها، وبعث إليه الخليفة الطائع لله من أحضره إليه وهو مغضب عليه، فخيف على ابن سمعون منه، فلما جلس بين يديه أخذ في الوعظ، وكان أكثر ما أورده من كلام علي بن أبي طالب، فبكى الخليفة حتى سمع نشيجه، ثم خرج من بين يديه وهو مكرم، فقيل للخليفة: رأيناك طلبته وأنت غضبان، فقال: بلغني أنه ينتقص عليا فأردت أن أعاقبه، فلما حضر أكثر من ذكر علي فعلمت أنه موفق، فذكرني وشفى ما كان في خاطري عليه.
ورأى بعضهم في المنام رسول الله صـلى الله عليه وسلم وإلى جانبه عيسى بن مريم عليه السلام، وهو يقول: أليس من أمتي الاحبار أليس من أمتي أصحاب الصوامع.
فبينما هو يقول ذلك إذ دخل ابن سمعون فقال رسول الله صـلى الله عليه وسلم لعيسى عليه السلام: أفي أمتك مثل هذا ؟ فسكت عيسى.
ولد ابن سمعون في سنة ثلثمائة، وتوفي يوم
الخميس الرابع عشر من ذي القعدة في هذه السنة، ودفن بداره.
قال ابن الجوزي: ثم أخرج بعد سنتين إلى مقبرة
أحمد بن حنبل وأكفانه لم تبل رحمه الله.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
وعن أبي الصلت قال: سمعت علي بن موسى بالموقف
يدعو: اللهم كما سترت علي ما أعلم فاغفر
لي ما تعلم، وكما وسعني علمك، فليسعني عفوك، وكما أكرمتني بمعرفتك، فاشفعها
بمغفرتك يا ذا الجلال والاكرام.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
إذ بلغ "عمر بن عبد العزيز" رحمه
الله إن ابناً له إتخذ خاتماً، واشترى لهذا الخاتم فصاً بألف درهم، فكتب إليه عمر:
أما بعد : فقد بلغني أنك اشتريت فصَّاً بألف درهم، فبعه، وأشبع ألف جائع، واتخذ
خاتماً من حديد صيني، واكتب عليه: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.
بتصرف من كتاب "الدولة الاموية للصلابي".
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
قال الإِمام أبو حامد
الغزالي في الإِحياء : آدابُ الدعاء عشرة :
الأول : أن يترصَّدَ
الأزمان الشريفة كيوم عَرَفَة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت
الأسحار.
الثاني : أن يغتنمَ
الأحوالَ الشريفة كحالة السجود والتقاء الجيوش ونزول الغيث وإقامة الصلاة وبعدَها
. قلتُ : وحالة رقّة القلب.
الثالث : استقبالُ
القبلة ورفعُ اليدين .
الرابع : خفضُ الصوت
بين المخافتة والجهر .
الخامس أن لا يتكلَّف
السجعَ وقد فسَّر به الاعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة
فما كل أحد يُحسن الدعاءَ فيخاف عليه الاعتداء . وقال بعضهم : ادعُ بلسان الذلّة
والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق ويُقال : إن العلماء لا يزيدون في الدعاء
على سبع كلمات ويشهد له ما ذكره اللّه سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة { رَبَّنا
لا تُؤَاخِذْنا } إلى آخرها [ البقرة : 286 ] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية
عباده بأكثر من ذلك . قلتُ : ومثلهُ قول اللّه سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى
اللّه عليه وسلم : { وَإِذْ قالَ إِبْرَاهِيمُ : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ
آمِناً } إلى آخره [ إبراهيم : 35 ] . قلتُ : والمختار الذي عليه جماهير العلماء
أنه لا حجرَ في ذلك ولا تُكرهُ الزيادةُ على السبع بل يُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء
مطلقاً .
السادس : التضرّعُ
والخشوعُ والرهبة قال اللّه تعالى : { إنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ في الخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وكانُوا لَنا خاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90 ] وقال
تعالى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [ الأعراف : 55 ]
السابع : أن يجزمَ
بالطلب ويُوقن بالإِجابة ويصدقَ رجاءه فيها ودلائلُه كثيرةٌ مشهورة . قال سفيان بن
عُيينة رحمه اللّه : لا يمنعنّ أحدَكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه فإن اللّه
تعالى أجاب شرّ المخلوقين إبليس إذ { قال أنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قالَ
إِنَّكَ منَ المُنْظَرِينَ } [ الأعراف : 14 - 15 ]
الثامن : أن يُلحّ في
الدعاء ويكرّره ثلاثاً ولا يستبطىء الإِجابة.
التاسع : أن يفتتح
الدعاء بذكر اللّه تعالى . قلتُ : وبالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
بعد الحمد للّه تعالى والثناء عليه ويختمه بذلك كله أيضاً .
العاشر : وهو أهمّها
والأصل في الإِجابة وهو التوبةُ وردُّ المظالم والإِقبال على اللّه تعالى.
[ فصل ] : قال الغزالي : فإن قيل :
فما فائدة الدعاء مع أن القضاءَ لا مَرَدَّ له ؟ فاعلم أن من جملة القضاء ردّ
البلاء بالدعاء فالدعاءُ سببٌ لردّ البلاء ووجود الرحمة كما أن الترسَ سبب لدفع
السلاح والماءُ سببٌ لخروج النبات من الأرض فكما أن الترسَ يدفع السهمَ فيتدافعان
فكذلك الدعاءُ والبلاء وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحملَ السلاح وقد قال
اللّه تعالى : { وَلْيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأسْلِحَتَهُمْ } [ النساء : 102 ]
فقدَّرَ اللّه تعالى الأمرَ وقدَّرَ سبَبه . وفيه من الفوائد ما ذكرناه وهو حضور
القلب والافتقار وهما نهاية العبادة والمعرفة واللّه أعلم .
منقول بتصرف من كتاب الاذكار للامام
النووي.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
عن ابن خزيمة وغيره: حدثنا المزني قال: دخلت
على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت ؟ فرفع رأسه،
وقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولاخواني مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله
واردا، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها،
و إلى نار فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
* جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم
تزل * تجود وتعفو منة وتكرما
فإن تنتقم مني فلست بآيس *
ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما
ولولاك لم يغوى بإبليس عابد
* فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وإني لآتي الذنب أعرف قدره *
وأعلم أن الله يعفو ترحما
إسناده ثابت عنه .
قال أبو العباس الاصم: حدثنا الربيع بن
سليمان: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا، فقلت: إنهم يتكلمون، فقال:
ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب - يعني كتبه
- على أن لا ينسب إلي منه شئ.
قال هذا يوم الاحد، ومات يوم الخميس،
وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومئتين، وله نيف
وخمسون سنة .
من كتاب سير الاعلام النبلاء
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
صفحة رقم ٦١١١ من الكامل في التاريخ
ذكر خلافة الظاهر بأمر الله. ( 622 هجرية )
قد ذكرنا سنة خمس وثمانين وخمسمائة الخطبة للأمير أبي نصر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله بولاية العهد في العراق وغيره من البلاد، ثم بعد ذلك خلعه الخليفة من ولاية العهد، وأرسل إلى البلاد في قطع الخطبة له، وإنما فعل ذلك ; لأنه كان يميل إلى ولده الصغير علي، فاتفق أن الولد الصغير توفي سنة اثنتي عشرة وستمائة، ولم يكن للخليفة ولد غير ولي العهد، فاضطر إلى إعادته، إلا أنه تحت الاحتياط والحجر لا يتصرف في شيء.
فلما توفي أبوه، ولي الخلافة وأحضر الناس لأخذ البيعة، وتلقب بالظاهر بأمر الله، وعنى أن أباه وجميع أصحابه أرادوا صرف الأمر عنه، فظهر وولي الخلافة بأمر الله لا بسعي من أحد.
ولما ولي الخلافة، أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين، فلو قيل إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقا، فإنه أعاد من الأموال المغصوبة في أيام أبيه وقبله شيئا كثيرا، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق، وأن يسقط جميع ما جدده أبوه، وكان كثيرا لا يحصى
، فمن ذلك أن قرية بعقوبا كان يحصل منها قديما نحو عشرة آلاف دينار، فلما تولى الناصر لدين الله، كان يؤخذ منها كل سنة ثمانون ألف دينار، فحضر أهلها واستغاثوا، وذكروا أن أملاكهم أخذت حتى صار يحصل منها هذا المبلغ، فأمر أن يؤخذ الخراج القديم وهو عشرة آلاف دينار، فقيل له: إن هذا المبلغ يصل إلى المخزن، فمن أين يكون العوض؟ فأقام لهم العوض من جهات أخرى، فإذا كان المطلق من جهة واحدة سبعين ألف دينار، فما الظن بباقي البلاد؟ ومن أفعاله الجميلة أنه أمر بأخذ الخراج الأول من باقي البلاد جميعها، فحضر كثير من أهل العراق، وذكروا أن الأملاك التي كان يؤخذ منها الخراج قديما قد يبس أكثر أشجارها وخربت، ومتى طولبوا بالخراج الأول لا يفي دخل الباقي بالخراج، فأمر أن لا يؤخذ الخراج إلا من كل شجرة سليمة، وأما الذاهب فلا يؤخذ منه .
قد ذكرنا سنة خمس وثمانين وخمسمائة الخطبة للأمير أبي نصر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله بولاية العهد في العراق وغيره من البلاد، ثم بعد ذلك خلعه الخليفة من ولاية العهد، وأرسل إلى البلاد في قطع الخطبة له، وإنما فعل ذلك ; لأنه كان يميل إلى ولده الصغير علي، فاتفق أن الولد الصغير توفي سنة اثنتي عشرة وستمائة، ولم يكن للخليفة ولد غير ولي العهد، فاضطر إلى إعادته، إلا أنه تحت الاحتياط والحجر لا يتصرف في شيء.
فلما توفي أبوه، ولي الخلافة وأحضر الناس لأخذ البيعة، وتلقب بالظاهر بأمر الله، وعنى أن أباه وجميع أصحابه أرادوا صرف الأمر عنه، فظهر وولي الخلافة بأمر الله لا بسعي من أحد.
ولما ولي الخلافة، أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين، فلو قيل إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقا، فإنه أعاد من الأموال المغصوبة في أيام أبيه وقبله شيئا كثيرا، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق، وأن يسقط جميع ما جدده أبوه، وكان كثيرا لا يحصى
، فمن ذلك أن قرية بعقوبا كان يحصل منها قديما نحو عشرة آلاف دينار، فلما تولى الناصر لدين الله، كان يؤخذ منها كل سنة ثمانون ألف دينار، فحضر أهلها واستغاثوا، وذكروا أن أملاكهم أخذت حتى صار يحصل منها هذا المبلغ، فأمر أن يؤخذ الخراج القديم وهو عشرة آلاف دينار، فقيل له: إن هذا المبلغ يصل إلى المخزن، فمن أين يكون العوض؟ فأقام لهم العوض من جهات أخرى، فإذا كان المطلق من جهة واحدة سبعين ألف دينار، فما الظن بباقي البلاد؟ ومن أفعاله الجميلة أنه أمر بأخذ الخراج الأول من باقي البلاد جميعها، فحضر كثير من أهل العراق، وذكروا أن الأملاك التي كان يؤخذ منها الخراج قديما قد يبس أكثر أشجارها وخربت، ومتى طولبوا بالخراج الأول لا يفي دخل الباقي بالخراج، فأمر أن لا يؤخذ الخراج إلا من كل شجرة سليمة، وأما الذاهب فلا يؤخذ منه .
ومن ذلك أيضا أن المخزن كان له صنجة الذهب
تزيد عن صنجة البلد نصف قيراط، يقبضون بها المال، ويعطون بالصنجة التي للبلد
يتعامل بها الناس، فسمع بذلك فخرج خطه إلى الوزير، وأوله {ويل للمطففين الذين إذا
اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم
مبعوثون ليوم عظيم} [المطففين: 1] . قد بلغنا أن الأمر كذا وكذا، فتعاد صنجة
المخزن إلى الصنجة التي يتعامل بها المسلمون، واليهود والنصارى.
فكتب بعض النواب إليه يقول: إن هذا مبلغ كثير، وقد حسبناه فكان في السنة الماضية خمسة وثلاثين ألف دينار، فأعاد الجواب ينكر على القائل، ويقول: لو أنه ثلاث مائة ألف وخمسون ألف دينار يطلق.
فكتب بعض النواب إليه يقول: إن هذا مبلغ كثير، وقد حسبناه فكان في السنة الماضية خمسة وثلاثين ألف دينار، فأعاد الجواب ينكر على القائل، ويقول: لو أنه ثلاث مائة ألف وخمسون ألف دينار يطلق.
وكذلك أيضا فعل في إطلاق زيادة الصنجة التي
للديوان، وهي في كل دينار حبة، وتقدم إلى القاضي أن كل من عرض عليه كتابا صحيحا
بملك يعيده إليه من غير إذن، وأقام رجلا صالحا في ولاية الحشري وبيت المال، وكان
الرجل حنبليا، فقال: إنني من مذهبي أن أورث ذوي الأرحام، فإن أذن أمير المؤمنين أن
أفعل ذلك، وليت وإلا فلا. فقال له: أعط كل ذي حق حقه، واتق الله ولا تتق سواه.
ومنها أن العادة كانت ببغداد أن الحارس بكل درب يبكر، ويكتب مطالعة إلى الخليفة بما تجدد في دربه من اجتماع بعض الأصدقاء ببعض على نزهة، أو سماع، أو غير ذلك، ويكتب ما سوى ذلك من صغير وكبير، فكان الناس من هذا في حجر عظيم، فلما ولي هذا الخليفة - جزاه الله خيرا - أتته المطالعات على العادة، فأمر بقطعها، وقال: أي غرض لنا في معرفة أحوال الناس في بيوتهم؟ فلا يكتب أحد إلينا إلا ما يتعلق بمصالح دولتنا، فقيل له: إن العامة تفسد بذلك، ويعظم شرها، فقال: نحن ندعو الله أن يصلحهم.
ومنها أنه لما ولي الخلافة، وصل صاحب الديوان من واسط، وكان قد سار إليها أيام الناصر لتحصيل الأموال، فأصعد، ومعه من المال ما يزيد على مائة ألف دينار، وكتب مطالعة تتضمن ذكر ما معه، ويستخرج الأمر في حمله، فأعاد الجواب بأن يعاد إلى أربابه، فلا حاجة لنا إليه، فأعيد عليهم.
ومنها أن العادة كانت ببغداد أن الحارس بكل درب يبكر، ويكتب مطالعة إلى الخليفة بما تجدد في دربه من اجتماع بعض الأصدقاء ببعض على نزهة، أو سماع، أو غير ذلك، ويكتب ما سوى ذلك من صغير وكبير، فكان الناس من هذا في حجر عظيم، فلما ولي هذا الخليفة - جزاه الله خيرا - أتته المطالعات على العادة، فأمر بقطعها، وقال: أي غرض لنا في معرفة أحوال الناس في بيوتهم؟ فلا يكتب أحد إلينا إلا ما يتعلق بمصالح دولتنا، فقيل له: إن العامة تفسد بذلك، ويعظم شرها، فقال: نحن ندعو الله أن يصلحهم.
ومنها أنه لما ولي الخلافة، وصل صاحب الديوان من واسط، وكان قد سار إليها أيام الناصر لتحصيل الأموال، فأصعد، ومعه من المال ما يزيد على مائة ألف دينار، وكتب مطالعة تتضمن ذكر ما معه، ويستخرج الأمر في حمله، فأعاد الجواب بأن يعاد إلى أربابه، فلا حاجة لنا إليه، فأعيد عليهم.
ومنها أنه أخرج كل من كان في السجون، وأمر
بإعادة ما أخذ منهم، وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليعطيها عن كل من هو محبوس
في حبس الشرع وليس له مال.
ومن حسن نيته للناس أن الأسعار في الموصل وديار الجزيرة كانت غالية، فرخصت الأسعار، وأطلق حمل الأطعمة إليها، وأن يبيع كل من أراد البيع للغلة، فحمل منها الكثير الذي لا يحصى، فقيل له: إن السعر قد غلا شيئا، والمصلحة المنع منه، فقال: أولئك مسلمون، وهؤلاء مسلمون، وكما يجب علينا النظر في أمر هؤلاء، كذلك يجب علينا النظر لأولئك.
وأمر أن يباع من الأهراء التي له طعام أرخص مما يبيع غيره، ففعلوا ذلك، فرخصت الأسعار عندهم أيضا أكثر مما كانت أولا، وكان السعر في الموصل لما ولي، كل مكوك بدينار وثلاثة قراريط، فصار كل أربعة مكاكيك بدينار في أيام قليلة، وكذلك باقي الأشياء من التمر والدبس، والأرز والسمسم وغيرها، فالله - تعالى - يؤيده وينصره ويبقيه، فإنه غريب في هذا الزمان الفاسد.
ولقد سمعت عنه كلمة أعجبتني جدا، وهي أنه قيل له في الذي يخرجه ويطلقه من الأموال التي لا تسمح نفس ببعضها، فقال لهم: أنا فتحت الدكان بعد العصر، فاتركوني أفعل الخير، فكم أعيش؟ وتصدق ليلة عيد الفطر من هذه السنة، وفرق في العلماء وأهل الدين مائة ألف دينار.
ومن حسن نيته للناس أن الأسعار في الموصل وديار الجزيرة كانت غالية، فرخصت الأسعار، وأطلق حمل الأطعمة إليها، وأن يبيع كل من أراد البيع للغلة، فحمل منها الكثير الذي لا يحصى، فقيل له: إن السعر قد غلا شيئا، والمصلحة المنع منه، فقال: أولئك مسلمون، وهؤلاء مسلمون، وكما يجب علينا النظر في أمر هؤلاء، كذلك يجب علينا النظر لأولئك.
وأمر أن يباع من الأهراء التي له طعام أرخص مما يبيع غيره، ففعلوا ذلك، فرخصت الأسعار عندهم أيضا أكثر مما كانت أولا، وكان السعر في الموصل لما ولي، كل مكوك بدينار وثلاثة قراريط، فصار كل أربعة مكاكيك بدينار في أيام قليلة، وكذلك باقي الأشياء من التمر والدبس، والأرز والسمسم وغيرها، فالله - تعالى - يؤيده وينصره ويبقيه، فإنه غريب في هذا الزمان الفاسد.
ولقد سمعت عنه كلمة أعجبتني جدا، وهي أنه قيل له في الذي يخرجه ويطلقه من الأموال التي لا تسمح نفس ببعضها، فقال لهم: أنا فتحت الدكان بعد العصر، فاتركوني أفعل الخير، فكم أعيش؟ وتصدق ليلة عيد الفطر من هذه السنة، وفرق في العلماء وأهل الدين مائة ألف دينار.
.... رحمه الله رحمة واسعة.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
صفحة رقم ٢٧٦٠ من الكامل في التاريخ
وقال محمد بن المنصور البغدادي: لما حبس
الرشيد أبا العتاهية جعل عليه عينا يأتيه بما يقول، فرآه يوما قد كتب على الحائط:
أما والله إن الظلم
لوم وما زال المسيء هو
الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
فأخبر بذلك الرشيد، فبكى، وأحضره واستحله،
وأعطاه ألف دينار.
(وقال الأصمعي: صنع الرشيد يوما طعاما كثيرا، وزخرف مجالسه، وأحضر أبا العتاهية، فقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا) ، فقال:
(وقال الأصمعي: صنع الرشيد يوما طعاما كثيرا، وزخرف مجالسه، وأحضر أبا العتاهية، فقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا) ، فقال:
عش ما بدا لك
سالما في ظل شاهقة القصور
فقال: أحسنت! ثم قال: ماذا؟ فقال:
يسعى عليك بما
اشتهيت لدى الرواح وفي البكور
فقال: أحسنت! ثم ماذا؟ فقال:
فإذا النفوس
تقعقعت في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
فبكى الرشيد. وقال الفضل بن يحيى: بعث إليك
أمير المؤمنين لتسره، فحزنته. فقال: دعه، فإنه رآنا في عمى، فكره أن يزيدنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق