بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد
لله ربّ العالمين .
اللهمّ
صلّ على سيدّنا محمّد وعلى آله وأزواجه وذريّته وأصحابه
وإخوانه
من الأنبياء والمرسلين والصّدّيقين
والشُّهداء
والصَّالحين وعلى أهل الجنّة وعلى الملائكة
وباركْ
عليه وعليهم وسلّم كما تحبه وترضاه يا الله آمين.
فَلَا
اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ....
أخي الكريم /
أختي الكريمة :
تأملوا معيَ : في قول الله تعالى :
[ فَلَا
اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ
(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
(18) ]
( سورة البلد ).
كم هو يسيرٌ علينا ،
مِنْ أنْ نتجاوز العقبة : بإيماننا باللهِ تعالى
، و بفكِّ رقبةٍ ، وأنْ لمْ نستطعْ ، فبإطعام الطعام : ( لليتامى أو المساكين ) ، في زمنِ
العوزِ ، وقلةِ الطعامِ ، لنعبرَ هذا الحاجزِ : الى رضوانِ اللهِ تعالى ، فنكونَ مِنْ الناجينَ
، ومِنْ الناجحينَ ، بإستلامِ كُتبنا ، في
أيماننا ، فنكونَ مِنْ أصحابِ " الميمنةِ ".
جعلنيَ اللهُ تعالى
واياكم وجميع المسلمينَ منهم آمين.
ولكنَّ
الكثيرَ مِنْ البشر ، لا يستطيع : أنْ يتجاوزَ هذهِ العقبة ، وذلكَ لكفرهِ ، ولعدمِ
، الإستفادةِ مِنْ فكِ الرقبةِ أو إطعام اليتامى والمساكين ،لأن َّ اللهَ تعالى لا
يتقبل ، الا مِنْ المُوحّدِ ، ولا ينتفع الإنسان ، بأعمال الخير ، وإنْ كانتْ
كالجبالِ ، مالمْ يكنْ مُسلماَ للهِ تعالى ، فالكافر والمشرك والمنافق ، قد يأتي
بأعمالٍ صالحةٍ ، وزنها ـــ كوزنِ الجبالِ ، لكنَّ اللهَ تعالى ، لا يقيم لهم ولا
لأعمالهم وزناً ، بلْ ــ يجعلها هباءاً
منثوراً ، والعياذ باللهِ تعالى مِنْ هذا الحالِ .
قال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا
مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } ( الفرقان 23 ).
جاء في التفسيرِ المُيسَّرِ :
وقَدِمْنا إلى ما عملوهُ ، مِنْ مظاهرِ الخيرِ والبرِ ،
فجعلناهُ باطلاً مُضمحلاً ، لا ينفعهم : كالهباءِ المنثورِ ، وهو ما يُرى ، في ضوءِ
الشمسِ ، مِنْ خفيفِ الغبارِ ؛ وذلكَ أنَّ
العملَ ، لا ينفع في الآخرةِ ، إلا إذا توفَّرَ في صاحبهِ : الإيمان باللهِ ،
والإخلاص لهُ ، والمتابعة لرسولهِ مُحمَّد ، صلَّى اللهً عليهِ وسلَّم.
والآنَ : أترككم مع الإمامِ أبن
أبي حاتم الرازي ، رحمهُ اللهُ تعالى وغفرَ لهُ ولوالديهِ ولجميعِ المسلمينَ آمين
، في بيانِ ، ما استلهم مِنْ قولهِ تعالى
: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) ..........
وفيهِ مسائل :
المسألة الأولى :
الاقتحام : الدخول في الأمرِ الشَّديدِ ، يقال
: قحم يقحم قحوماً ، واقتحم اقتحاماً وتقحم تقحماً : إذا ركب القحم ، وهي المهالك والأمور
العظام ، والعقبة : طريقٌ في الجبلِ ، وَعْرٌ ، الجمع
: العقب والعقاب .
ثمَّ ذكرَ المفسرونَ : في العقبةِ ههنا ، وجهينِ :
الأول :
أنها في الآخرةِ ، وقال عطاءٌ : يريد عقبة جهنم ، وقالَ الكلبي : هي
عقبة بين الجنة والنار ، وقال ابن عمر ، هي : جبل ـ زلال في جهنم ، وقال مجاهد والضحاك
: هي الصراط : يضرب على جهنم ، وهو معنى قول الكلبي : إنها عقبة الجنة والنار .
قال الواحدي : وهذا
تفسير فيه نظر ، لأنَّ منْ المعلومِ ، أنَّ
( بني ) هذا الإنسان ، وغيره ، لم يقتحموا عقبة جهنم ، ولا جاوزوها : فحمل الآيةِ عليهِ : يكون ، إيضاحاً
للواضحاتِ ، ويدل عليهِ أنهُ ، لما قالَ : {
وَمَا
أَدْرَاكَ مَا العقبة } [ البلد : 12 ]
فسَّرهُ بفكِ
الرقبةِ و بالإطعامِ.
الوجه الثاني :
في
تفسيرِ العقبةِ ، هو أنَّ ذكرَ العقبة ههنا
، مثلٌ ضربهُ اللهُ ، لمجاهدةِ النفسِ والشيطانِ ، في أعمالِ البرِ ، وهو قول الحسن ومقاتل : قال الحسن
: عقبة الله شديدة ، وهي مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه منْ شياطينِ الإنسِ والجنِّ
.
وأقولُ : هذا التفسير ، هو الحقّ
ـ لأنَّ الإنسانَ ، يريد ، أنْ يترقّى منْ
عالمْ الحسِّ والخيالِ ، إلى يفاعِ عالمِ الأنوارِ
الإلهيةِ ، ولا شكَّ أنَّ بينهُ وبينها عقباتٌ
ساميةٌ دونها صواعق حامية ، ومجاوزتها صعبة ، والترقّي إليها شديد .
المسألة الثانية :
أنَّ في الآيةِ إشكالاً !!! وهو : أنهُ قلما توجد """ لا """
الداخلة على المضي : إلا مُكررة ، تقول : لا
جنبني ولا بعدني ، قال تعالى : { فَلاَ
صَدَّقَ وَلاَ صلى } [ القيامة : 31 ].
وفي هذهِ الآيةِ :
ما جاءَ التكرير ، فما السبب فيه ؟ أجيبُ عنهُ
، منْ وجوهٍ :
الأول : قال الزجاج : إنها مُتكررةٌ
، في المعنى : لأنَّ معنى : { فَلاَ
اقتحم العقبة } : فلا فكَّ رقبةً و لا أطعمَ مسكيناً ، ألا
ترى أنهُ فسَّرَ اقتحام العقبة بذلكَ ، وقوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين
ءامَنُواْ } [ البلد : 17 ] يدل أيضاً ، على معنى : {
فَلاَ
اقتحم العقبة } : ولا آمنَ.
الثاني :
قالَ أبو علي الفارسي : معنى : { فَلاَ اقتحم العقبة }
: لم يقتحمها ، وإذا كانتْ """
لا """
بمعنى : لم ، كانَ التكرير ، غير واجب ، كما
لا يجبْ التكرير مع لمْ ، فإنْ تكررتْ ، في
موضعٍ نحو : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى }
فهو : كتكرر "" ولم ""
: نحو : { لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ }
[ الفرقان : 67 ] .
المسألة
الثالثة :
قالَ القفالُ : قولهُ : { فَلاَ اقتحم العقبة }
أي : هلاَّ أنفقَ مالهُ ، فيما فيهِ اقتحام
العقبة ؟.
وأما
الباقونَ : فإنهم
أجروا اللفظ ، على ظاهرهِ ، وهو الإخبار :
بأنهُ ما اقتحمَ العقبة .
ثمَّ
قالَ تعالى : وَمَا
أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
فلا
بدَّ ، منْ تقديرِ محذوفٍ ، لأنَّ العقبةَ
، لا تكون فك رقبة ، فالمراد ، وما أدراك ما
اقتحام العقبة ، وهذا تعظيم لأمر التزام الدين .
ثمَّ
قالَ تعالى : فَكُّ
رَقَبَةٍ (13)
والمعنى : أنَّ اقتحامَ العقبة
، هو الفك أو
الإطعام ،
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
الفكُ : فرقٌ يزيل المنع : كفكِ القيدِ والغلِ ، وفكُ الرقبةِ : فرقٌ بينها وبينَ صفة الرِّقِ ، بإيجابِ الحريةِ وإبطالِ العبوديةِ ، ومنهُ فكُ الرهنِ
، وهو : إزالة غلق الرهنِ ، وكلّ شيءٍ أطلقتهُ ، فقدْ فككتهُ ، ومنهُ فكُ الكتابِ ، قالَ الفراء
: في : « المصادر » فكّها يفكّها فكاكاً :
بفتح الفاء ، في المصدر ولا تقل بكسرها ، ويقال : كانت عادة العربِ ، في الأسارى : شد رقابهم وأيديهم ، فجرى ذلك فيهم
، وإنْ لم يشددْ ، ثمَّ سمّي إطلاق الأسيرِ فكاكاً ، قالَ الأخطلُ :
أبني كليب إن عمى اللذا قتلا
الملوك وفككا الأغلال
المسألة الثانية :
فكُ الرقبةِ ، قد يكون : بأنْ يعتق الرجل ، رقبةً منْ الرِّقِ ، وقد يكون : بأنْ يُعطي مُكاتباً
: ما يصرفهُ إلى جهةِ فكاك نفسهِ ، روى البراء بن عازب ، قال : [ « جاءَ
أعرابيٌ ، إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّمَ ، فقالَ : يا رسولَ اللهِ : دُلني على عملٍ يدخلني الجنة ؟؟ ، قالَ : عتق النسمةِ
، وفك الرقبةِ ، قالَ : يا رسولَ اللهِ : أوليسا واحداً؟؟ قالَ : لا ، عتقُ النسمةِ ، أنْ تنفردَ بعتقها ، وفكُ الرقبةِ ، أنْ تعينَ في
ثمنها » ]. وفيهِ وجه آخر : وهو أنْ يكونَ المراد ، أنْ يفك المرء رقبة نفسه ، بما يتكلفه منْ العبادةِ ، التي يصير بها ، إلى الجنةِ
، فهي الحرية الكبرى ، ويتخلص بها منْ النارِ
.
المسألة الثالثة :
قُريءَ : { فك رقبة * أو إطعام } ، والتقدير : هي فك رقبة أو إطعام. وقُريءَ
: ( فكْ رقبة أو أطعمْ ) على الإبدالِ : منْ اقتحم العقبة .
وقوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة }
اعتراضٌ ، قالَ الفراءُ : وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية ، لقولهِ : { ثُمَّ
كَانَ }
[ البلد : 16 ] لأنَّ فكَ وأطعمَ : فعل ، وقوله
: { كان }
فعل ، وينبغي : أنْ يكونَ ، الذي يُعطفُ عليهِ
الفعل : فعلاً ، أما لو قيلَ : ثمَّ إنْ كان : كان ذلك مناسباً لقوله : { فَكُّ
رَقَبَةٍ } بالرفع ، لأنهُ يكونُ عطفاً للاسمِ على الاسمِ
.
المسألة
الرابعة :
عندَ أبي حنيفة : العتقُ أفضل أنواعِ الصدقاتِ ، وعندَ صاحبيه : الصدقة أفضل ، والآية : أدل على قولِ أبي حنيفة
: لتقدمِ العتقِ ، على الصدقةِ فيها .
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ
ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
فيهِ مسائلٌ :
المسألة الأولى :
يقالُ : سغبَ سغباً ، إذا جاعَ ، فهو ساغبٌ وسغبانٌ ، قالَ صاحبُ « الكشاف » : المسغبة والمقربة
والمتربة : مفعلات منْ : سغبَ ، إذا
جاعَ ، وقربَ في النسبِ ، يقالُ : فلانٌ ذو قرابتي ، وذو مقربتي ، وترب إذا افتقر ،
ومعناهُ التصقَ بالتُرابِ ، وأما أتربَ : فاستغنى
، أي : صارَ ذا مالٍ : كالترابِ في الكثرةِ .
قالَ الواحدي : المتربة :
مصدرٌ منْ قولهم : تربَ يتربُ ترباً ، ومتربة : مثل مسغبة ، إذا افتقر ، حتى لصقَ بالترابِ
.
المسألة الثانية :
حاصلُ القولِ ، في تفسيرِ : { يَوْمٍ
ذِى مَسْغَبَةٍ } ما قالهُ الحسنُ : وهو نائمٌ : يومٌ محروصٌ
فيهِ على الطعامِ .
قال أبو علي : ومعناهُ ، ما يقول النحويونَ في قولهم : ليلٌ نائمٌ ونهارٌ
صائمٌ : أي ذو نوم وصوم .
واعلم
: أنَّ إخراجَ المال ، في وقتِ القحطِ والضرورةِ
، أثقل على النفسِ وأوجب للأجرِ ، وهو كقولهِ
: { وآتى
المالَ على حُبهِ } [ البقرة : 177 ] وقال : { وَيُطْعِمُونَ
الطعام على حُبّهِ مِسْكِيناً } [ الإنسان : 8 ] وقرأَ الحسنُ : (
ذا مسغبة )
نصبه بإطعامٍ ومعناهُ أو إطعامٌ في يومِ ، منْ الأيامِ : ذا مسغبة .
أما قولهُ تعالى : يَتِيمًا
ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
قالَ
الزجاجُ : ذا قرابة : تقولُ زيدٌ ذو قرابتي وذو
مقربتي ، وزيدٌ قرابتي ، قبيحٌ لأنَّ القرابةَ
مصدرٌ .
قالَ
مُقاتلٌ : يعني يتيماً ، بينهُ وبينهُ قرابة ، فقد اجتمعَ فيهِ : حقانِ : يُتمٌ وقرابةٌ ، فاطعامه أفضل .
وقيلَ
: يدخل فيهِ القرب بالجوارِ ، كما يدخل فيهِ القرب بالنسبِ .
أما قوله تعالى : أَوْ
مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
أي
مسكيناً : قدْ لُصقَ بالترابِ ، منْ فقرهِ
وضرهِ ، فليسَ فوقهُ ، ما يسترهُ ولا تحتهُ
ما يوطئهُ .
روي
: أنَّ ابن عباس ، مرَّ بمسكينٍ لاصق بالترابِ ؟؟ فقالَ : هذا الذي ، قالَ اللهُ تعالى
: ( فيه ) : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ }
.
واحتجَ
الشافعي : بهذهِ الآيةِ ، على أنَّ المسكينَ
، قد يكون ، بحيث يملك شيئاً ، لأنهُ لو كان
لفظ المسكين دليلاً ، على أنهُ لا يملك شيئاً ألبتة ، لكانَ تقييدهُ بقولهِ : { ذَا
مَتْرَبَةٍ } تكريراً ، وهو غير جائزٍ .
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
أما قولهُ تعالى : { ثُمَّ
كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ } أي : كانَ مقتحم العقبة ، منْ الذين آمنوا
، فإنهُ : إنْ لم يكنْ منهم : لم ينتفع بشيءٍ
، منْ هذهِ الطاعاتِ ، ولا مقتحماً للعقبةِ
: فإنْ قيلَ : لما كان الإيمان شرطاً للانتفاعِ
، بهذهِ الطاعاتِ ، وجبَ كونهُ مقدماً عليها ، فما السبب ، في أنَّ اللهَ تعالى ، أخرهُ عنها ؟؟؟ بقولهِ : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين
ءامَنُواْ } ؟؟؟ والجواب :
مِنْ وجوهٍ
:
أحدها :
أنَّ هذا التراخي ، في الذكرِ ، لا في الوجودِ
، كقولهِ :
إنَّ مِنْ سادَ ثمَّ سادَ أبوه ثمَّ
قدْ سادَ قبل ذلكَ جده
لم يرد بقولهِ : ثمَّ سادَ
أبوهُ ، التأخر في الوجودِ ، وإنما المعنى
، ثمَّ اذكر : أنهُ سادَ أبوهُ ، كذلكَ في الآيةِ.
وثانيها : أنْ
يكون المراد ، ثمَّ كانَ ، في عاقبةِ أمرهِ
، منْ الذينَ آمنوا ، وهو أنْ يموتَ على الإيمانِ
، فإنَّ الموافاةَ شرطُ الانتفاعِ بالطاعاتِ.
وثالثها :
أنَّ مَنْ أتى بهذهِ القربِ ، تقرّباً إلى
اللهِ تعالى ، قبلَ إيمانهِ بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
، ثمَّ آمنَ بعدَ ذلكَ : بمحمَّدٍ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ،
فعندَ بعضهم : أنهُ يُثابُ على تلكَ الطاعاتِ ، قالوا : ويدّلُ عليهِ ما روي : أنَّ
حكيم بن حزام ، بعدَ ما أسلمَ ، قالَ لرسولِ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ: { «إنا كنا ، نأتي بأعمالِ الخيرِ
، في الجاهليةِ ، فهلْ لنا منها شيءٌ ؟؟؟ فقالَ عليهِ السَّلام :
" أسلمتَ على ، ما قدمتَ منْ الخيرِ " }.
ورابعها
: أنَّ
المرادَ ، منْ قولهِ : { ثُمَّ
كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ } تراخي الإيمان ، وتباعده ، في الرتبةِ والفضيلةِ
، عنْ العتقِ والصدقةِ ، لأنَّ درجةَ ثوابُ الإيمانِ ، أعظم بكثيرِ منْ درجةِ ثوابِ سائرِ الأعمالِ .
أمَّا قولهُ تعالى : { وَتَوَاصَوْاْ
بالصبر وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمةِ } فالمعنى : أنهُ كانَ يُوصي بعضهم بعضاً :
بالصبرِ على الإيمانِ والثباتِ عليهِ أو الصبرِ على المعاصي وعلى الطاعاتِ والمحنِ
التي يبتلى بها المؤمنَ ، ثمَّ ضمَّ إليهِ التواصي بالمرحمةِ ، وهو : أنْ يحث بعضهم بعضاً ، على أنْ يرحم المظلوم
أو الفقير ، أو يرحم المقدم على منكرٍ، فيمنعهُ
منهُ ، لأنَّ كلّ ذلكَ داخلٌ في الرحمةِ ،
وهذا يدلُ على : أنهُ يجب على المرءِ ، أنْ
يدل غيرهُ على طريقِ الحقِّ ، ويمنعهُ منْ
سلوكِ طريقِ الشَّرِ والباطلِ ، ما أمكنهُ .
واعلمْ أنَّ قولهُ : { ثُمَّ
كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بالصبر وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمةِ }
يعني : يكون مُقتحم العقبة ، منِ هذهِ الزمرةِ والطائفةِ ، وهذهِ الطائفة: هم أكابر الصحابةِ كالخلفاءِ الأربعةِ وغيرهم ، فإنهم
كانوا مُبالغينَ في الصبرِ على شدائدِ الدِّينِ والرحمةِ على الخلقِ ، وبالجملةِ فقولهُ
: { وَتَوَاصَوْاْ
بالصبرِ }
إشارةٌ إلى التعظيمِ لأمرِ اللهِ ، وقولهُ : { وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمةِ }
إشارةٌ إلى الشفقةِ ، على خلقِ اللهِ ، ومدار
أمر الطاعاتِ ليسَ ، إلا على هذينِ الأصلينِ
، وهو الذي قالهُ بعضُ المحققينَ ، إنَّ الأصلَ
في التوصّفِ أمرانِ : صدقٌ
مع الحقِّ ؟ و خُلقٌ مع الخلقَّ .
ثمَّ
إنهُ سُبحانهُ ، لما وصفَ هؤلاء المؤمنينَ
، بيَّنَ أنهم ، مَنْ همْ في القيامةِ ، فقالَ :
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
(18)
وإنما
ذكرَ ذلكَ ، لأنهُ تعالى بيَّنَ حالهم ، في
سورةِ الواقعةِ ، وأنهم : {
فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 28 ــ 29 ]
قالَ صاحبُ : «الكشاف»
: الميمنة
والمشأمة
، اليمين و
الشّمال ،
أو اليمن و
الشؤم ،
أي الميامينَ على أنفسهم ، والمشائيم عليها .
رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ
آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
رَبِّ
اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ
وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً
آمين