" قصة الموت بين بغداد والقاهرة ".........1
الفصل الاول
وقف "عبد الحميد" يشاهد فرسه الحمراء وهي تعدو وتدور في حلبة التدريب تروح جيئة وذهابا , وفي يده كوب من الشاي الاخضر يرتشف منه بين الفينة و الأخرى.
اعتاد "عبد الحميد" قضاء عطلة نهاية الاسبوع في مزرعته خارج القاهرة بعيدا عن زحمتها وهموم العمل الكثيرة و المهام الكبيرة المكلف بها , فبعد سبع وعشرين عاما قضاها في المخابرات فان السنوات الخمس الاخيرة التي شغل فيها منصب مدير المخابرات العامة كانت الاصعب بسبب الاوضاع التي تشهدها مصر والمنطقة فمحاربة العصابات الارهابية وشبكات التجسس العاملة في مصر كانت من ضمن نشاطات جهازه وكان العبء الاكبر في حفظ الامن في مصر يقع على عاتق جهازي الامن و المخابرات.
خلال السنوات الاخيرة وبسبب الاحداث الامنية الداخلية في مصر تركز عمل الجهاز على محاربة الشبكات الارهابية التي تمول العصابات في الداخل بالسلاح والمال , و بالرغم من إن "عبد الحميد" لديه من المعلومات الكثير عن وجود شبكات تجسس لدول اخرى تعمل داخل البلد لكن مكافحة الارهاب كان لها الاولوية على جدول اعماله ومهماته لذلك ولاسباب سياسية ايضا كان على الجهاز ان يتغاضى عن هذه الشبكات ويراقبها من بعيد و على مضض و ان يتدخل في حال الضرورة القصوى. لم يكن "عبد الحميد" مرتاحا لما آل اليه جهاز المخابرات المصري الذي كان في السابق يدير عملياته في الخارج في مختلف دول الشرق الاوسط.
كانت عطلة نهاية الاسبوع منفذه الوحيد لاعطاء نفسه فرصة للراحة والاسترخاء فصحته في الشهور الاخيرة اصبحت تتدهور فجأة وكان لابد ان يستمع لنصائح الاطباء ويقلل من التوتر والارهاق الذي يصيبه اثناء العمل في مقر مديرية المخابرات.
احس "عبد الحميد" بحركة قربه , استدار , كان حارسه الشخصي الذي لا يكاد يفارقه ليلا ولا نهارا , اقترب بهدوء وباطراقة رأس و صوت هادىء قال :
- افندم , العميد "عصمت" ينتظرك في المكتب .
اومأ "عبد الحميد" برأسه معبرا عن سماعه للخبر , انسحب الحارس بعد تحية عسكرية سريعة.
تعود "عبد الحميد" على هذه الزيارات المفاجأة , حتى اصبحت اقرب الى الرتيبة فغالبا ما كان "عصمت" يزور "عبد الحميد" عصر الجمعة في بيته ليطلعه على آخر المستجدات في العمل واهم الاحداث في صباح ذلك اليوم .
كان "عصمت" رجلا في الاربعين قد ملأ رأسه الشيب , هادىء الملامح , وقور الهيئة , قد قضى سنوات كثيرة في ادارة المكتب.
تبادل الرئيس والمرؤوس التحايا والمجاملات السريعة.
- ماذا لديك من اخبار يا عصمت ؟
- الخبر الأهم , هو القبض اليوم على المدعو "سامح سعيد" في مطار القاهرة.
- "سامح " ....
ردد "عبد الحميد" الاسم في محاولة ليستذكر هذا الاسم ... فقد مر على ذهنه ولكن منذ مدة ليست بالقصيرة , فبرغم ذاكرته القوية الا ان كثرة الاسماء التي تمر عليه يوميا تجعله يستغرق بعض الوقت ليستعيد قضية كل اسم يرد على مسامعه.
"سامح سعيد" , بدأ "عبد الحميد" يستعيد قضية هذا الاسم فهي قضية تعود بدايتها الى تسعة شهور مضت , عندما وردت تقارير استخبارية متعددة بأن انفجارات قوية وكبيرة شوهدت في احدى جزر ارخبيل دهلك و ان اصوات تلك الانفجارات سُمعت من مسافة كيلومترات من على سطوح السفن التي كانت تمخر مياه البحر الاحمر.
كانت التقارير المجموعة لدى جهاز المخابرات عن تلك الحادثة خالية من التفاصيل والمعلومات الموثقة , لكن توافق حدوثها مع ورود تقرير من المسؤول الامني في السفارة المصرية في ارتريا يخبر عن قيام شخص مصري الجنسية يدعي "سامح سعيد" بالقدوم الى السفارة وطلب المساعدة في ايجاد اخيه المفقود "عمرو" والذي كان يعمل في جزيرة دهلك.
كان الفارق الزمني بين الحادثتين هو ساعات قليلة فقط لذلك كان الربط بين الحادثتين امرا مسلما به, و عند قيام المخابرات بالتقصي عن شخصيتي "سامح و عمرو سعيد" تبين لها ان الشخصين مزيفان و ينتحلان شخصيتا مصريين مغتريين في الخارج منذ اكثر من ثلاثين عاما. وقد تبين للمخابرات ان المدعو "سامح سعيد" قد سافر الى ارتريا عبر مطار القاهرة.
كان وقع هذه المعلومات في ذلك الوقت مذهلا ومثيرا فقد قام شخص مزيف الهوية في حركة بدت كأنها استعراضية او استفزازية بدخول مصر والخروج منها وتجاوز الاجراءات الامنية في مطار القاهرة ودخول السفارة المصرية في ارتريا بجرأة بدون الخوف من كشفه.
اثار "سامح سعيد" بتصرفه ذاك حنق جهاز المخابرات المصري وادارة جهاز مكافحة التجسس على وجه التحديد فالجهاز لا يملك معلومات عن ذلك الشخص وكيفية دخوله مصر وما الذي كان يعمله فيها و ما سبب قيامه بدخول السفارة المصرية في ارتريا مع علمه ان مثل هذه التحركات كانت توثق في السفارات وترسل الى اجهزة الامن.
استطاعت المخابرات الحصول على صوره من كاميرات المراقبة الموجودة في السفارة والتي تمت مطابقتها مع الاوصاف التي قدمها موظفوا السفارة. كما علم الجهاز ان "سامح" اختفى في دهلك وانقطعت اخباره بعد وصوله اليها.
لعدة اسابيع تلت حادثة دهلك , تتبعت المخابرات المصرية المدعو "سامح سعيد" والخيوط والمعلومات التي قد تكشف عن هويته الحقيقية او الجهة التي يعمل لها ولكن دون جدوى.
اغلقت قضية "سامح سعيد" بعد شهرين من حادثة دهلك لقلة المعلومات , ولكن قبل اربعة شهور حصل فيها تطور مفاجىء.