الأربعاء، 3 فبراير 2016

بين النووي والظاهر بيبرس ... مواقف شجاعة


بين النووي والظاهر بيبرس
لما خرج الظاهر بيبرس الى قتال التتار بالشام, أخذ فتاوى العلماء بجواز أخذ مال من الرعيّة يستنصر به على قتالهم, فكتب له فقهاء الشام بذلك فأجازوه.
فقال: هل بقي أحد؟.
فقيل له: نعم بقي الشيخ محيى الدين النووي.
فطلبه فحضر.
فقال له: اكتب خطابك مع الفقهاء, فامتنع.
فقال: ما سبب امتناعك؟.

فقال: أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير( بندقار) وليس لك مال, ثم منّ الله عليك وجعلك ملكا وسمعت عندك ألف مملوك, كل مملوك له حياصة من ذهب, وعندك مئتا جارية لكل جارية حق من الحليّ, فاذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلا من الحوائص وبقيت الجواري بثيابهن دون الحليّ, أفتيتك بأخذ المال من الرعية. فغضب الظاهر من كلامه.
وقال: أخرج من بلدي _ يعني دمشق.
فقال: السمع والطاعة, وخرج الى نوى.
فقال الفقهاء: ان هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى به, فأعده الى دمشق.
فرسم برجوعه, فامتنع الشيخ.
وقال: لا أدخلها والظاهر فيها, فمات بعد شهر.
(من أخلاق العلماء الجزء التاسع).





من كتاب

صور من ابتلاء العلماء
مواقف مشرقة من تاريخ امتنا الإسلامية
وحيد عبد السلام بالي

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا .... ابن الجوزي



عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا
رأيت إبليس قد إحتال بفنون الحيل على الخلق و أمال أكثرهم عن العلم الذي هو مصباح السالك فتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل و شغلهم بأمور الحس و لا يلتفتون إلى مشورة العقل
فإذا ضاق بأحدهم عيشه أو نكب إعترض فكفر
فمنهم من ينسب ذلك إلى الدهر و منهم من يسب الدنيا
و هذا إسفاف لأن الدهر و الدنيا لا يفعلان و إنما هو عيب للمقدر
و منهم من يخرجه الأمر إلى جحد الحكمة فيقول : أي فائدة في نقض المبني ؟
و زعم بعضهم أنه لا يتصور عود المنقوض و أنكروا البعث و يقولون : ما جاء من ثم أحد
و نسوا أن الوجود ما انتهى بعد و لو خلفنا لصار الإيمان بالغيب عيانا و لا يصلح أن يستدل على الأحياء بالأحياء
ثم نظر إبليس فرأى في المسلمين قوما فيهم فطنة فأراهم أن الوقوف على ظواهر الشريعة حالة يشاركهم فيها العوام فحسن لهم علوم الكلام و صاروا يحتجون بقول أبقراط و جالينوس و فيثاغورس
و هؤلاء ليسوا بمتشرعين و لا تبعوا نبينا صلى الله عليه و سلم إنما قالوا بمقتضى ما سولت لهم أنفسهم
و قد كان السلف إذا نشأ لأحدهم ولد شغلوه بحفظ القرآن و سماع الحديث فيثبت الإيمان في قلبه
فقد توانى الناس عن هذا فصار الولد الفطن يتشاغل بعلوم الأوائل و ينبذ أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم و يقول : أخبار آحاد
و أصحاب الحديث عندهم يسمون حشوية
و يعتقد هؤلاء أن العلم الدقيق علم الطفرة و الهيولى و الجزء الذي لا يتجزأ
ثم يتصاعدون إلى الكلام في صفات الخالق فيدفعون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بواقعاتهم
فيقول المعتزلة : [ إن الله لا يرى لأن المرئي يكون في جهة ] و يخالفون قول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ] فأوجب هذا الحديث إيثار رؤيته و إن عجزنا عن فهم كيفيتها
و قد عزل هؤلاء الأغبياء عن التشاغل بالقرآن و قالوا مخلوق فزالت حرمته من القلوب
و عن السنة و قالوا أخبار آحاد و إنما مذاهبهم السرقة من أبقراط و جالينوس
و قد إستفاد من تبع الفلاسفة أنه يرفه نقسه عن تعب الصلاة و الصوم و قد كان كبار العلماء يذمون علم الكلام حتى قال الشافعي : [ حكمي فيهم أن يركبوا على البغال و يشهروا و يقال : هذا جزاء من ترك الكتاب و السنة و إشتغل بالكلام ]
وقد آل بهم الأمر إلى أن إعتقدوا أن من لم يعرف تحرير دليل التوحيد فليس بمسلم
فا الله الله من مخالطة المبتدعة و عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا .

من كتاب صيد الخاطر

الاثنين، 1 فبراير 2016

مساعد الظالم ظالم مثله ... كلمات من ذهب



مساعد الظالم ظالم مثله
رأيت خلقا يفرطون في أديانهم ثم يقولون : إحملونا إذا متنا إلى مقبرة أحمد
أتراهم ما سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إمتنع من الصلاة على من عليه دين و على الغال و قال : [ ما ينفعه صلاتي عليه ]
و لقد رأيت أقواما من العلماء حملهم حب الصيت على أن إستخرجوا إذنا من السلطان فدفنوا في دكة أحمد بن حنبل و هم يعلمون أن هناك خلقا رفات بعضهم على بعض
و ما فيهم إلا من يعلم أنه ما يستحق القرب من مثل ذلك

فأين إحتقار النفوس ؟ أما سمعوا أن عمر بن عبد العزيز قيل له : تدفن في الحجرة ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أرى نفسي أهلا لذلك
لكن العادات و حب الرياسة غلبت على هؤلاء فبقي العلم يجري على الألسن عادة لا للعمل به
ثم آل الأمر إلى جماعة خالطوا السلاطين و باشروا الظلم يزاحمون على الدفن بمقبرة أحمد و يوصون بذلك
فليتهم أوصوا بالدفن في موضع فارغ إنما يدفنون على موتى.
و يخرج عظام أولئك فيحشون على ما ألقوا من الظلم حتى في موتهم و ينسون أنهم كانوا من أعوان الظلمة
أترى ما علموا أن مساعد الظالم ظالم و في الحديث : [ كفي بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة ]
قال السجان لأحمد بن حنبل : هل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال : [ لا أنت من الظلمة إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمره ] 

ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر