الجمعة، 11 مارس 2016

معاتبة الحبيب لاحبائه

لما انتهى المسلمون من غزوة حنين ظافرين غانمين ، وزع النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم على المسلمين ، واهتمَّ خاصة بالمؤلفة قلوبهم ليكون ذلك تثبيتاً لهم على إسلامهم ، ووكل أصحاب الإيمان إلى إيمانهم وإسلامهم ..
فتساءل الأنصار في مرارة : لماذا لم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حظهم من الفيء والغنائم ، وأخذوا يتهامسون بذلك ..
فسمع سعد بن عبادة همسهم وكلامهم ، فذهب من فوره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله إنَّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبته .. قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء ..
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : (وأين أنت من ذلك يا سعد ؟) ..
فأجاب سعد بصراحة قائلاً : ما أنا إلا واحد من قومي ..
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذاً فاجمع لي قومك ) ..
فجمع سعد قومه من الأنصار ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يدخل عليهم أحد وهو معهم ..


فجاءهم بأبي هو وأمي ، فنظر في وجوههم ، فتبسم في وجوههم ابتسامة متألقة ..ابتسامة عرفان وتقدير لصنيعهم ..
ثم قال : ( يا معشر الأنصار ماقالة بلغتني عنكم ؟ وجدةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم ؟ ..
ألم آتكم ضلالاً ..فهداكم الله بي !.
وعالة ..فأغناكم الله بي !.
وأعداءً ..فألَّف الله بين قلوبكم بي !.)
قالوا : بلى الله ورسوله أمنُّ وأفضل ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ )
قالوا : بمَ نجيبك يا رسول الله ؟ لله ورسوله المنُّ والفضل ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ( أما والله لو شئتم لقلتم ولصدقتم وصُدِّقتم :
أتيتنا مُكذَّباً فصدَّقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وعائلاً فآسيناك ، وطريداً فآويناك ..
يا معشر الأنصار ..
أوجدتم في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم لإسلامكم ؟
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون أنتم برسول الله في رحالكم ؟! ..
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون أنتم برسول الله في رحالكم ؟! ..
فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ..
ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار!
اللهم ارحم الأنصار ..
اللهم ارحم الأنصار ..
وأبناء الأنصار ..
وأبناء أبناء الأنصار ) ..
فبكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم ، واختلطت دموعهم بدموع حبيبهم ..
فصاحوا جميعاً وسعد معهم : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ..
يالله ..
ما أجمله من منظر ..
وما أروعه حين يعبر الصادقون بدموعهم عن حبهم وشوقهم لحبيبهم..


من كتاب البكاؤون 
والحديث اصله في الصحيح

الخميس، 10 مارس 2016

قضاء وقدر



قضاء وقدر

(( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا )) ، جفَّ القلمُ ، رُفعتِ الصحفُ ، قضي الأمرُ ، كتبت المقادير ، (( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا )) ، ما أصابك لم يكنْ لِيُخطئِك ، وما أخطأكَ لم يكنْ لِيُصيِبك ... .
إن هذه العقيدة إذا رسختْ في نفسك وقرَّت في ضميرِك صارتْ البليةُ عطيةً ، والمِحْنةُ مِنْحةً ، وكلُّ الوقائع جوائز وأوسمةً ( ومن يُرِدِ اللهُ به خيراً يُصِبْ منه ) فلا يصيبُك قلقٌ من مرضٍ أو موتِ قريبٍ ، أو خسارةٍ ماليةٍ ، أو احتراقِ بيتٍ ، فإنَّ الباري قد قدَّر والقضاءُ قد حلَّ ، والاختيارُ هكذا ، والخيرةُ للهِ ، والأجرُ حصل ، والذنبُ كُفِّر .هنيئاً لأهلِ المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخذِ ، المعطي ، القابضِ ، الباسط ، (( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )) .
ولن تهدأ أعصابُك وتسكن بلابلُ نفسِك ، وتذْهب وساوسُ صدْرِك حتى تؤمن بالقضاءِ والقدرِ ، جفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ فلا تذهبْ نفسُك حسراتٍ ، لا تظنُّ أنه كان بوسعِك إيقافُ الجدار أن ينهار ، وحبْسُ الماءِ أنْ ينْسكِبُ ، ومَنْعُ الريحِ أن
تهبُّ ، وحفظُ الزجاج أن ينكسر ، هذا ليس بصحيحٍ على رغمي ورغمك ، وسوف يقعُ المقدورُ ، وينْفُذُ القضاءُ ، ويحِلُّ المكتوبُ (( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ )) .
استسلمْ للقدر قبْل أن تطوّق بجيش السُّخْط والتذمُّر والعويل ، اعترفْ بالقضاءِ قبْل أن يدهمك سيْلُ النَّدمِ ، إذاً فليهدأ بالُك إذا فعلت الأسباب ، وبذلت الحِيل ، ثم وقع ما كنت تحذرُ ، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ، ولا تقُلْ ( لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قُلْ : قدَّر اللهُ وما شاء فعلْ) .

الأربعاء، 9 مارس 2016

لا تكن إمعة

لا تكن إمعة

لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذُب في الآخرين. إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثيرٌ هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتِهم وحركاتِهم ، وكلامَهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصْهرُوا في شخصيِّات الآخرين ، فإذا التكلّفُ والصَّلفُ ، والاحتراقُ ، والإعدامُ للكيان وللذَّات.
من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنانِ في صورةٍ واحدةٍ ، فلماذا يتفقون في المواهبِ والأخلاق .
أنت شيءٌ آخرُ لم يسبق لك في التاريخِ مثيلٌ ولن يأتي مثُلك في الدنيا شبيه .
أنت مختلف تماماً عن زيد وعمرو فلا تحشرْ نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان .
انطلق على هيئتك وسجيَّتك (( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ )) ، (( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ )) عشْ كما خلقت لا تغير صوتك ، لا تبدل نبرتك ، لا تخالف مشيتك ، هذب نفسك
بالوحي ، ولكن لا تلغِ وجودك وتقتل استقلالك.
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ؛ لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا ((لا يكن أحدكم إمَّعة)) .
إنَّ الناس في طبائعهمْ أشبهُ بعالمِ الأشجارِ : حلوٌ وحامضٌ ، وطويلٌ وقصيرٌ ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموزِ فلا تتحولْ إلى سفرجل ؛ لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ، إن اختلاف ألوانِنا وألسنتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا آيةٌ منْ آياتِ الباري فلا تجحد آياته .

الثلاثاء، 8 مارس 2016

قالوا في الصبر

قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : الصبر ثلاثة : صبر على المصيبة و صبر على الطاعة و صبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب له ثلثمائة درجة و من صبر على الطاعة كتب له ستمائة درجة و من صبر عن المعصية كتب له تسعمائة درجة
و قال ميمون بن مهران : الصبر صبران : فالصبر على المصيبة حسن و أفضل منه الصبر عن المعصية
و قال الجنيد و قد سئل عن الصبر فقال : هو تجرع المرارة من غير تعبس
و قال الفضيل بن عياض : في قوله تعالى : { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ثم قال : صبروا على ما أمروا به و صبروا عما نهوا عنه انتهى كلامه فكأنه ـ رحمه الله ـ جعل الصبر عن المعصية داخلا في قسم المأمور به
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال : مرض أبو بكر فعادوه فقالوا : ألا ندعو لك الطبيب ؟ فقال : قد رآني الطبيب قالوا : فأي شيء قال لك ؟ قال : إني فعال لما أريد
قال أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد قال : قال عمر بن الخطاب : وجدنا خير عيشنا بالصبر و في رواية : أفضل عيش أدركناه بالصبر و لو أن الصبر كان من الرجال كان كريما
و قال علي بن أبي طالب : ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسد ثم رفع صوته فقال : ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له
و قال الحسن : الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده
و قال عمر بن عبد العزيز : ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضها مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه منه
و قال بعض العارفين في رقعة يخرجها كل وقت فينظر فيها و فيها مكتوب { و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا }
و قال مجاهد في قوله تعالى : { فصبر جميل } : في غير جزع
و قال عمروبن قيس { فصبر جميل } قال : الرضا بالمصيبة و التسليم
و قال حسان : { فصبر جميل } : لا شكوى فيه و قال همام عن قتادة في قول الله تعالى : { و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم } قال : كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرا و قال الحسن : الكظيم : الصبور و قال الضحاك : كظيم الحزن
و قال عبد الله بن المبارك : أخبرنا عبد الله بن لهيعة عن عطاء ابن دينار أن سعيد بن جبير قال : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منهو احتسابه عند الله
قال يونس بن زيد : سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن : ما منتهى الصبر ؟ قال : أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه
و قال قيس بن الحجاج في قوله تعالى : { فاصبر صبرا جميلا } قال : أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو

و ذكر أبو الفرج بن الجوزي في عيون الحكايات : قال الأصمعي : خرجت أنا و صديق لي إلى البادية فضللنا الطريق فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها فسلمنا فإذا امرأة ترد علينا السلام قالت : ما أنتم ؟ قلنا : قوم ضالون عن الطريق أتيناكم فأنسنا بكم فقالت : يا هؤلاء و لو وجوهكم عني حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل ففعلنا فألقت لنا مسحا فقالت : اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني ثم جعلت ترفع طرف الخيمة و تردها إلى أن رفعتها فقالت : أسأل الله بركة المقبل أما البعير فبعير ابني و أما الراكب فليس بابني فوقف الراكب عليها فقال : يا أم عقيل أعظم الله أجرك في عقيل قالت : ويحك ! مات ابني ؟ قال : نعم قالت : و ما سبب موته ؟ قال : ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فقالت : انزل فاقض ذمام القوم و دفعت إليه كبشا فذبحه و أصلحه و قرب إلينا الطعام فجعلنا نأكل و نتعجب من صبرها فلما فرغنا خرجت إلينا و قد تكورت فقالت : يا هؤلاء هل فيكم من أحد يحسن من كتاب الله شيئا ؟ قلت : نعم قالت : اقرأ من كتاب الله آيات أتعزى بها قلت : يقول الله عز و جل في كتابه : { وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } قالت : آلله إنها لفي كتاب الله هكذا ؟ قلت : آلله إنها لفي كتاب الله هكذا ! قالت : السلام عليكم ثم صفت قدميها وصلت ركعات ثم قالت : { إنا لله و إنا إليه راجعون } عند الله أحتسب عقيلا تقول ذلك ثلاثا اللهم إني فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني .