لا يغرك من الرجل طنطنته و ما تراه يفعل من صلاة و صوم و صدقة و عزلة عن الخلق
إنما الرجل هو الذي يراعي شيئين : حفظ الحدود و إخلاص العمل
فكم قد رأينا متعبدا يحرق الحدود بالغيبة و فعل ما لا يجوز مما يوافق هواه ! و كم قد اعتبرنا على صاحب دين أنه يقصد بفعله غير الله تعالى
و هذه الآفة تزيد و تنقص في الخلق
فالجل كل الرجل هو الذي يراعي حدود الله و هي ما فرض عليه و ألزم به
و الذي يحسن القصد فيكون عمله و قوله خالصا لله تعالى لا يريد به الخلق و لا تعظيمهم له
فرب خاشع ليقال ناسك و صامت ليقال خائف و تارك للدنيا ليقال زاهد
و علامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته و ربما تكلف بين الناس التبسم و الإنبساط لينمحي عنه إسم زاهد
فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية
و اعلم أن المعمول معه لا يريد الشركاء فالمخلص مفرد له بالقصد و المرائي قد أشرك ليحصل له مدح الناس
و ذلك ينقلب لأن قلوبهم بيد من أشرك معه فهو يقلبها عليه لا إليه
فالموفق من كانت معاملته باطنة و أعماله خالصة
و ذاك الذي تحبه الناس و إن لم يبالهم كما يمقتون المرائي و إن زاد تعبده
ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم و لا يقصر عن طلب الفضائل
فملأ الزمان أكثر ما يسعه من الخير و قلبه لا يفتر عن العمل القلبي إلى أن يصير شغله بالحق سبحانه و تعالى .
من كتاب صيد الخاطر