المطاردة
في
مساء اليوم الخامس وقد اسدل الليل سدوله واحمد في فندقه يستمع الى التسجيلات جلب
انتباهه جملة لافتة للاهتمام فقد حدثت على غير المعتاد في وقت متأخر من الليل , كان
صوت فواز.
-
- سامي ... جهز
لي السيارة.
ثم
توقف التسجيل , كان جهاز التنصت يسجل الكلام البشري فقط , لذلك توقف ثم بدأ يعرض
المحادثة التالية :
- -
وصلنا سيدي.
...
-
- فارس ... هل
اتممت كل شيء ؟
-
- نعم.
-
- كم الحمولة ؟
-
250.
- -
متى ستتحرك ؟
-
- في الخامسة.
-
- اين ستتوقف ؟
- -
هنا ...
-
- عزيز ... متى
ستكون هناك ؟
-
- في السابعة.
-
- هل كل شيء وفق
التعليمات ؟
-
- نعم.
-
- سيتم التأكيد
وفق القاعدة المعتادة.
- -
نعم.
...
بعدها
سمع احمد تسجيلات تبين عودة فواز الى منزله.
كان
هذا التسجيل يؤشر على وجود تخطيط لامر ما ولكن لا يبين فحوى العملية فهناك حمولة
وهناك مكان وهناك توقيتات ولكن ماهي حقيقة الامر هل هو تسليم لشحنة ام هي عملية
تفجير او اغتيال لكن في كل الاحوال فان هذا التسجيل دليل على تورط فواز في اعمال
مشبوهة . قام احمد باعادة توجيه التسجيل وارسله مشفرا الى القيادة.
ثم
فتح برنامج الخرائط واظهر تحركات فواز في تلك الليلة كان هناك تحرك لفواز من بيته
باتجاه الشرق من بيته وبمسافة تقرب من 7 كيلومترات حيث توقفت الاشارة ثم عاد الى
نفس المكان. كان على احمد ان يعمل بسرعة للتوثق من الامر.
ارسل
احمد رسالة مشفرة الى حسن يطلب منه احضار سيارة خاصة له قبل الرابعة فجرا و
موافاته الى المقر الآمن. غيرَ احمد ملابسه و خرج من الفندق متوجها الى المقر
الآمن.
عند
وصوله الى المقر كان حسن ينتظره فاستفهم
منه الامر فشرح له بصورة سريعة الامر وطلب منه الاستعداد لاي طارىء. من احد
الدواليب السرية اخرج احمد عدة التنكر وبدأ بالتنكر فلبس شعرا مستعارا اصفر واضاف
الى وجهه بعض الملامح المصطنعة ثم غير ملابسه الخارجية بعد ان ارتدى تحت قميصه
درعا واقيا.
تجهز
احمد للخروج فاخذ هوية تعريفية محلية وبإسم مستعار وهاتفا جديدا ببطاقة مسجلة باسم
صاحب الهوية المستعارة. بعد ان اكمل احمد تحضيراته اخذ عدة اغراض للتجسس واخذ من
حسن مفتاح السيارة التي جهزها له و نزل من الشقة ليسير عشرات الامتار الى المكان
الذي اوقف فيها حسن السيارة ليستقلها وينطلق.
كان
احمد مستعجلا لان التسجيل يشير الى ان الحمولة ستتحرك في الخامسة ومن المؤكد انها
الخامسة فجرا وهي ستحين بعد اقل من ساعة لذلك قرر احمد الذهاب الى المكان الذي ذهب
اليه فواز واستطلاعه. انطلق احمد بسرعة عادية لكي لا تلفت الانظار. اتجه بها احمد
الى خارج المدينة باتجاه الضواحي .كان الليل دامسا والقمر محاقا وكانت الاشجار
تحيط بالطريق من الجانبين واشجار الارز منتصبة تلوح من بعيد .
فتح
احمد جهاز دليل الخرائط الموجود على محموله واخذ يتتبع مسار الحركة الذي تحركه فواز
وصولا الى موقع اللقاء المشبوه كانت السيارة تقترب والسماء تخترطها خيوط من ضياء
الصباح , كان الطريق يخترق الغابات الخضراء ذات الاشجار العالية.
عندما
اقترب احمد من الموقع لاح مع ضياء الصباح اسوار مبنية من الحجر , في الموقع المحدد
مرت السيارة قرب بوابة حديدية صغيرة , بنظرة خاطفة من طرف عينيه استطاع احمد ان
يلتقط صورة دقيقة للبوابة وما حولها. استطاع ان يلمح بوابة حديدة عالية بعرض ثلاث
امتار لا تسمح برؤية ما خلفها مع كاميرة مراقبة فوقها لمراقبة مدخل البوابة و جانب
الطريق.
واصل
احمد سيره بدون توقف حتى تجاوز المكان بحوالي نصف كيلومتر ثم توقف. فتح حقيبته
الجلدية واخرج علبة صغيرة اشبه بقطعة نقدية سميكة قليلا. شغل احمد السيارة وانطلق
عائدا بالاتجاه المعاكس وبسرعة اكبر , امسك احمد بالعلبة الصغيرة وقبل وصوله الى
البوابة بمسافة محسوبة رمى احمد العلبة في وسط المدخل وبسبب سيارة السرعة اندفعت
العلبة الى المكان المطلوب واعاد يده التي رمى بها الى المقود وقاد السيارة الى
احد الشوارع الفرعية وسط الاشجار واوقف سيارته هناك وأطفأ انوار السيارة .
كانت
الساعة تقترب من الخامسة موعد انطلاق الشخص المدعو فارس. كانت العلبة التي رماها
احمد عبارة عن جهاز تتبع صغير بامكانه بتقنية مغناطيسية الانجذاب الى اي سيارة تمر
قربه او فوقه. كان الاحتمال الكبير في إن فارس سيستعمل سيارة لنقل الحمولة وانه
سيتجه بها الى العاصمة.
كان
المكان الذي توقف فيه احمد يبعد مئات الامتار فقط . وكان جهاز التعقب متوقف حيث
رماه , كان احمد يأمل ان لا يكون الجهاز قد تم رؤيته بواسطة كاميرات المراقبة بفضل
صغر حجمه وقلة الضوء في السماء.
كانت
الساعة تقترب من الخامسة والجهاز ما زال مستمرا في عمله وسيتبين احمد مدى جدواه في
خلال ثواني قليلة.
لحظات
وبدأت إشارة جهاز التعقب بالتحرك , نجح الامر, كان احمد قد وضع كاميرة دقيقة
للتصوير خلف الزجاجة الخلفية لتصور للوراء .
كانت
الاشارة تتحرك عبر الطريق الرئيسي وتقترب من الطريق الفرعي الذي توقف فيه , في
المرآة الجانبية استطاع احمد رؤية سيارة زرقاء نوع صالون تمر يقودها شخص لم يستطع
احمد تبين ملامحه بسبب سرعة السيارة و قلة ضياء الصباح.
سحب
احمد الكاميرة بسرعة من الخلف واوقف التسجيل واعاد الفيلم من البداية الى لحظة
مرور السيارة الزرقاء ثم اوقف الصورة وكبرها ليدقق في طراز السيارة ثم شكل السائق.
كان
السائق حليق الرأس ذو انف معقوف وقد ارتدى نظارات كبيرة , إذن هذا هو "فارس"
, كان هذا كل ما استطاع احمد ان يتبينه لكن ذلك كان كافي ليكون صورة عن المشتبه
به.
بدأت
السيارة المشبوهة تتحرك باتجاه الضاحية الشرقية للعاصمة , تحرك احمد بسيارته لكنه
لم يكن بمقدوره مراقبته عن قرب لان هذه الطرق الريفية خالية في هذه الساعات الاولى
من الصباح وسينكشف امره بكل سهولة.
كان
جهاز التتبع يسمح لاحمد بتتبع السيارة من بعيد , كانت خارطة المدينة ظاهرة على
جهاز الارشاد , وكان جهاز التتبع يؤشر مسار السيارة المشبوهة , قرر احمد ان يتبع
السيارة عن طريق السير في الطرق الموازية والقريبة للطريق الذي يسير فيه فارس .
كان
من الواضح ان فارس يسير في طرق متفرعة وكثيرة من اجل التأكد من عدم وجود متتبع له.
كانت الساعة ما تزال قبل السادسة واحمد يتتبع السيارة عن بعد , كان احمد يدرك انه
عند توقف سيارة فارس في مكان ما سيكون عليه الوصول الى ذلك المكان باقصى سرعة
ليراقب ما سيفعله فارس.
استمرت
المطاردة اكثر من ساعتين ناور فيها احمد بسيارته كثيرا , كانت الشمس قد ارتفعت
والطرق قد ازدحمت بالسيارت وكان فارس قد بدأ يقترب من من وسط المدينة وبدأت سرعته
تبطىء وادرك احمد إن السيارة ستتوقف قريبا.
فجأة
توقفت سيارة فارس و كان الطريق الذي توقفت فيه طريق رئيسي يسمى طريق الشجرة ذو اتجاهين.
قاد
احمد سيارته بسرعة الى اقرب شارع فرعي يطل على الطريق , دخل احمد الشارع واسرع الى
نهايته وتوقف هناك , كان الشارع مكتضا بالسيارات والمارة , نظر احمد الى الاتجاه
الذي توقفت فيه السيارة المشبوهة وقبل ان يلمحها , فجأةً التقت نظراته مع نظرات
وجه مألوف كان يسير على الرصيف.
كان
وجه فارس نظر احدهما الى الأخر في لمحة قصيرة حاول كل منهما ان يظهر تجاهله للآخر.
تضجر
احمد من هذه المفاجأة الخطيرة غير المحسوبة فلا بد ان هذا الشخص قد حصل له شك وانه
على الاكثر سيذكر ملامح وجهه رغم التنكر.
كان
فارس تاركا سيارته خلفه ويسير مع اتجاه حركة السير فعبر الشارع الفرعي امام احمد
الى الجهة الجهة الاخرى , استمر احمد في مراقبته , سار بضع امتار ثم اتجه فارس الى
سيارة متوقفة على جانب الرصيف ففتح باب السيارة من جهة السائق وركبها ثم انطلق ,
في تلك اللحظة ادرك احمد ان مخاوفهم تتحقق واسرع ينظر الى الاتجاه المعاكس بحثا عن
السيارة الصالون الزرقاء , لمحها متوقفة على جانب الرصيف .
فتح
احمد هاتفه المحمول الذي زوده حسن بها وطلب رقم الشرطة , ترك احمد فارس يبتعد وبقي
مراقبا السيارة فلا بد انها مفخخة وانها موضوعة لتحدث كارثة .
- -
الو طوارىء
الشرطة !
- -
تفضل.
- -
اود ان ابلغ
عن سيارة صالون زرقاء تحمل متفجرات متوقفة في شارع الشجرة.
اغلق
هاتفه بسرعة وهنا لمح على الجانب الثاني من الطريق وعلى مسافة خمسين مترا موكب من
السيارات الرباعية الدفع تقترب ومن النوع المدرع , ادرك احمد ان الهدف يقترب من
المصيدة , و بطبيعته المعهودة لاحمد عمل بسرعة وبدون تردد , خبأ جهازه المحمول للتتبع
في حقيبة يده و
ضغط
على دواسة الوقود وامسك عجلة القيادة بقوة وحرر المكابح وانطلق بالسيارة قاطعا
الطريق بالعرض متجاوزا السيارات باتجاه الجانب الثاني من الطريق ومكنته سيارته
العالية والسرعة من تجاوز الرصيف الوسطي. عبرت السيارة الى الجانب الثاني وبكبحة
قوية جعل احمد السيارة تدور في مكانها لتسد الطريق صادما خلال هذه المناورة عدد من
السيارات القادمة من ذلك الاتجاه.
كانت
الحركة مفاجئة واسفرت عن حادث تصادم بين سيارة احمد التي انطلقت فيها اكياس
السلامة وبين ثلاث سيارات كانت تسير في طريقها.
استعاد
احمد تركيزه بعد هذه الحركة القوية وانفجار اكياس الامان في وجهه والصدمة التي
تلقاها من السيارات الاخرى . فتح الباب وترجل من السيارة , وجد احمد السواق
الاخرون قد ترجلوا وهم يحدقون في وجهه بحقد وجاء بعض المارة ليشاهدوا الحادث
ويشاهدون هذا السائق المتهور.
ما
ان ترجل نظر الى الامام باحثا عن الموكب الرسمي القادم , لاحظ ان الموكب توقف بسبب
الازدحام الحاصل من قطعه للطريق بينما كان يسمع صيحات الناس:
-
هل انت مجنون
... انه ثمل ... اين الشرطة ...
حاول
احمد ان يحد من انفعال الحاضرين وتكلم باللهجة المحلية :
-
انا آسف ...
انها المكابح ... انها معطلة.
وصل
شرطي مرور قريب من مكان الحادث وطلب من احمد ان يسحب سيارته بسرعة من وسط الطريق
وان يصفها على جنب وطلب ممن تضررت سياراتهم الطلب نفسه.
انقاد
احمد لامر الشرطي ونظره مصوب الى موكب السيارات , شاهد احمد موكب السيارات يتراجع منسحبا
ليغير طريقه , لقد نجح الأمر فالحراس المحترفون لن يوقفوا موكبا لمسؤول في طريق
مسدود بواسطة حادث مفتعل وستساورهم الشكوك وسيضطرون الى تغيير مسارهم.
اوقف
احمد سيارته الى جنب وهو يراقب في المرآة الخلفية موكب السيارات يعود الى الوراء.