الهروب من الموت
فتح
احمد الباب لينزل من السيارة و شرطي المرور يشير اليه , قبل ان ينزل احمد قدمه من
السيارة احس بلمعة من الضياء الشديد تغمر عينيه وتحيطه من كل جانب وصدمة من الضغط
والحرارة تدفعه الى الخلف , بصورة لا ارادية اغلق احمد عينيه و غطى احمد وجهه خوفا
من الزجاج المتطاير.
كان
الصوت آخر ما صدح اذنيه , ثواني مرت قبل ان يستجمع احمد رباطة جأشه ليفتح عينيه .
كانت
هناك كتلة من اللهب تلتهم عدد من السيارات والمحال واشلاء محترقة منتشرة في كل
مكان وانقاض مباني وهياكل سيارات متحطمة. ترجل احمد من السيارة ونظر حوله , كانت
معظم السيارات في المكان قد تحطم زجاجها وهناك اشخاص مصابين قد سقطوا على الارض
اما شرطي المرور فقد اختفى. سار احمد باتجاه الانفجار , كان متأكداً ان السيارة
الزرقاء قد فُجرت عن بُعد بعد ان فشلت في تأدية الغرض الذي جهزت منه.
بعد
ان شاهد احمد حجم الدمار الذي احدثه الانفجار عاد الى السيارة ونظر اليها , كان قد
تحطم زجاجها و تحطمت مقدمتها من الانفجار , ادرك احمد انه قد نجا من الموت بإعجوبة
.
حمل
احمد حقيبته واغراضه وقرر الانسحاب من المكان قبل تنتشر القوات الامنية. وسط
الفوضى انسحب احمد بهدوء بعيدا عن مكان الانفجار , قرر احمد الابتعاد ببطء , كان
احمد يدرك ان منفذيّ التفجير فارس وعزيز الذي لا شك انه كان مسؤولاً عن التفجير قد
ادركا ان الشخص الذي اعترض طريق موكب "الهدف" وأفشل عملية الاغتيال هو
شخص مطلع على العملية ولديه معلومات عنها ولا بد انهما ورئيسهما سيحاولون البحث عنه.
في
الطريق اخرج احمد هاتفه المحمول الذي استخدمه للتبليغ عن السيارة المفخخة واخرج
منه بطاقة الهاتف واتلفها ثم اتلف الهاتف , كان احمد يخشى ان يتم تتبعه والقبض
عليه للتحقيق معه بسبب الابلاغ عن السيارة المفخخة.
سار
احمد على قدميه حاملا حقيبته اليدوية , كان هناك بعض الجروح الطفيفة في يده وفي
وجهه , تجنب احمد المناطق المزدحمة ولجأ لاحد الافرع الجانبية الضيقة والهادئة
وهناك تطلع حوله وتأكد من عدم وجود مراقب فخلع شعره المستعار و الملامح الصناعية
من على وجهه ووضعها في الحقيبة ثم اخرج زجاجة منظف سريع رش منها على يديه ووجهه ,
ثم مسح وجهه بمنديل , رتب شعره ثم انطلق يسير وهو يحرص على ان لا يتبعه احد.
عندما
مر أحمد على مطعم شعبي صغير طلب وجبة فطور سريعة , جلس في المطعم بانتظار الوجبة
واخذ يشاهد شاشة التلفاز التي كانت تعرض أخبار لقناة محلية تنقل مشاهد الانفجار
المروع وشريط الاخبار ينقل عاجلها :
انفجار
كبير في شارع الشجرة ... الانفجار يوقع اكثر من 20 اصابة في حصيلة اولية ... فرق
الاطفاء والدفاع المدني تسرع لمكان الحادث...
تناول
احمد فطوره بسرعة ودخل الى المغاسل وغسل وجهه وحاول ازالة أثر الجروح او الانفجار
عن جسمه وملابسه وتأكد من ان شكله مناسب ولا تبدوا عليه اثار الانفجار ثم انسحب
بهدوء , كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحا , استأجر احمد سيارة اجرة الى الفندق.
في
الفندق استكمل احمد ترتيب خططه التي كان يفكر فيها في طريق الرجعة. وبدأ يوضب
امتعته لمغادرة الفندق حيث ادرك ان بقائه فيه قد اصبح خطراً.
فجأة
احس احمد بصوت مفتاح باب الشقة يدور , بسرعة حمل احمد حقيبته اليدوية التي جمع
فيها جوازاته والاجهزة ووضعها على كتفه واسرع الى الصالة وبقفزات سريعة , وقف
بالقرب من الباب , امسك احمد طاولة صغيرة كانت موجودة في الصالة وحملها بكلتا يديه
, ثم أخذ ينظر الى الباب وينتظر. فُتحت الباب بقوة ورأى احمد مسدس كاتم تمسكه
قبضتين تتقدم عبر الباب , انتظر احمد اللحظة المناسبة حين دخل صاحب المسدس بجسده
عبر الباب.
في
تلك اللحظة اطلق احمد مخزون الطاقة القصوى في ذراعيه , ضرب احمد المسلح بالمنضدة
التي يحملها بكل قوته محطما المنضدة ومسقطا المسلح على الارض الذي فقد مسدسه. توسط
جسد المسلح فتحة الباب وتوقع احمد وجود مسلح آخر.
بقي
احمد ممسكا بجزء من الطاولة المتحطمة واتجه ليقفز من فوق جسد المسلح الى خارج
الشقة , في تلك اللحظة شاهد مسلحاً ثانياً موجها مسدسه الكاتم باتجاه وجهه , غطى
احمد وجهه بقطعة المنضدة الخشبية و اندفع باتجاه المسلح الثاني مطلقا بصورة عفوية
صرخة جندي من القوات الخاصة لارعاب العدو.
في
حركته السريعة سمع صوت الاطلاقات المكتومة تنطلق , لكن جسده المندفع استمر باتجاه
المسلح الذي تراجع ليرتطم ظهره بحائط الممر وفي حركة يسارية سريعة وجه احمد ضربة الى
صدر المسلح فرغ فيها طاقة ذراعه اليسرى. ثم انطلق احمد هاربا باقصى سرعة , اتجه
الى السلالم واخذ ينزلها قافزا متجاوزا الدرجات , كانت تفكيره الان مقصورا على
الفرار من اعدائه باقصى سرعة. اثناء تلك الحركات السريعة احس احمد بألم في صدره من
جهة قلبه , تحسس صدره كان قميصه مخروقا
باطلاقتين استقرتا في درعه الواقي الذي يرتديه , ولكن بسبب قرب المسدس الذي اطلقها
من صدره فانهما كانتا تنخزان صدره وتؤلمه , لم يحس احمد في اللحظات الاولى بهذه
الاطلاقات بسبب تركيزه على الافلات من الموت ولكنه مع مرور الوقت بدأ يتحسسهما.
وصل
احمد سريعا الى الطابق الارضي. مشى بهدوء واسرع الى الخارج , سار مبتعدا عن الفندق
واختفى في أحد الشوارع الفرعية ثم استقل اول سيارة اجرة صادفها.
ادرك
احمد ان عملاء فواز استطاعوا بطريقة متطورة من تتبعه وانهم ربما استطاعوا كشف جهاز
التجسس في ساعة اليد التي ارسلها الى فواز ومن ثم وبطريقة ما استطاعوا تتبع جهاز
الاستلام الموجود في هاتفه المحمول او انهم ربما استعملوا نظاما من التصوير
بالاقمار الفضائية مكنتهم من تتبعه اثناء انسحابه من موقع الانفجار وذهابه الى
الفندق.
في
سيارة الاجرة اخرج احمد محموله المميز وضغط عدة مفاتيح سوية ولعدة ثواني وذلك
لتدمير بطاقة الاتصال الموجودة فيه وايقاف جميع العمليات الالكترونية التي قد تستغل
لتتبعه , ثم اغلق الجهاز.
ترك
احمد سيارة الاجرة في منطقة شعبية و اشترى قميص جديدا وهاتفا محمولا صغيرا مع بطاقة
تعريف جديدة.
عن
طريق الجوال الجديد اتصل بحسن:
-
كيف الاحوال ؟
-
بخير وانت ؟
-
اشكو من بعض
الحساسية.
-
هل تناولت
دواء ؟
-
كلا.
-
هل تحتاج ان
اجلب لك دواء ما ؟
-
نعم , احتاج
الى مجموعة.
-
اين التقيك ؟
-
في مطعم
التفاحة.
-
ساتيك في
الرابعة.
-
حسنا , سانتظرك هناك.
-
مع السلامة.
كانت
هذه الرسالة مشفرة متفق عليها بطريقة مسبقة.
لذلك
فقد التقيا بعد ساعة في مول قريب.
كان
احمد قبل وصول حسن قد ارتدى قميصه الجديد في مغاسل المول , وجلس في مقهى صغير
يستطيع ان يراقب فيه بصورة جيدة ما حوله و يستطيع بسهولة ان يميز اي شخص مريب قد
يقترب منه. كتب ما يحتاجه من حسن في ورقة صغيرة بطريقة الرموز.
في
الوقت المحدد انفتح باب المصعد وظهر حسن خارجا من المصعد , ذهب حسن الى طرف ثاني
في الطابق حيث جلس في مطعم و تناول وجبة سريعة فيما سمح ذلك لاحمد لمراقبته ومعرفة
انه غير متبوع.
ثم
تحرك احمد الى المصعد وتحرك بعده حسن ودخل معهم عدد من الشباب , ما ان اغلق المصعد
بابه حتى سلم احمد ورقته خلسةً لحسن.
وما
ان فتح المصعد حتى تفرق الاثنان.
في
عصر ذلك اليوم وفي عاصمة اخرى اجتمع الرئيس مع لواء هاني المشرف عن القوة الضاربة
في اجتماع ثنائي وسري:
-
لواء هاني ,
ماذا حدث في بيروت اليوم ؟
-
سيدي , في
حوالي الساعة الثامنة من صباح اليوم بتوقيت بيروت , حاولت شبكة جاسوسية لدولة
معادية اغتيال الوزير سليم سمحان المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة , وقد استطاع رقم
40 افشال العملية بمنع موكب الوزير من المرور في الشارع الذي تم وضع المتفجرات فيه
, لكن منفذوا العملية قاموا بتفجير المتفجرات بعد علمهم بان العملية فشلت.
-
ما كان هدفهم من الاغتيال ؟
-
سيدي الرئيس ,
كما تعلم الوضع متأزم في بيروت , ولو نجحت عملية الاغتيال فانها كانت ستشعل حربا
اهلية لو قدر الله. ونحن كانت لدينا معلومات مسبقة عن وجود مخطط لتنفيذ جريمة
نوعية في بيروت لذلك نحن منذ مدة نتابع هذه التحركات و قد وجدنا ادلة على رئيس
الشبكة التي حاولت تنفيذ العملية.
-
عمل جيد لواء
هاني ... لا تعطوا فرصة للجواسيس من تدمير بلداننا ... امسكوهم بالادلة واقضوا على
شرورهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق