الخميس، 29 مايو 2014

ماهر في مغامرة عدو الشمس



مقدمة
ماهر : رجل أعمال شاب يقوم ببناء المشاريع الرائدة في مختلف الدول العربية والإسلامية يطمح لتقديم الخير وتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي وفي سبيل ذلك يواجه المصاعب بشجاعة وهمة لتجاوز العقبات والمشاكل ويتعامل معها بحكمة وعقلانية.


ماهر في الأقصر
وصل ماهر إلى الأقصر وكان كمال في استقباله في المطار، وبعد تبادل السلام والتحية استقلا سيارة كمال.
ماهر : كيف يجري العمل في مدينة الشمس ؟
كمال : الحمد لله أنجزنا 90 بالمئة من المنازل وبدأنا بنصب شبكة الطاقة الشمسية.
ماهر: هل سننجزها في الوقت المحدد.؟
ماهر: إن شاء الله ، العمل يجري حسب المخطط له.
ماهر : هل هناك مشاكل ما ؟
ماهر: كلا العمل جاري حسب المتوقع والمشاكل الفنية يقوم المهندسين بتجاوزها في وقتها.
ماهر : حسب المواصفات العالمية ؟
كمال : حسب المواصفات.
ماهر: ألا يوجد مشاكل من نوع ما ؟
كمال : كلا على العموم ... قبل يومين حاول لصوص الدخول إلى موقع البناء ولكن الحراس أطلقوا النار في الهواء وأجبروهم على الفرار.
ماهر : هل حدث هذا من قبل ؟
كمال : كلا هذه أول حالة من نوعها.
ماهر : هل أخبرتم الشرطة ؟
كمال : نعم وهي تحقق في الأمر.
وصلت السيارة إلى مدينة الشمس . كانت مدينة الشمس تمثل اكبر مدينة تعمل بالطاقة الشمسية في الوطن العربي و يتم بناءها من قبل شركة الماهر الاستثمارية في صعيد مصر.
بعد جولة تفقد فيها ماهر المدينة ذهب إلى الفندق مودعا كمال المدير العام لمشروع مدينة الشمس. كانت العلاقة بين ماهر وكمال علاقة صداقة أكثر من أن تكون علاقة رئيس بمرؤوس.
في صباح اليوم التالي رن هاتف ماهر مبكرا.
كمال : السلام عليكم.
ماهر : وعليكم السلام كمال ! خير ؟
كمال : تعرض موقع البناء لهجوم من قبل اللصوص وتم إتلاف كميات من مواد ومعدات البناء.
ماهر : كيف ؟ متى ؟
كمال : أمس ليلا دخل اللصوص وضربوا الحراس وقاموا بإحراق معدات للطاقة الشمسية وأشياء أخرى.
ماهر : قيّم لي الأضرار سآتي على الفور.
بعد دقائق كان ماهر في موقع البناء.
كمال : قام اللصوص بإتلاف مواد بقيمة 15 ألف جنيه.
ماهر : ماذا سرقوا ؟
كمال : لم يسرقوا شيء يذكر.
ماهر : ماذا فعلت الشرطة ؟
كمال : إنها تحقق في الأمر .
ماهر : والحراس أين كانوا ؟
كمال : لقد تعرضوا للضرب وسرق سلاحهم ويبدوا إن عدد اللصوص كان كثيراً.
ماهر : لنذهب إلى الشرطة.
وفي قسم الشرطة التقى ماهر الضابط فتحي المسؤول عن التحقيق.
الضابط فتحي : لقد حققنا مع الحراس ويبدوا إن عصابة من المخربين قامت بهذا العمل.
ماهر : وما سبب تعرضهم لموقع المشروع.
الضابط فتحي: سنحاول القبض على العصابة وحينها سنعرف هدفهم من ذلك وعندها سيلاقون جزاؤهم.
خرج ماهر من القسم بعد أن تلقى وعودا بالقبض على العصابة وتوفير الحماية لموقع المشروع.
عاد ماهر إلى موقع المشروع وأمر كمال بدفع تعويض مالي إلى الحراس على ما تعرضوا له من ضرب. ولكنهم تفاجئوا أن بعضهم تركوا العمل.
ماهر : لماذا ترك الرجال العمل ؟
استدعى كمال علي رئيس الخفراء.
علي : الرجال خائفين.
ماهر : ممن ؟
علي : الرجال يقولون إن الذين هاجمونا أمس هم المهربين.
ماهر : المهربون ولماذا يهاجمنا المهربون ؟
علي : وهددوا الخفراء بالقتل إذا بقوا في المكان.
ماهر : علي .. ماذا تتوقع ؟ ما هو سبب قيام المهربين بذلك ؟
علي : لا اعرف.
ماهر : الشرطة عرفت هذا الموضوع ؟
علي : الرجال قالوا ذلك في التحقيق .
ماهر : هل تستطيع الشرطة القبض عليهم أو حمايتنا منهم ؟
علي : الحقيقة ...
ماهر : ماذا علي ! تكلم ؟
علي : أستاذ ماهر المشروع قريب من الصحراء وهي ارض المهربين وهي واسعة .. وإذا استطاعت الشرطة القبض على جماعة منهم فلن تستطيع القبض على كل المهربين.
ماهر : ماذا يجري يا علي هل كل المهربين يريدون مهاجمة المشروع.
علي : أستاذ ماهر أنا ابن هذه الأرض ، المهربون لا يهجمون على احد إلا إذا أمرهم رئيسهم فسيستمرون بذلك .. وربما إذا تكررت هذه الحوادث يخاف العمال ويتركون العمل.
ماهر : كلامك خطير معنى ذلك إن المشروع ممكن يتوقف !
كمال : نستطيع طلب قوة من الشرطة تحمي لنا المشروع.
ماهر : الموقع كبير وستحتاج إلى المئات من رجال الشرطة لحمايته.
أطبق الصمت على الثلاثة فيما استغرق ماهر في تفكير عميق قبل يتلفظ ببضع كلمات ,
ماهر : أريد أن أقابل رئيس المهربين !!!.

( نهاية الحلقة الاولى ) ... ( الحلقة القادمة  .... ماهر ورئيس المهربين )

الثلاثاء، 27 مايو 2014

الدعاء

أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ    وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ      لها أمدُ وللأمدِ انقضاءُ

دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ

دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ   وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لِحَادِثة الليالي  فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً  وشيمتكَ السماحة ُ والوفاءُ
وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا  وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب  يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا ترجُ السماحة ََ من بخيلٍ  فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي   وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ   ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا   فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ
وأرضُ الله واسعة ً ولكن   إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ
دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ  فما يغني عن الموت الدواءُ

قالوا في الشافعي

قال المبرد: كان الشافعي أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت، وقال الإمام ابن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منّة.
كان من أحذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك أولاً كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب ثم أقبل على الفقه والحديث وأفتى وهو ابن عشرين سنة.

الاثنين، 26 مايو 2014

الفرق بين الهدية و الرشوى

عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِى . قَالَ 
(( فَهَلاَّ جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ - ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ ، حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ - اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاَثًا )).

السبت، 24 مايو 2014

لمسات بيانية في قصة موسى في سورة الاعراف والشعراء للدكتور فاضل السامرائي

في الأعراف والشعراء

قال تعالى في الأعراف:
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى بآياتنآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين * وَقَالَ موسى يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين * حَقِيقٌ على أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَآءَ السحرة فِرْعَوْنَ قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين * قَالُواْ ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين * قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الحق وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ * قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين * رَبِّ موسى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هاذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قالوا إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} .
***
وقال في سورة الشعراء:
{وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى أَنِ ائت القوم الظالمين * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاَّ فاذهبا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الكافرين * قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المرسلين * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين * قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتخذت إلاها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين * فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين * قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون * فألقى موسى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} .
***
إن موضوع القصة في سورة الأعراف هو تاريخ من بني إسرائيل، بدءاً من قصة موسى مع فرعون إلى ما بعد ذلك من أحداث. أما موضوعها في الشعراء فهو في ذكر قصة موسى مع فرعون بالتفصيل إلى غرق فرعون وقومه. ومعنى ذلك أن ما في سورة الشعراء إنما هو جانب مما في الأعراف. ونحن يعنينا هنا ذكر الجانبين المتشابهين اللذين يتضح فيهما الحشد الفني من النظر في أوجه التشابة والاختلاف بين النصوص في الموطنين.
إن القصة في سورة الشعراء تتسم بسمتين بارزتين هما:
1- التفصيل في سرد الأحداث.
2- قوة المواجهة والتحدي.
وقد بنيت القصة على هذين الركنين، وجاءت كل ألفاظها وعباراتها لتحقيق هذه الأمرين.
أم القصة في سورة الأعراف فقد بنيت على الاختصار من ناحية، كما أنها ليس فيها قوة المواجهة التي في الشعراء. وبملاحظة النصوص الواردة في كل الموطنين يتجلى ما ذكرناه واضحاً.
تبدأ القصة في الأعراف بدعوة موسى فرعون إلى الهدى بأقصر كلام: {إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين * حَقِيقٌ على أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ} .
أما في الشعراء فقد بدأت بالأحداث السابقة لذلك، فقد بدأت بأمر الرب لموسى أن يذهب إلى فرعون ليبلغه دعوة ربه وليرسل معه بني إسرائيل. فأظهر موسى خوفه من أن يكذبه وأن لا ينطلق لسانه. وذكر أن لهم عليه ذنباً خاف أن يقتلوه به وطلب أن يُعينه بهارون. فطمأنه ربه بأنه معهما.
ثم ذكر المحاورة بينه وبين فرعون، وقد ذكر فرعون منّته عليه بتربيته في بيته وأنه فعل ما فعل من قتل المصري، فأقرّ بذلك موسى وذكر من أمر فراره منهم ما ذكر. ثم ذكر المحاجّة بينهما في أمر الألوهية والربوبية. فقد سأل فرعون مومسى قائلا: {وَمَا رَبُّ العالمين} .
فأجابه موسى: {رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} . فلا يرد عليه فرعون بالحجة ولكن حاول أن يُؤلّب عليه من حوله ليسخروا منه. {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} فيمضي موسى قائلاً: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين} فيضيق فرعون بموسى ويرميه بالجنون قائلاً: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} .
فيمضي موسى يعرض دعوته من دون أن يلتفت إلى ما رماه به من الجنون. فقد أدرك موسى أن فرعون حاول أن يصرفه عن الكلام في العقيدة إلى الانتصار لنفسه، ففوّت الفرصة عليه ومضى فيما هو فيه فقال مُعَرِّضاً بعقولهم: {رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} ، فما مُلْكُكَ من هذا؟
فانظر كيف ناسب قوله: {إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} ما رماه به من الجنون وعدم العقل. ولما أَعْيَتهُ الحيلةُ وأعوزه المنطق تَوعَّدهُ وتَهدَّده بالسجن قائلاً: {لَئِنِ اتخذت إلاها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} .
ولم يشر إلى هذه المحاجّة في الأعراف لأن القصة بنيت هناك على الاختصار وعدم التفصيل كما ذكرنا. كما أنها ليس فيها مثل هذه القوة في المواجهة.
ولننظر إلى الفروق التعبيرية بين القصة في السورتين لنتبيّن كيف بنيت كل قصة بحسب السياق الذي وردت فيه:
في الأعراف في الشعراء
ــــــــــــــــ
قال الملأ من قوم فرعون فقال للملأ حوله
يريد أن يخرجكم من أرضكم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره
وأرسل في المدائن وابعث في المدائن
بكل ساحر بكل سحار
قالوا قالوا فرعون
إن لنا لأجراً إن لنا لأجراً
وإنكم لمن المقربين وإنكم إذن لمن المقربين.
وألقى السحرة ساجدين فألقى السحرة ساجدين
قال فرعون آمنتم به قال آمنتم به.
فسوف تعلمون فلسوف تعلمون
ثم لأصبلنكم أجمعين ولأصلبنكم أجمعين
قالوا إنا إلى ربنا منقلبون قالوا لا ضير أنا إلى ربنا منقلبون
وإليك إيضاح ذلك:
1- قال في الأعراف: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} .
وقال في الشعراء: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} .
فالقائلون في آية الأعراف هم ملأ فرعون. في حين أن الذي قال في آية الشعراء هو فرعون نفسه. وذلك أن المحاجّة كانت معه. ففي الآية الأولى كان فرعون في مقام غطرسة الملك والترفع عن الكلام. وأما في آية الشعراء فإن انقطاعه أمام موسى أنساه غطرسة الملك وكبرياءه ودفعه إلى أن يقول هو وأن يتكلم هو وأن يستعين بِمَلَئِه. وزاد كلمة (بسحره) لمناسبة مقام التفصيل في الشعراء وللتأكيد على السحر فيها.
2- جاء في الأعراف: {قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} وجاء في الشعراء: {قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ} فقال في الأعراف: (وأرسل) وقال في الشعراء: (وابعث) وذلك لكثرة تردد فعل الإرسال في الأعراف كما سبق أن ذكرنا، فقد تردد فعل الإرسال ومشتقاته ثلاثين مرة في الأعراف، وتردد في الشعراء سبع عشرة مرة، فناسب ذلك ذكر الإرسال في الأعراف دون الشعراء.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المقام في الشعراء يقتضي ذكر الفعل (ابعث) دون (أرسل) ذلك أن البعث فيه معنى الإرسال وزيادة، فإن فيه معنى الإثارة والإنهاض والتهييج.
جاء في (لسان العرب) أن "البعث في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: الإرسال كقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى} معناه: أرسلنا. والبعث إثارة باركٍ أو قاعد تقول ... بعث البعير فانبعث، حل عقاله فأرسله أو كان باركاً فهاجه. وفي حديث حذيفة: أن للفتنة بَعَثات.. قوله: (بعثات) أي: إثارات وتهييجات".
وفي (مفردات الراغب) أي: إثارات أن "أصل البعث أثارة الشيء وتوجيهه يقال: بعثته فانبعث".
والبعث قد لا يكون بأرسال شخص من مكان إلى آخر بل يكون بإنهاض شخص من المجتمع، وذلك نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 84] وهذا إنما يكون يوم القيامة، ومعناه: يوم ننهض ونقيم، وليس معناه: يوم نرسل ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ مِن بني إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ موسى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابعث لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} [البقرة: 246] .
ومعناه: "أَنهِض للقتال منا أميراً نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وننتهي إلى أمره".
فأجاب الله طلبهم قائلاً: {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة: 247] ومعناه: أنهضه فيهم، وليس معناه: أنه أرسله إليهم.
فالبعث قد يكون فيه معنى الإرسال وقد يكون فيه معنى الإنهاض. فلما كان المقام في الشعراء مقام زيادة تحدٍّ وقوة مواجهة قال ملأ فرعون: {وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ} فلم يكتفوا بالإرسال بل أرادوا أن يُنهضوا من المجتمع حاشرين علاوة على الرسل، وهؤلاء من مهمتهم الإثارة وتهييج الناس على موسى. وهذا المعنى لا يؤديه لفظ (أرسل) . فاقتضى كل مقام اللفظة التي وردت فيه.
3- قال في الأعراف: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} وقال في الشعراء: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} .
فقد جاء في الأعراف بضيغة اسم الفاعل (ساحر) ، وجاء في الشعراء بصيغة المبالغة (سحّار) ، وهذه الصيغة في الشعراء تتناسب مع المبالغة في قوة التحدي وشدة المواجهة بين فرعون وموسى، وتتناسب مع غضب فرعون البليغ واندفاعه للنيل من موسى. فهم أرادوا سحاراً بليغاً في السحر لا مجرد ساحر. وهذا يتناسب أيضاً مع مقام التأكيد على السحر، فإن السحر أكد وكرر في الشعراء أكثر مما في الأعراف، فقد ذكر في الأعراف سبع مرات وفي الشعراء عشر مرات. فانظر كيف اقتضى كل مقام اللفظة التي وردت فيه.
4- زاد في الشعراء قوله: {فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} وهو المناسب لمقام التفصيل ومقام التأكيد على السحر.
5- جاء في الأعراف: {وَجَآءَ السحرة فِرْعَوْنَ قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} .
وجاء في الشعراء: {فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين} .
فانظر إلى الفرق بين التعبيرين، وكيف أن كل تعبير يتناسب مع السياق الذي ورد فيه.
أ- قال في الأعراف: (قالوا) وقال في الشعراء: (قالوا لفرعون) .
فذكر في الشعراء أنهم قالوا لفرعون، ولم يذكر في آية الأعراف أنهم قالوا له، وكل تعبير يتناسب مع السياق الذي ورد فيه، وذلك أنه ذكر في الأعراف أن ملأ فرعون هم الذين قالوا: {إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} . وذكر في الشعراء أن فرعون هو الذي قال ذلك وأنه هو الذي تولى هذه المهمة بنفسه، فناسب ذلك أن يواجهوا فرعون بالقول، بخلاف ما في الأعراف.
ولا يفهم من هذا أن ثمة تناقضاً بين الموقفين، فقد قال فرعون هذا القول ورَدَّدهُ مَلَؤُه، فذكر القول عنه مرة وذكره عن الملأ مرة أخرى بحسب ما يقتضيه السياق.
ب- قال في الأعراف: {قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} . وقال في الشعراء: {قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} .
فقد حذف همزة الاستفهام في الأعراف وذكرها في الشعراء، وذلك أنه لما كان المقام مقام إطالة ومبالغة في المحاجّة جيء بهمزة الاستفهام لتشترك في الدلالة على قوة الاستفهام والتصريح به.
ففي الآية الأولى أضمر المقول له وأضمر همزة الاستفهام، وفي الثانية صرح بالمقولِ له وبهمزة لاستفهام.
ج- قال في الأعراف: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} . وقال في الشعراء: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين} .
فزاد كلمة (إذن) في الشعراء لتدل على قوة الوعد وتوكيده وربط تقريبهم بالغلبة، وذلك أن (إذن) حرف جواب وجزاء، وذِكْرُها يدل على أن ما بعدها مشروطٌ حصولُه بحصول ما قبلها. وذلك نحو أن يقول لك شخص: (سأزورك) فتقول له: إذن أكرمك.
فـ (إذن) تدل على أن إكرامك له مشروط بالزيارة. المعنى: إن زرتني أكرمتك وإلا فلا.
ونحو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إلاه بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] . والمعنى: إنه لو كان معه إله لذهب كل إله بما خلق. فـ (إذن) أفادت معنى الشرط. والمجيء بها في آية الشعراء أكد اشتراط تقريب السحرة بالغلبة. وذلك أنهم سألوا فرعون: أَإِنْ غَلبنا أُعطينا أجراً؟ فقال لهم: نعم وإنكم إذن لمن المقربين؟ فذكر الشرط في السؤال وفي الجواب. وأما في الأعراف فكان الجواب ما يأتي: {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} .
فلم يُعد الشرط في الجواب، وإنما اكتفى بالشرط الذي في السؤال. ولا شك أن إعادة الشرط في الجوب تفيد التوكيد وزيادة الاهتمام. وهذا نظير أن يقول لك شخص: أَإِنْ فعلت ذاك أكرمتني؟ فتقول له: نعم أو تقول له: نعم إن فعلت ذاك.
فأنت كررت الشرط في جوابك الثاني للاهتمام به وتوكيده، بخلاف الجواب الأول. وهذا التكرار يدل على لهفة فرعون على غلبة موسى من ناحية، ومن ناحية أخرى إن مقام التحدي وقوة المواجهة في الشعراء اقتضى ذكرها فيها بخلاف الأعراف.
ثم إنهم لما أكدوا السؤال بزيادة الهمزة في الشعراء أكد لهم الجواب في بذكر (إذن) .
وعلاوة على ذلك كله فإن ذكرها مناسب لمقام التفصيل في الشعراء دون مقام الأعراف المبني على الإيجاز والاختصار.
6- أقسم السحرة بعزة فرعون في الشعراء. قال تعالى: {فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} .
ولم يقل مثل ذلك في الأعراف، ذلك أن المقام ههنا مقام الانتصار لعزة فرعون التي نال منها موسى في مواجهته ومحاجّته له. وهم في مقام التزلف إليه والحظوة برضاه.
ثم انظر كيف ذكر الحبال والعصيّ في الشعراء وهو المناسب لمقام التفصيل فيها، ولم يذكر ذلك في الأعراف لأن المقام مقام إجمال.
7- ثم انظر بعد تأكيد الوعود وتمنيته السحرة. بالقربى منه والقسم بعزته كيف انقلب الأمر فجأة من دون مهلة: {فألقى موسى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} .
هكذا بالترتيب والتعقيب من دون فاصل زمني بين اللقف والسجود: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} .
وهذا المشهد هو المناسب لقوة التحدي، فإن سرعة النصر الحاسم بعد قوة التحدي هو المناسب لمثل هذا المقام.
في حين لا تجد مثل هذا التعقيب في الأعراف: قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الحق وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} .
ولا ندري كم مضى من الوقت بين انقلابهم صاغرين وسجودهم، فإنه جاء بالواو، والواو لا تفيد التعقيب كما هو معلوم، ولم يأت بالفاء كما فعل في الشعراء، وذلك لأن الموقف ليس فيه تلك المواجهة وذلك التحدي، فجعل كل تعبير في الموطن اللائق به.
وليس ثمة تناقض بين القولين فإن الفاء لا تناقض الواو وإنما هي واقعة في أحد أزمنتها المحتملة.
فانظر هذا الاختيار العجيب في استعمال الألفاظ والحروف.
8- قال في الأعراف: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ} وقال في الشعراء: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} ومعنى (آمنتم به) : آمنتم بالله. ومعنى (آمنتم له) : انقدتم لموسى وصدّقتم به.
فالضمير في (به) يعود على الله وفي (له) يعود على موسى. وذلك أن موسى أغضبه في الشعراء أكثر مما في الأعراف، فقد نال منه بالقول وأفحمه بالحجة، ولذا تصديقهم به أكثر إغاظة له، فذكره في الشعراء ولم يذكره في الأعراف.
9- قال في الشعراء: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} ولم يقل مثل ذلك في الأعراف، ذلك لأن في الشعراء كان على موسى فإنه قال: (آمنتم له) . أي لموسى، والكلام في الأعراف كان على الله، فإنه قال: (آمنتم به) وواضح أنه لا يصح أن يقال مثل هذا القول في الأعراف، فإنه لا يصح أن يقال في الله تعالى: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} . وهو يدل أيضاً على شدة غضبه من موسى.
10- قال في الأعراف: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} . وقال في الشعراء: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} فأكد تهديده باللام، وذلك لأن الموقف موقف غضب زائد وتميز من الغيظ.
11- قال في الأعراف: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال في الشعراء: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} فأعطاهم مهلة في الأعراف ذلك أنه قال: {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} . و (ثم) تفيد التراخي، ولم يُعطهم مهلة في الشعراء وذلك لزيادة غضبه واحتراق قلبه من الغيظ.
12- قال في الأعراف: {قالوا إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} وقال في الشعراء: {قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} . فزاد (لا ضير) في الشعراء وهو المناسب لمقام التفصيل من ناحية، ثم إنه المناسب لمقام التهديد الشديد والوعيد المؤكدة. فإن تهديده في الشعراء أشد وآكد مما في لأعراف، فلو أنهم قالوا في الأعراف: (لاضير) دون الشعراء لظن أنهم هابوا التهديد الشديد فلم ينطقوا بما يدل على عدم الاكتراث، إذ من المعتاد أن يرهب الإنسان التهديد الكبير دون الصغير، أما إذا استهانوا بالتهديد الكبير ولم يكترثوا به فإن ذلك يدل - ولا شك - على أنهم أقل اكتراثاً بالتهديد الأدنى وأقل ربهة له. فناسب هذا أن يقولوه في موطن التهديد الشديد دون الأدنى.
وقد تقول: ولماذا لم يذكروه في المواطنين؟
والجواب: إن ذكره في موطن التهديد الكبير يغني عن ذكره في الموطن الأدنى، وذلك من باب الأولى فيكون كأنهم ذكروه في الموطنين.
ثم إن ذكره في الموطنين مُخِلٌّ بالإيجاز، إذ إن ذلك مفهوم من الموطن الأول. ثم إن بناء القصة في الشعراء قائم على التفصيل، وبناءها في الأعراف قائم على الاختصار، وذلك يقتضي أن يفصّل ما يقتضي التفصيل، ويختصر ما هو معلوم وما لا حاجة لذكره؟ فاقتضى ذلك أن يذكر القول من الشعراء الذي هو مقام الرهبة الشديدة ومقام التفصيل دون الأعراف الذي هو مقام التهديد الأدنى ومقام الاختصار.
ثم إن ذكره في المواطنين على السواء معناه أن المقامين متشابهان ولا فرق بينهما، ومن المعلوم أنهما ليسا متشابهين، فاقتضى أن يذكر في كل موطن ما تناسب معه من الأمور، فوضع كل تعبير في مكانه اللائق به تماماً. ثم يمضي في الشعراء في غير الوجهة التي يمضي بها في الأعراف، فيمضي في الأعراف لذكره أحوال بني إسرائيل وتاريخهم والآليات التي أُروها ومعاصيهم واستهانتهم بالنعم والآليات.
ويمضي في الشعراء لنهاية فرعون ونجاة بني إسرائيل.
وغني عن القول أن اختيار الألفاظ والعبارات كان مقصوداً لخدمة الناحية الفنية في أدق معانيها وأكمل صورها.

الأربعاء، 21 مايو 2014

هل هنالك حديث نبوي صحيح ؟




بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
كثر الحديث في هذا الوقت عن الحديث النبوي الشريف وظهر من يطعن في الحديث الصحيح ومن يتكلم على صحيح البخاري ورد علماء المسلمين عليهم وكثرت الكتب وكثرت الكتابات والناس بين مؤيد لهذا وهذا والكثير من المتكلمين والطاعنين والمؤيدين لا يعرفون ما معنى الحديث وما معنى الصحيح وهل هناك حديث صحيح أم لا ؟
أحببت في هذا الكتاب طرح هذا التساؤل والإحاطة بالحديث بصورة مبسطة لجميع القارئين من العامة ومن ثم ليقرر القارئ بكامل حريته وقناعته هل هناك حديث صحيح ام لا.


ما هو الحديث
يتضمن مفهوم الحديث عند المسلمين كل ما سمعه الصحابة من الرسول (صلى الله عليه وسلم ) أثناء اجتماعهم به او اثناء خطبه او غزواته او حجه او سفره او ما نقله زوجاته عنه مما قاله في بيته فكل ما سمعوه منه يدخل في الحديث.
ويتضمن ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمام الصحابة من أفعال في صلاته ووضوئه و لبسه و شربه واكله وحروبه وحجه وغسله وكل ما شاهدوه منه وكذلك من الحديث ما حدث امام الرسول او في حياته من افعال الصحابة او الناس فسكت ولم ينهى عنه واخيرا ويدخل ضمن الحديث ما نقله الصحابة عن اوصاف الرسول الخلقية والخُلقية ووصف حركته ومشيه وكلامه وكل شيء من افعاله وما شابه .. كل ما سبق اطلق عليه المسلمون الحديث فاصبح الحديث مصطلح يشمل كل ذلك.
اما لفظ النبوي فاضيف للحديث لتمييزه عن باقي أحاديث الناس والأخبار والقصص.
ويسمى الحديث الشريف لشرفه ورفعته عند المسلمين عن باقي أحاديث وكلام الناس.

أهمية الحديث
تكمن أهمية الحديث انه اصل من اصول الاسلام فمعظم العبادات وتفاصيلها واركانها والمعاملات والحدود ليست موجودة في القرآن الذي هو الاصل الاول في الاسلام ولكنها موجودة في حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) لذلك فان التشكيك في الحديث النبوي يعد تشكيك في دين الاسلام.

الحديث في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم)
جمع الحديث
بدأ جمع الحديث مع بداية الاسلام فبالاضافة الى حفظ القرآن بدأ الصحابة تلقائيا يحفظون اقوال الرسول وأوامره كما يحدث لكل انسان عندما يسمع شخصا يقول شيء او يفعل شيء فيتعلق ذلك في ذهنه.
وقد تميز حفظ الصحابة بالدقة والقوة وعدم النسيان وذلك لما امتاز به العرب في ذلك الوقت من ملكة قوية في حفظ أشعار الجاهلية لذلك حفظ الصحابة احاديث الرسول بدقة كحفظهم للقرآن.
وبدأ بعض الصحابة بحفظ الحديث وجمعه لمعرفتهم بقيمته في دينهم وحياتهم وفرغوا وقتهم لذلك ومن اشهر هؤلاء الصحابة ابو هريرة (رضي الله عنه) فبالرغم انه وصل الى المدينة والتقى رسول الله قبل ثلاث سنوات من وفاته الا انه حرص على ملازمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) طول اليوم ولم يكن يترك الرسول الا عند دخوله بيته. وقام ابو هريرة بجمع الحديث من الصحابة الأوائل فكان يسألهم عن أحاديث وأخبار الرسول في بداية الإسلام وعن غزواته وحروبه فجمع من ذلك الشيء الكثير. وبلغ من حرصه على جمع الحديث انه شكا الى الرسول انه ينسى بعض الأحاديث التي يحفظها فدعى الرسول (صلى اله عليه وسلم) له بحفظ الحديث وعدم النسيان.
 بدأ تدوين الحديث في بداية الاسلام من بعض الصحابة حتى وصل الأمر إن منعهم رسول الله من ذلك حتى يتفرغوا لتدوين القرآن ، وبعد انتشار الاسلام واتخاذ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) مجموعة من الكتاب المختصين لتدوين القرآن ( سموا كتاب الوحي) رخص الرسول (صلى اله عليه وسلم) للصحابة في تدوين الحديث ومن اشهرهم الصحابي عبدالله بن عمرو بن العاص فقد جمع مجموعة من الأحاديث في صحيفة ثم عرضها على رسول الله فوافقه عليها وهكذا فان جمع الحديث بدأ حفظا وكتابة في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم).

نشر الحديث
كما بينا في جمع الحديث إن جمع الحديث بدأ عموما تلقائيا لذلك كان كل صحابي يحفظ من الاحاديث بقدر ما سمع من وعن الرسول او شاهد من أفعاله وأوصافه لذلك كان بعض الصحابة يحفظ ما لا يحفظه البعض الاخر وكثير من الأحاديث لم يسمعها الا صحابي واحد او صحابيان.
بدأ نشر الحديث في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مشافهة وذلك بتبليغ الصحابي المسلمين الحديث وذلك انصياعا لقول الرسول (بلغوا عني ولو آية) أو لحضور الصحابي حادثة أو مناسبة تناسب ما يحفظ من الحديث فيخبرهم الصحابي الحديث الذي يحفظه الذي يناسب هذه الحادثة ليستفيدون من الحديث إن كان فيه حكم شرعي أو عبرة أو تفصيل أو بشارة وغيرها. كما إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان في بعض الاحيان يخبر الصحابة بنزول حكم شرعي فيأمرهم بنشره وتبليغه لباقي الصحابة.

الحديث في زمن الصحابة.
نقصد بزمن الصحابة الفترة الممتدة بين وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبين مقتل عثمان (رضي الله عنه) ولا نقصد بزمن الصحابة الفترة التي عاش فيها الصحابة فقد عاش الصحابة بعد مقتل عثمان لفترة طويلة ولكني رأيت فصل هذه المرحلة عن التي تليها لحدوث تطورات مهمة في مرحلة جمع الحديث.

من هم الصحابة
الصحابي عند معظم المسلمين المسلمون من اهل السنة هو من اسلم في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتقى به وهو مسلم وبقي على اسلامه حتى وفاته (الصحابي). ويتفاضل الصحابة في مكانتهم عند الصحابة انفسهم وبين المسلمين الى يومنا هذا والى يوم القيامة حسب سبقهم في الاسلام وقربهم من رسول الله واظهر رسول الله فضلهم في احاديث له وباعلامه بانهم من اهل الجنة كالخلفاء الاربعة وغيرهم ولكن اتفق اهل السنة إن جميع الصحابة هم على خير وصلاح وصدق يمكن الوثوق بهم في نقلهم احاديث وأخبار الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدون استثناء.
اما عند غير اهل السنة والفرق الاخرى فانهم يقولون ان الصحابة فيهم الصادق والكاذب والصالح والطالح وصنفوهم الى صحابي يعتد ويوثق بحديثه واخرين غير ثقات لايؤخذ بحديثهم واخبارهم وهكذا.
سنستمر باستعراض وتفصيل امر الحديث على اساس إن الصحابي الذي سنذكره لاحقا في شرحنا نقصد به الصحابي الثقة الذي لا غبار او شك في صدقه.

جمع الحديث
استمر جمع الحديث من قبل الصحابة كما في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) حفظا وتدوينا تلقائيا كما قلنا او جمعا مقصودا من قسم من بعض الصحابة الذين حرصوا على ذلك حرصا شديدا حتى روي إن احدهم سمع إن احد الصحابة يروي حديثا معينا فسافر له واستغرق سفره شهراً كاملاً ليصل اليه ليتحقق من ذلك الحديث.

نشر الحديث
بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتشر الصحابة في الفتوحات في جميع ارجاء الدولة الاسلامية في العراق والشام ومصر وغيرها من الدول الإسلامية فانتشر الحديث بانتشارهم.
وانقسم اصحاب الرسول في نشر الحديث الى قسمين :
القسم الاول : معظم القسم الاول من الصحابة الذين حرصوا على جمع الحديث فانهم مثلما حرصوا على جمعه حرصوا على نشره في سبيل نشر سنة الرسول واوامره ونواهيه واخلاقه وتصرفاته حبا في الاسلام وحبا فيه وانقيادا لقول الرسول ( بلغوا عني ولو آية) وبدأوا في اخبار الناس حديث رسول الله وخاصة من غير الصحابة الذين لم يروا رسول الله ولم يعرفوه ويعرفوا اخبار الاسلام حتى انه اصبحت لهم مجالس يقصدهم الناس من مختلف مدن الاسلام ليسمعوا حديث الرسول واصبح هؤلاء الصحابة من اكثر من روى الحديث عن رسول الله لكثرة الناس الذين سمعوا منهم ومنهم "ابو هريرة" و"ابن عمر" و "أنس" وغيرهم.
القسم الثاني : وهم المقلين وهم الاكثرية بالرغم ان منهم من اسلم في بداية الدعوة فلم يرووا إلا القليل وذلك لانشغالهم بالعبادة والعمل الجهاد ولم تكن لهم مجالس لرواية الحديث فقل عدد الرواة الذين سمعوا منهم كما إن بعضهم توفوا في بداية الاسلام وكان بعضهم يخاف من التحديث عن رسول خوفا إن يخطأ في حرف او كلمة فيخبر عن رسول الله ما لم يقله  ومنهم الزبير (رضي الله عنهما) احد السابقين في الاسلام والعشرة المبشرة فعندما سئل لما لم يروي عن رسول الله كالصحابة الآخرين فروى لهم حديثا عن رسول الله ( من كذب عليّ متعمدا فليتبؤ مقعده من النار) فأخبرهم خوفه من إن يقع في خطأ فينطبق حديث رسول الله عليه.
ومن امثلة الصحابة في هذا القسم الخلفاء الاربعة وكثير غيرهم.

الحديث في زمن التابعين
ونقصد بها الفترة التي تلت مقتل عثمان (رضي الله عنه).

من هو التابعي
التابعي هو من لقي الصحابة وبالاتفاق منهم الصالحين والأتقياء والعلماء ومنهم اهل الفتن والبدع والفسوق كل حسب حاله.

جمع الحديث
تأثر التابعين الاتقياء بحرص الصحابة على جمع الحديث ونشره فاقتفوا اثارهم في ذلك فحرصوا على جمع الحديث من الصحابة في مختلف البلدان والمدن واصبح هناك طائفة من المسلمين تسمى باهل الحديث ممن اشتغلوا بجمع الحديث وحفظه وتسميعه .في هذه الفترة امر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بتدوين الحديث فكان اول امر اميري بذلك فزاد نشاط التدوين في جمع الحديث.

نشر الحديث
شهدت هذه المرحلة بعد مقتل عثمان تحول في مرحلة جمع الحديث ونشره فقبل مقتل عثمان كان التابعين يقرأون او يحدثون باحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) مباشرة بدون الاعتناء بذكر ممن سمع الحديث فكان التابعي يستطيع إن يحدث فيقول قال رسول الله (كذا وكذا) وكان غيره من التابعين والعلماء يتقبلون ذلك . بعد مقتل عثمان واشتراك مجموعة من التابعين في تلك الفتنة تنبه أهل العلم وأهل الحديث من الحريصين على سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إن من التابعين من ليس اهلا للثقة للوثوق في تحديثه عن رسول الله وان من التابعين ممن خرج عن الطريق الصحيح للاسلام لذلك قرروا إن لا يقبلوا الحديث الا من أهل الدين والتقوى البعيدين عن الفتن والفسوق وغير المعروف عنهم الكذب او القيام بأعمال تناقض اعراف الناس وأخلاقهم. وأصبحوا اذا قال الرجل الثقة الصادق : قال رسول الله .. سئلوه من اخبرك الحديث فان قال اخبرني الصحابي الفلاني اخذوا بالحديث وعملوا به لوروده عن تابعي ثقة معروف بالصدق عن صحابي ( والصحابة كلهم ثقات وصدوقين عند اهل الحديث ). ولكن لو قال الرجل الثقة الصادق اخبرني التابعي فلان عن الصحابي فلان إن رسول الله قال .. نظروا الى التابعي فلان بنفس القياس السابق فان كان ثقة صدوق اخذوا بالحديث لوروده عن ثقة صدوق عن ثقة صدوق عن الصحابي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وان كان التابعي فلان معروف عنه فسق او بدع او كذب او كان من اهل الفتن ردوا الحديث ولم يعملوا به لشكهم في صدق الراوي ، وهكذا ظهر ما يسمى عند اهل الحديث بالسند (ومعناه في اللغة الدعم او التقوية من فعل أسند ) ويقصد به طريق وصول الحديث ومجموعة الرجال الذي يروون الحديث انتهاءاً بالصحابي الى رسول الله واصبح السند الوسيلة الرئيسية في تحديد هل إن حديثا نبويا معينا هو صحيح يعمل به او هو حديث مرفوض لا يعمل به لوجود شك في احد رجال او رواة السند ( سمي هذا النوع من الحديث "الضعيف").

الحديث بعد زمن التابعين
ونقصد بها المرحلة التي تلت فترة التابعين حيث ظهر جيل جديد من اهل الحديث اشتغلوا في جمع الحديث حفظا وتدوينا وكان جل اهتمامهم محاولة جمع كل الحديث خوفا من ضياع السنة النبوية او ضياع شيئا منها. وبلغ مجموع الاحاديث المحفوظة مئات الالوف بمختلف اسانيدها وبلغ المدون منها عشرات الالوف حيث احتوى مسند الامام احمد اكثر من 30 الف حديث حوت الصحيح والضعيف.
وصلت عملية جمع الحديث ونشره وحفظه مرحلة عظيمة عمل فيها الاف من المسلمين رواية وحفظا وجمعا وتعليما وتدريسا.

البخاري
هو محمد بن اسماعيل بن ابراهيم سمي بالبخاري نسبة الى مدينة بخارى في احدى دول القوقاز غرب ايران. كان والده من رواة الحديث وبدأ درس الحديث منذ كان في الثالثة عشرة من عمره رحل في طلب العلم وجمع الحديث في ضواحي بخارى ثم انطلق الى مدن ايران والعراق والحجاز والشام في رحلة استغرقت عمره جمع فيها الحديث من مختلف العلماء والمدن وبلغ مجموع ما حفظه مئات الالاف من الاحاديث وقد اطلع البخاري على كتب من سبقه من العلماء وقد وجد انها جمعت الأحاديث الصحيحة والضعيفة كما انها لم تكن مرتبة بشكل مفيد للباحث او الفقيه او طالب العلم لذلك فقد تفتق ذهنه لوضع كتاب يحوي الأحاديث الصحيحة فقط ويكون مرتبا في فصول وابواب تشمل بداية الاسلام ونزول الوحي والعلم والعبادات والمعاملات وسيرة الرسول وغزواته وخلقه والاداب وغيرها تكون مفيدة يسهل لطالب العلم الوصول الى مراده منها مع ثقة الطالب بصحة ما يقرأ من الاحاديث الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وكان على البخاري إن يعتمد ضوابط لتمييز الحديث الصحيح عن الضعيف وهذه الضوابط التي ارتأها العلماء فاشترطوا خمس ضوابط  للحديث الصحيح هي:
1-             إن يكون الحديث مسند متصل : أي إن يكون للحديث رواة قد سمع كل من الذي سبقه مباشرة بدون وجود راوي ثالث مجهول الهوية الى ان يصل الراوي الى الصحابي والصحابي الى رسول الله فان انقطع السند لنسيان الرواي الاخير احد الرواة او لجهله باسمه او حاله نزل الحديث عن مرتبة الصحيح.
2-                   إن يكون كل راوي من رواة الحديث : ثقة من المعروفين بالايمان والتقوى والصلاح والصدق البعيدين عن الفسوق والكذب.
3-             ان يكون الراوي من الحفاظ الضابطين لاحاديثهم سواءا كانت حفظا او كتابة فان كان الراوي كثير النسيان او ضعيف الذاكرة او مغفل او يقع في الوهم فانه كان ينزل عن مرتبة رواة الحديث الصحيح.
4-             إن يكون الحديث غير شاذ أي لا يخالف نص الحديث  القرأن او احاديث اخرى صحيحة فينفرد باختلافه عن احاديث صحيحة اكثر عدداً او حديثاً من رواة اقوى دينا وحفظا.
5-             إن يكون الحديث غير معلل : أي الا يكون حاويا على علة خفية تمس السند. حيث إن بعض الاحاديث تظهر اسانيدها متصلة ورواتها من رواة الصحيح ولكن علماء الحديث المدققين يكتشفون فيه علة في السند فيكتشفون انه غير متصل او إن احد الرواة ليس هو الراوي المعروف بالصحيح ، وعلم العلل واسع جدا.
وقد اضاف البخاري شرطين الى هذا الشروط اشترطها في كتابه وهي :
6-             ثبوت اللقاء : اشترط البخاري في الرواة ثبوت اللقاء بين الشيخ والتلميذ بدليل قاطع ولا يكتفي إن يكون الاثنان قد عاشا في زمن واحد او في مدينة واحدة او حجا او اعتمرا في العام نفسه.
7-                   طول الملازمة : بعد ثبوت اللقاء اشترط البخاري طول ملازمة من التلميذ للشيخ لتكون هناك ثقة كافية من إن التلميذ لازم الشيخ مدة كافية ليسمع منه الحديث وليتوثق منه.

ووفق هذه الشروط جمع البخاري كتابه "الصحيح" وضم فيه اقل من ثلاثة الاف حديث (من غير المكرر) صنفها حسب الموضوعات. وقد فصل البخاري كتابه الى كتب وكل كتاب يحوي على ابواب وعنون كل باب بعنوان يفيد المحتوى وذكر في الباب الحديث الصحيح الذي يناسب الباب وقد قدم للحديث بشروح واقوال واحاديث غير مسندة او غير كاملة الاسناد.
وقد تبع البخاري في طريقته هذه تلميذه الامام مسلم فجمع ما يقرب من اربعة الاف حديث (من غير المكرر) فعرف كتابه بصحيح مسلم وفي سنين قليلة ظهرت كتب قريبة الشبه حوت احاديث صحيحة وحسنة واخرى ضعيفة واشهرها سنن الترمذي وسنن ابي داوود وسنن النسائي وسنن ابن ماجة.
كان ظهور صحيح البخاري انجاز فريد في العالم الاسلامي لما تميز من جهد كبير في تصنيف الصحيح وتمييزه بضوابط دقيقة واهتمام الكتاب بجميع نواحي الاسلام وترتيبه ترتيبا سهل الدراسة والبحث بالاضافة ما حوى من علوم مختلفة من علوم الحديث. وبدأ اهل الحديث مرحلة تدقيق هذا الكتاب وصاحبه في حياته فعند وصول البخاري بغداد قام اهل الحديث بعقد اختبار لعلمه في الحديث و قابلية حفظه ومعرفته في الحديث والاسناد فنجح في الاختبار واثبت لهم علمه ومهارته وخبرته بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
اما الإمام مسلم فقد عرض كتابه على كثير من علماء عصره فدققوا كتابه فاثنوا عليه ووافقوا على صحة مافيه من حديث.

مرحلة التدقيق
بعد مرحلة جمع الحديث وظهور كتب الصحيحين والسنن بدأ علماء الحديث مرحلة مهمة جديدة لاتقل أهمية عن المراحل التي سبقتها. بدأت هذه المرحلة بوضع قواعد علم الحديث في كتب وتبادل الاراء والنقاش للوصول بهذا العلم الى اعلى درجة من الكمال فظهرت كتب معرفة الصحابة وهي كتب حوت اسماء جميع الصحابة المعروفين لدى علماء اهل الحديث وهي خطوة مهمة في معرفة اتصال السند برسول الله عن انقطاعه. وظهرت كتب تخص الرجال فهي تجمع اسماء جميع رواة الحديث من التابعين ومن بعدهم وقول العلماء في كل واحد منهم وتصنيفه هل هو من رجال الحديث الصحيح او رجال الحديث الحسن او الضعيف. وظهرت كتب في العلل والاحاديث المعللة وظهرت كتب في مصطلح علم الحديث وكتب في الاحاديث المكذوبة على رسول الله والتي تسمى الاحاديث الموضوعة حيث تجرأ فئات من الناس على الكذب ووضع كلام على رسول الله وهو منه بريء ومن هذه الفئات جهال حسبوا انهم يصنعون خيرا وزنادقة اعداء للإسلام تستروا بالاسلام ليشوهوا الدين وكذابين ارادوا العيش بالكذب على رسول الله. ومن بعد ذلك ظهرت شروح للصحيحين دققت الكتابين وشرحت مافيه من احاديث واحكامها ودققت اسانيدها وبينت المشتبه فيهما واشهر شروح صحيح البخاري كتاب "فتح الباري" الذي كتبه ابن حجر العسقلاني حيث استغرق منه تأليف هذا الكتاب ما يقرب من 29 سنة. وشرح الامام النووي كتاب صحيح مسلم.

أهمية صحيحي البخاري ومسلم.
بعد إن درس أهل الحديث الصحيحين وما ورد فيهما من أحاديث ودققوا اسانيدها اتفقوا إن معظم أحاديث الصحيحين (نستطيع إن نقول 99%) صحيحة لا شك فيها وان نسبة قليلة لا تعدوا 1% فيها شك اختلف فيها العلماء بعضهم ضعفها بينوها في كتب وتحدثوا عنها في شروحاتهم. وان نسبة الخطأ هذه تدل على دقة العالمين وحرصهما وان البشر مما علوا في العلم غير معصومين من الخطأ الا من شاء الله من الرسل والأنبياء.

الطعن في الحديث الصحيح
يشكل الطعن في الحديث شكل من اشكال الحرب الحديثة على الاسلام وهذه الاشكال بشكل مختصر :
1- الطعن في القرآن : وقد ظهر ببدأ ما يسمى بالمستشرقين من الغربيين الذين بدأوا بدراسة القرآن ومحاولة التشكيك فيه فنشروا عشرات الكتب والمقالات وقد رد علماء القرآن والتفسير هذه التشكيكات وبينوا خورها وتفاهتها.
2- الطعن في الرسول : بعد فشل الطعن في القرآن قام المستشرقون بالطعن في شخص الرسول (صلى الله عليه وسلم) مستفيدين من الاحاديث الضعيفة وتأويل بعض الاحاديث الصحيحة بتأويلات مريضة.
3-  الطعن في الصحابة : بعد فشل الطعن في اصل الاسلام وهو القرآن بدأ الطعن في وسائل نقل القرآن وهم الصحابة وبدأ ذلك بطريقة مبتكرة باختيار بعض الصحابة للطعن فيهم كمدخل للطعن في باقي الصحابة ومن ثم في الحديث النبوي. ووقع اختيار المستشرقين والزنادقة على كبار رواة الحديث من الصحابة كابو هريرة وعائشة رضي الله عنهما مستغلين بعض القصص التاريخية والاحاديث النبوية بطرق ملتوية وتفسيرات دنيئة للطعن فيهما وبالتالي الطعن في الاحاديث التي يروونها.
4-  الطعن في البخاري : استمرارا للحرب على الاسلام بدأ الطعن في صحيح البخاري باعتباره اهم مرجع لحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) مستغلين بعض الاحاديث الواردة فيه التي يصعب فهمها على العقول الضيقة او الغريبة في عصرنا الحاضر وجعلوا هذه الاحاديث سببا للطعن في جميع احاديث البخاري وقد قال الله تعالى (( هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم)) فمن قرأ صحيح البخاري وجد فيها عظمة الاسلام وحلاوته وتمام اخلاقه وبديعه واما اصحاب القلوب المريضة فيقرؤنه باحثين عن الشبهات وكل ما جمعوه قليل جدا فسره علماء الحديث في كتبهم وبينوه قبل مئات السنين ولكن مرضى القلوب بدلا من ان يرجعوا الى كتب العلماء يرجعون الى عقولهم الصغيرة ليؤولوا وليثيروا ويفتنوا المسلمين عن دينهم مستغلين جهل المسلمين سنة رسول الله.

فاوصيكم بقراءة كتاب صحيح البخاري وخاصة كتاب الرقاق والادب والغزوات فيها راحة النفوس والابدان .
ما كان في هذا الكتاب من خطأ فمني ومن الشيطان وما كان من حق فمن الله تعالى.
ادعوا لي في يومكم هذا بالتوبة والمغفرة والسداد  والموت على الاسلام والفردوس الأعلى.
غفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين الاحياء منهم والاموات.
والسلام عليكم ورحمة الله.