قال ذو النون: بينا أنا أطوف ذات ليلة حول
البيت وقد هدأت العيون إذ أنا بشخص قد حاذاني وهو يقول: رب عبدك المسكين الطريد
الشريد من بين خلقك، أسألك من الأمور أقربها إليك وأسألك بأصفيائك الكرام من
الأنبياء إلا سقيتني كأس محبتك وكشفت عن قلبي أغطية الجهل حتى أرقى بأجنحة الشوق
إليك فأناجيك في أركان الحق بين رياض بهائك، ثم بكى، ثم ضحك وانصرف، فتبعته حتى
خرج من المسجد فأخذ خرابات مكة فالتفت إلي وقال: مالك ارجع أمالك شغل ؟ قلت ما
اسمك رحمك الله، قال عبد الله، قلت ابن من أنت ؟ قال ابن عبد الله، قلت قد علمت أن
الخلق كلهم عبيد الله وبنو عبيد الله فما اسمك ؟ قال أسماني أبي سعدون، قلت
المعروف بالمجنون ؟ قال نعم، قلت فمن القوم الذين سألت الله بهم ؟ قال أولئك قوم
ساروا إلى الله سير من قد نصب المحبة بين عينيه وتخوف تخوف من أخذت الزبانية بقلبه
ثم التفت إلي فقال ذا النون ! قلت نعم، قال يا ذا النون بلغني أنك تقول فقل لي
شيئاً اسمع في أسباب المعرفة، فقلت أنت الذي يقتبس من علمك، فقال حق السائل الجواب
ثم أنشأ يقول:
قلوب العارفين تحن حتى . .. تحل بقربه في كل راح
صفت في ود مولاها فما أن ... لها من وده أبداً براح ؟