الجمعة، 23 أكتوبر 2015

اسرار البيان في القرآن

القرآن هو تعبير بياني مقصود أي أن كل كلمة وكل حرف فيه وُضع وضعاً مقصوداً.
الذكر والحذف:
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) وقال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة) الآيتين جملتان وصفيتان فلماذا الحذف (فيه) في إحداها والذكر في الأخرى؟ السبب أن التقدير حاصل (يجزي فيه) لكن لماذا الحذف؟ الحذف يفيد الإطلاق ولا يختص بذلك اليوم. فالجزاء ليس منحصراً في ذلك اليوم وإنما سيمتد أثره إلى ما بعد ذلك اليوم وكلما يذكر الجزاء يحذف (فيه) (لا تجزي) و(لا يجزي)
أما في الآية الثانية فذكر (فيه) لأنه منحصر فقط في يوم الحساب وليس عموماً. وكذلك في قوله تعالى (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) اليوم منحصر في يوم القيامة والحساب لذا ذكر (فيه). وحذف (فيه) عندما كان اليوم ليس محصوراً بيوم معين.
__________
(1) وهذه محاضرة ألقاها الدكتور فاضل السامرائي ضمن فعاليات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 2002م
(1/1)

(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) يوسف) محذوف حرف النفي (لا) (تالله لا تفتأ). القاعدة : أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لابد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟ هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء) (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل). إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم متأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.
في حين في كل الأقسام الأخرى في القرآن الأمر فيها مؤكد. أما في هذه الآية لا يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي.
فتأ: من معانيها في اللغة نسي وسكّن وأطفأ النار يقال فتأت النار والإتيان بالفعل (فتأ) في هذه الآية وفي هذا الموطن جمع كل هذه المعاني. كيف؟ المفقود مع الأيام يُنسى ويُكفّ عن ذكره أو يُسكّن لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من فُقد له عزيز. ولو اختار أي فعل من الأفعال الأخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطي كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ.
(1/2)

قال تعالى في سورة آل عمران (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) اللام في (ليعلم) هي لام التعليل ثم قال تعالى (يتخذ) عطف بدون لام ثم قال (ليمحّص) عطف وذكر اللام ثم قال (يمحق) عطف بدون ذكر اللام ، لماذا ؟ قلنا أن الذكر للتوكيد وما حذف أقل توكيداً وإذا استعرضنا الأفعال في الآية فهل كلها بدرجة واحدة من التوكيد والحذف؟
(وليعلم) الله تعالى يريد ذلك من كل شخص علماً يتحقق منه الجزاء لكل شخص. إذن هو أمر عام لجميع الذين آمنوا ومن غير الذين آمنوا فهو أمر ثابت مطلق لكل فرد من الأفراد.
(يتخذ) لا يتخذ كل المؤمنين شهداء فهذا الفعل ليس بدرجة اتساع الفعل الأول وهو ليس متعقلاً بكل فرد.
(ليمحص) متعلق بكل فرد وهذا يتعلق به الجزاء.
(يمحق) لم يمحق كل الكافرين محقاً تاماً فالكفر والإيمان موجودان.
إذن عندما يذكر اللام على وجه العموم والمقصود يكون كل فرد من الأفراد والحذف عكس ذلك.
قال تعالى (ولتبتغوا فضلاً من ربكم) في الحالتين ذكر اللام لأن الأمرين مطلوبين حتماً في هذه الحياة.
قال تعالى في سورة النساء (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) وقال تعالى في سورة البقرة (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25))
(1/3)

ذكر الباء في الآية الأولى (بأن) وحذفها في الثانية (أن) مع أن التقدير هو (بأن) لماذا؟ لأن تبشير المنافقين آكد من تبشير المؤمنين ، ففي السورة الأولى أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشرة آيات من قوله (ومن يكفر بالله وملائكته). أما في الآية الثانية فهي الآية الوحيدة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين في كل سورة البقرة. إذن (بأن) أكثر من (أن) فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزاؤهم.
وقال تعالى في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)) لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.
قال تعالى في سورة المؤمنون (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)) وقال في سورة الزخرف (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)) ذكر الواو في الأولى (ومنها) وحذف الواو في الثانية (منها) لماذا؟ في سورة المؤمنون السياق في الكلام عن الدنيا وأهل الدنيا وتعداد النعم قال (ومنها تأكلون) فالفاكهة في الدنيا ليست للأكل فقط فمنها ما هو للإدخار والبيع والمربّيات والعصائر فكأنه تعالى يقصد بالآية : ومنها تدّخرون، ومنها تعصرون ومنها تأكلون وهذا ما يُسمّى عطف على محذوف. أما في سورة الزخرف فالسياق في الكلام عن الجنة والفاكهة في الجنة كلها للأكل ولا يُصنع منها أشياء أخرى.
الحذف من الفعل:
تتوفاهم – توفّاهم، تنزّل – تتنزّل، تذكرون – تتذكرون، تبدّل – تتبدل.
الحذف من الفعل يدخل تحت ضابطين في القرآن كله:
1. يحذف من الفعل إما للدلالة على الإقتطاع من الفعل.
(1/4)

2. يحذف من الفعل في مقام الإيجاز ويذكر في مقام التفصيل.
قال تعالى في سورة فصلت (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)) وقال في سورة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)) استخدم نفس الفعل المضارع لكن حذفت التاء في الآية الثانية (تنزّل) لماذا؟
الآية الأولى هي عند الموت تنزل الملائكة على الشخص المستقيم تبشرّه بمآله إلى الجنة ، أما الثانية فهي في ليلة القدر ، التنزّل في الآية الأولى يحدث في كل لحظة لأنه في كل لحظة يموت مؤمن في هذه الأرض إذن الملائكة في مثل هذه الحالة تتنزّل في كل لحظة وكل وقت أما في الآية الثانية فهي في ليلة واحدة في العام وهي ليلة القدر. لإذن التنزّل الأول أكثر استمرارية من التنزّل الثاني، ففي الحدث المستمر جاء الفعل كاملاً غير مقتطع (تتنزّل) أما في الثانية في الحدث المتقطع اقتطع الفعل (تنزّل).
(1/5)

مثال آخر في قوله تعالى في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)) وفي سورة النحل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)). لنستعرض المتوفين في السياقين: في آية سورة النساء المتوفون هم جزء من المتوفين في آية سورة النحل ففي سورة النساء المتوفون هم المستضعفون من الذين ظلموا أنفسهم أما في سورة النحل فالمتوفون هم ظالمي أنفسهم كلهم على العموم. فأعطى تعالى القسم الأكبر الفعل الأطول وأعطى القسم الأقل الفعل الأقلّ.
مثال آخر في سورة الأحزاب (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)) وقوله تعالى (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) النساء) في آية سورة الأحزاب هي مقصورة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والحكم مقصور عليه - صلى الله عليه وسلم -. أما الآية الثانية فهي آية عامة لكل المسلمين وهذا التبدّل هو لعموم المسلمين وليس مقصوراً على أحد معين وإنما هو مستمر إلى يوم القيامة. لذا أعطى الحدث الصغير الصيغة القصيرة (تبدّل) وأعطى الحدث الممتد الصيغة الممتدة (تتبدلوا).
(1/6)

مثال آخر: قال تعالى في سورة الشورى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)) وقال في سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) في الآية الأولى الوصية خالدة من زمن سيدنا نوح - عليه السلام - إلى خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - فجاء الفعل (تتفرقوا) أما في الآية الثانية فهي خاصة بالمسلمين لذا جاء الفعل (تفرّقوا). والأمة المحمدية هي جزء من الأمم المذكورة في الآية الأولى. وكذلك فالحدث ممتد في الأولى (تتفرقوا) والحدث محدد في الثانية (تفرقوا). فالأولى وصية خالدة على زمن الأزمان (ولا تتفرقوا فيه) لأن هذا هو المأتى الذي يدخل إليه أعداء الإسلام فيتفرقون به لذا جاءت الوصية خالدة مستمرة، وصّى تعالى الأمم مرة ووصّى الأمة الإسلامية مرتين. والآية الأولى أشد تحذيراً للأمة الإسلامية (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك). شرعه لنا في الوصية العامة لنوح وخصّ بالذي أوحينا إليك ثم خصّ الأمة الإسلامية في الآية الثانية.والحذف له سببان هنا الأول لأن الأمة المحمدية أصغر. ونهانا عن التفرّق مهما كان قليلاً وأراد ربنا تعالى أن نلتزم بهذا الأمر (لا تفرقوا) وقال (واعتصموا بحبل الله جميعا). أكد على الجمع الكامل
(1/7)

وعلى سبيل العموم كأنه فرض عين على الجميع فلا يُعفى أحد من المسؤولية أن لا نتفرق وأن نعتصم بحبل الله وذكرهم بنعم الله عليهم وتوعدهم على الإختلاف بالعذاب العظيم وأطلق العذاب ولم يحصره في الآخرة إنما قد يطالهم في الدنيا والآخرة. المصدر لا يعمل بعد وصفه (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ليست متعلقة بالعذاب العظيم. التفرّق يكون عذابه عظيماً في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى (والذي أوحينا إليك) اختار الإسم الموصول (الذي) عندما ذكر شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل (وما أوحينا إليك) لأن (الذي) أعرف وأخصّ من (ما) التي تشترك في المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث. وقد بيّن تعالى شريعتنا وعرفناها فجاء بالأعرف (اسم الموصول الذي)، لا نعلم على وجه التفصيل ما وصّى الله تعالى نوحاً وعيسى وموسى وإبراهيم لذا اختار سبحانه (ما) اسم الموصول غير المعرّف.
مثال آخر: قال تعالى في سورة لقمان (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) وقال في سورة إبراهيم (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)) في الآية الأولى أكدها بـ (إن) بقوله (فإن الله غني حميد) وغني نكرة وحميد نكرة. أما في الآية الثانية فأكّد بـ (إن) واللام (فإنه لغني حميد). وفي سورة لقمان أيضاً قال تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)) باستخدام الضمير (هو) والتعريف (الغني الحميد) أما في سورة الحج (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) زاد تعالى اللام على الضمير المنفصل (لهو) لماذا؟
(1/8)

في الفرق بين آية لقمان الأولى وآية سورة إبراهيم نجد أن الثانية آكد من الأولى لأنه ذكر اللام. في آية سورة لقمان ذكر تعالى صنفين أي جعل الخلق على قسمين : من شكر ومن كفر، ومن كفر بعض من الناس. أما في آية سورة إبراهيم (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)) افترض كُفر أهل الأرض جميعاً لذا جاء قوله (فإن الله لغني حميد) أعم وأشمل. إن تكفروا تحتاج إلى الإستمرار وتحتاج إلى التوكيد فكان التوكيد أنسب من الآية الأولى. في سورة آل عمران (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)) باستخدام صيغة الماضي وفي آية سورة إبراهيم (وإن تكفروا) بصيغة المضارع. فعل الماضي بعد أداة الشرط مع المستقبل يفترض الحدث مرة واحدة أما فعل المضارع فيدلّ على تكرار الحدث.
(1/9)

واستخدام صيغة الماضي والمضارع في القرآن كثير مثل قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) النساء) وقوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء) أي كلما سنحت له الفرصة قتل وهذا دليل التكرار لذا جاء الفعل بصيغة المضارع. وكذلك في قوله تعالى (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) صيغة المضارع لأن الشكر يكون في كل لحظة على كل نعم الله أما (ومن كفر) جاء بصيغة الماضي لأن الكفر يحصل مرة واحدة فقط. وقال تعالى (إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) محمد) سؤال متكرر لأن سؤال الأموال متكرر فجاء الفعل بصيغة المضارع، وقال تعالى (قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) الكهف) السؤال حصل مرة واحدة فجاء بصيغة الماضي.
 
من كتاب أسرار البيان في التعبير القرآني للدكتور فاضل السامرائي.

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

قصة بئر أريس

حدثنا محمد بن مسكين اليمامي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان- وهو ابن بلال- عن شريك بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا خرج. وجه هاهنا- قال- فخرجت على أثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس- قال- فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر- قال- فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم. فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر. فقلت على رسلك- قال- ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة)). قال فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة- قال- فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت إن يرد الله بفلان- يريد أخاه- خيرا يأت به. فإذا إنسان يحرك الباب فقلت من هذا فقال عمر بن الخطاب.
فقلت على رسلك. ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت هذا عمر يستأذن فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة)). فجئت عمر فقلت أذن ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة- قال- فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر ثم رجعت فجلست فقلت إن يرد الله بفلان خيرا- يعني أخاه- يأت به فجاء إنسان فحرك الباب فقلت من هذا فقال عثمان بن عفان. فقلت على رسلك- قال- وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه)). قال فجئت فقلت ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك- قال- فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاههم من الشق الآخر. قال شريك فقال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم.

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

ماذا قال عمر بن عبد العزيز عند توليه الخلافة

 تقدم أن عمر بن عبد العزيز لما رجع من جنازة سليمان أتى بمراكب الخلافة ليركبها فامتنع من ذلك وأنشأ يقول :
 ... فلولا التقى ثم النهى خشية الردى ... * لعاصبت في حب الصبا كل زاجر ...   
     قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... * له صبوة أخرى الليالي الغوابر ... 

 ثم قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله قدموا إليُ بغلتي ثم أمر ببيع تلك المراكب الخليفية فيمن يزيد وكانت من الخيول الجياد المثمنة فباعها وجعل أثمانها في بيت المال قالوا ولما رجع من الجنازة وقد بايعه الناس واستقرت الخلافة باسمه انقلب وهومغتم مهموم فقال له مولاه مالك هكذا مغتما مهموما وليس هذا بوقت هذا فقال ويحك ومالي لا أغتم وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلى وهو يطالبني بحقه أن أؤديه إليه كتب إلى في ذلك أو لم يكتب طلبه مني أو لم يطلب قالو ثم إنه خير امرأته فاطمة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها وبين أن تلحق بأهلها فبكت وبكى جواريها لبكائها أن فسمعت ضجة في داره ثم اختارت مقامها معه على كل حال رحمها الله وقال له رجل تفرغ لنا يا أمير المؤمنين فأنشأ يقول :
       
          ... قد جاءك شغل شاغل ... * وعدلت عن طريق السلامة ... 
              ذهب الفراغ فلا فرا ... * غ لنا إلى يوم القيامة ... 

 وقال الزبير بن بكار حدثني محمد بن سلام عن سلام بن سليم قال لما ولى عمر بن عبد العزيز صعد المنبر وكان أول خطبة خطبها حمد الله واثنى عليه ثم قال : أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فليفارقنا يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ويعيننا على الخير بجهده ويدلنا من الخير على مالا نهتدي إليه ولا يغتابن عندنا أحدا ولا يعرضن فيما لا يعنيه فانقشع عنه الشعراء والخطباء وثبت معه الفقهاء والزهاد وقالوا ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل حتى يخالف فعله قوله وقال سفيان ابن عيينة لما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى محمد بن كعب ورجاء بن حيوة وسالم بن عبد الله فقال : لهم قد ترون ما ابتليت به وما قد نزل بي فما عندكم فقال محمد بن كعب اجعل الشيخ أبا والشاب أخا والصغر ولدا وبر أباك وصل أخاك وتعطف على ولدك وقال رجاء ارض للناس ما ترضى لنفسك وما كرهت أن يؤتى إليك فلا تأته إليهم واعلم أنك أول خليفة تموت وقال سالم اجعل الأمر واحدا وصم فيه عن شهوات الدنيا واجعل آخر فطرك فيه الموت فكأن قد فقال عمر لا حول ولا قوة إلا بالله.
 وقال غيره خطب عمر بن عبد العزيز يوما الناس فقال : وقد خنقته العبرة أيها الناس أصلحوا آخرتكم يصلح الله دنياكم وأصلحوا أسراركم يصلح لكم علانيتكم والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات إنه لمعرق له في الموت وقال في بعض خطبه كم من عامر مؤثق عما قليل يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله من الدنيا الرحلة بأحسن ما يحضر بكم من النقلة بينما ابن آدم في الدنيا ينافس قرير العين فيها يانع إذ دعاه الله بقدره ورماه بسهم حتفه فسلبه أثارة دنياه وصير إلى قوم آخرين مصانعه ومغناه إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر تسر قليلا وتحزن طويلا 
وقال إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال لما استخلف عمر بن عبد العزيز قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد عليه السلام وإني لست بقاض ولكني منفذ وإني لست بمبتدع ولكني متبع إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم إلا أن الإمام الظالم هو العاصي ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز و جل وفي رواية أنه قال فيها وإني لست بخير من أحد منكم ولكنني لأثقلكم حملا ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الله ألا هل أسمعت

قصة عجيبة في استخلاف عمر بن عبد العزيز رحمه الله

كيف اعطى الله سبحانه و تعالى الخلافة لرجل صالح وعادل من غير حربٍ و لا سيف و لا دم.

ذكر ابن كثير في ترجمة سليمان بن عبد الملك : أنه لما حضرته الوفاة أراد أن يعهد إلى بعض أولاده فصرفه وزيره الصالح رجاء بن حيوة عن ذلك وما زال به حتى عهد إلى عمر بن عبد العزيز من بعده وصوب ذلك رجاء فكتب سليمان العهد في صحيفة وختمها ولم يشعر بذلك عمر ولا أحد من بني مروان سوى سليمان ورجاء ثم أمر صاحب الشرطة باحضار الأمراء ورءوس الناس من بني مروان وغيرهم فبايعوا سليمان على ما في الصحيفة المختومة ثم انصرفوا ثم لما مات الخليفة استدعاهم رجاء بن حيوة فبايعوا ثانية قبل أن يعلموا موت الخليفة ثم فتحها فقرأها عليهم فإذا فيها البيعة لعمر بن عبد العزيز فأخذوه فأجلسوه على المنبر وبايعوه فانعقدت له البيعة.

الجمعة، 9 أكتوبر 2015

قصة امرأة من أهل الجنة


باب فضل من يصرع من الريح:

«5652» حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عمران أبي بكر قال: حدثني عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى. قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع، وإني أتكشف فادع الله لي. قال: ((إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)). فقالت أصبر. فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.
[تحفة 5952- 151/ 7].

«5652» حدثنا محمد أخبرنا مخلد عن ابن جريج أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك، امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة.
[تحفة 19060].



الأحد، 4 أكتوبر 2015

(( لتسئلن يومئذ عن النعيم )) ما أقل هذا النعيم.

وقال أبو عبد الله بن منده، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا يونس بن محمد، ثنا حشرج بن نباتة حدثني أبو نصيرة البصري عن أبي عسيب مولى رسول الله صـلى الله عليه وسلم قال: خرج رسول الله صـلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي فدعاني ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطا لبعض الانصار، فقال رسول الله لصاحب الحائط: " أطعمنا بسرا " فجاء به موضعه فأكل رسول الله وأكلوا جميعا ثم دعا بماء فشرب منه، ثم قال: " إن هذا النعيم، لتسألن يوم القيامة عن هذا " فأخذ عمر العذق
فضرب به الارض حتى تناثر البسر، ثم قال: يا نبي الله إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال " نعم إلا من ثلاثة، خرقة يستر بها الرجل عورته.
أو كسرة يسد بها جوعته، أو حجر يدخل فيه - يعني من الحر والقر - ".
ورواه الامام أحمد: عن شريح عن حشرج.

من معجزات الرسول صلى الله عليه و سلم

قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صـلى الله عليه وسلم قدرا فيها لحم، فقال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: " ناولني ذراعها " فناولته فقال: " ناولني ذراعها " فناولته فقال " ناولني ذراعها " فقلت يا نبي الله كم للشاة من ذراع ؟ قال: " والذي نفسي بيده لو سكت لاعطيتني ذراعها ما دعوت به " ورواه الترمذي في الشمائل عن بندار، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن يزيد العطار به.

السبت، 3 أكتوبر 2015

قصة سفينة رضي الله عنه و حديث الخلافة ثلاثون سنة

سفينة أبو عبد الرحمن، ويقال أبو البختري كان اسمه مهران وقيل عبس، وقيل أحمر، وقيل رومان، فلقبه رسول الله صـلى الله عليه وسلم لسبب سنذكره، فغلب عليه.
وكان مولى لام سلمة فأعتقته واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صـلى الله عليه وسلم حتى يموت، فقبل ذلك.
وقال لو لم تشترطي علي ما فارقته وهذا الحديث في السنن.
وهو من مولدي العرب وأصله من أبناء فارس وهو سفينة بن مافنة.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال قال رسول الله: " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملكا بعد ذلك " ثم
قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، وأمسك خلافة علي، ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنة.
ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون.
قلت لسعيد أين لقيت سفينة ؟ قال ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله.
قلت له ما اسمك ؟ قال ما أنا بمخبرك، سماني رسول الله سفينة.
قلت ولم سماك سفينة ؟ قال خرج رسول الله ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم فقال لي " أبسط كساك " فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه علي، فقال لي رسول الله " احمل فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي، إلا أن يحفوا وهذا الحديث عن أبي داود والترمذي والنسائي.
ولفظه عندهم " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا " وقال الامام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة.
قال: كنا في سفر، فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه، ترسا أو سيفا حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا، فقال النبي صـلى الله عليه وسلم " أنت سفينة " هذا هو المشهور في تسميته سفينة.
وقد قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، ومحمد بن جعفر الوركاني، قالا: ثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن عمران البجلي، عن مولى لام سلمة

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

كيف تؤثر القراءة الخاشعة للقرآن في قلوب الناس ؟

روى ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية :
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلثمائة .....
وفيها خرج الركب العراقي إلى الحجاز في جحفل عظيم كبير وتجمل كثير، فاعترضهم الاصيفر أمير الاعراب، فبعثوا إليه بشابين قارئين مجيدين كانا معهم، يقال لهما أبو الحسن الرفا وأبو عبد الله بن الزجاجي ، وكان من أحسن الناس قراءة، ليكلماه في شئ يأخذه من الحجيج، ويطلق سراحهم ليدركوا الحج، فلما جلسا بين يديه قرآ جميعا عشرا بأصوات هائلة مطربة مطبوعة، فأدهشه ذلك وأعجبه جدا، وقال لهما: كيف عيشكما ببغداد ؟ فقالا: بخير لا يزال الناس يكرموننا ويبعثون إلينا بالذهب والفضة والتحف.
فقال لهما :
هل أطلق لكما أحد منهم بألف ألف دينار في يوم واحد ؟ فقال: لا، ولا ألف درهم في يوم واحد.
قال: فإني أطلق لكما ألف ألف دينار في هذه اللحظة، أطلق لكما الحجيج كله، ولولا كما لما قنعت منهم بألف ألف دينار.
فأطلق الحجيج كله بسببهما، فلم يتعرض أحد من الاعراب لهم، وذهب الناس إلى الحج سالمون شاكرون لذينك الرجلين المقرئين.
ولما وقف الناس بعرفات قرأ هذان الرجلان قراءة عظيمة على جبل الرحمة فضج الناس بالبكاء من سائر الركوب لقراءتهما، وقالوا لاهل العراق: ما كان ينبغي لكم أن تخرجوا معكم بهذين الرجلين في سفرة واحدة، لا حتمال أن يصابا جميعا، بل كان ينبغي أن تخرجوا بأحدهما وتدعوا الآخر، فإذا أصيب سلم الآخر.
وكانت الحجة والخطبة للمصريين كماهي لهم من سنين متقدمة، وقد كان أمير العراق عزم على العود سريعا إلى بغداد على طريقهم التي جاؤوا منها، وأن لا يسيروا إلى المدينة النبوية خوفا من الاعراب، وكثرة الخفارات، فشق ذلك على الناس، فوقف هذان الرجلان القارئان على جادة الطريق التي منها يعدل إلى المدينة النبوية، وقرآ (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) الآيات [ التوبة: 120 ] فضج الناس بالبكاء وأمالت النوق أعناقها نحوهما، فمال الناس بأجمعهم والامير إلى المدينة النبوية فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم ولله الحمد والمنة.
ولما رجع هذا القارئان رتبهما ولي الامر مع أبي بكر بن البهلول - وكان مقرئا مجيدا أيضا - ليصلوا بالناس صلاة التراويح في رمضان، فكثر الجمع وراءهم لحسن تلاوتهم، وكانوا يطيلون الصلاة جدا ويتناوبون في الامامة، يقرأون في كل ركعة بقدر ثلاثين آية، والناس لا ينصرفون من التراويح إلا في الثلث الاول من الليل، أو قريب النصف منه.
وقد قرأ ابن البهلول يوم في جامع المنصور قول تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) [ الحديد: 16 ] فنهض إليه رجل صوفي وهو يتمايل فقال: كيف قلت ؟ فأعاد الآية، فقال الصوفي: بلى والله، وسقط ميتا رحمه الله.

قال ابن الجوزي: وكذلك وقع لابي الحسن بن الخشاب شيخ ابن الرفا، وكان تلميذا لابي بكر بن الادمي المتقدم ذكره، وكان جيد القراءة حسن الصوت أيضا، قرأ ابن الخشاب هذا في جامع الرصافة في الاحياء هذه الآية (ألم يأن للذين آمنوا) فتواجد رجل صوفي وقال: بلى والله قد آن، وجلس وبكى بكاء طويلا، ثم سكت سكتة فإذا هو ميت رحمه الله.

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

سيرة ابن سمعون رحمه الله

ابن سمعون الواعظ محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسين بن سمعون الواعظ، أحد الصلحاء والعلماء، كان يقال له الناطق بالحكمة، روى عن أبي بكر بن داود وطبقته، وكان له يد طولى في الوعظ والتدقيق في المعاملات، وكانت له كرامات ومكاشفات، كان يوما يعظ على المنبر وتحته أبو الفتح بن القواس، وكان من الصالحين المشهورين، فنعس ابن القواس فأمسك ابن سمعون عن الوعظ حتى استيقظ، فحين استيقظ قال ابن سمعون: رأيت رسول الله صـلى الله عليه وسلم في منامك هذا ؟ قال: نعم ! قال: فلهذا أمسكت عن الوعظ حتى لا أزعجك عما كنت فيه.
وكان لرجل ابنة مريضة مدنفة فرأى أبوها رسول الله صـلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له: اذهب إلى ابن سمعون ليأتي منزلك فيدعو لابتنك تبرأ بإذن الله.
فلما أصبح اذهب إليه فلما رآه نهض ولبس ثيابه وخرج مع الرجل، فظن الرجل أنه يذهب إلى مجلس وعظه، فقال في نفسه أقول له في أثناء الطريق، فلما مر بدار الرجل دخل إليها فأحضر إليه ابنته فدعا لها وانصرف، فبرأت من ساعتها، وبعث إليه الخليفة الطائع لله من أحضره إليه وهو مغضب عليه، فخيف على ابن سمعون منه، فلما جلس بين يديه أخذ في الوعظ، وكان أكثر ما أورده من كلام علي بن أبي طالب، فبكى الخليفة حتى سمع نشيجه، ثم خرج من بين يديه وهو مكرم، فقيل للخليفة: رأيناك طلبته وأنت غضبان، فقال: بلغني أنه ينتقص عليا فأردت أن أعاقبه، فلما حضر أكثر من ذكر علي فعلمت أنه موفق، فذكرني وشفى ما كان في خاطري عليه.
ورأى بعضهم في المنام رسول الله صـلى الله عليه وسلم وإلى جانبه عيسى بن مريم عليه السلام، وهو يقول: أليس من أمتي الاحبار أليس من أمتي أصحاب الصوامع.
فبينما هو يقول ذلك إذ دخل ابن سمعون فقال رسول الله صـلى الله عليه وسلم لعيسى عليه السلام: أفي أمتك مثل هذا ؟ فسكت عيسى.
ولد ابن سمعون في سنة ثلثمائة، وتوفي يوم الخميس الرابع عشر من ذي القعدة في هذه السنة، ودفن بداره.
قال ابن الجوزي: ثم أخرج بعد سنتين إلى
مقبرة أحمد بن حنبل وأكفانه لم تبل رحمه الله.

الخميس، 10 سبتمبر 2015

ابواب الصدقة

باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف:
«2375» حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عباد بن العوام كلاهما عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة في حديث قتيبة قال: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي شيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل معروف صدقة)).
«2376» حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة)). قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)).
«2377» حدثنا حسن بن علي الحلواني حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية- يعني ابن سلام- عن زيد أنه سمع أبا سلام يقول حدثني عبد الله بن فروخ أنه سمع عائشة تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)). قال أبو توبة وربما قال: ((يمسي)).
«2378» وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا يحيى بن حسان حدثني معاوية أخبرني أخي زيد بهذا الإسناد. مثله غير أنه قال: ((أو أمر بمعروف)). وقال: ((فإنه يمسي يومئذ)).
«2379» وحدثني أبو بكر بن نافع العبدي حدثنا يحيى بن كثير حدثنا علي- يعني ابن المبارك- حدثنا يحيى عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام قال: حدثني عبد الله بن فروخ أنه سمع عائشة تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق كل إنسان)). بنحو حديث معاوية عن زيد. وقال: ((فإنه يمشي يومئذ)).
«2380» حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل مسلم صدقة)). قيل أرأيت إن لم يجد قال: ((يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق)). قال قيل أرأيت إن لم يستطع قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف)).
قال قيل له أرأيت إن لم يستطع قال: ((يأمر بالمعروف أو الخير)). قال أرأيت إن لم يفعل قال: ((يمسك عن الشر فإنها صدقة))
.
«2381» وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة بهذا الإسناد.
«2382» وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس- قال- تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة- قال- والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة)).

الأحد، 6 سبتمبر 2015

خطبة رسول الله في حجة الوداع


«4406» حدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن محمد عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا)) قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ((أليس ذو الحجة)). قلنا بلى. قال: ((فأي بلد هذا)). قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ((أليس البلدة)). قلنا بلى. قال: ((فأي يوم هذا)) قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ((أليس يوم النحر)). 
قلنا بلى. قال: ((فإن دماءكم وأموالكم- قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا وستلقون ربكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه- فكان محمد إذا ذكره يقول صدق محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال- ألا هل بلغت. مرتين)).

[أطرافه 67، 105، 1741، 3197، 4662، 5550، 7078، 7447، تحفة 11682].

الجمعة، 28 أغسطس 2015

دعاء علي الرضى رحمه الله

وعن أبي الصلت قال: سمعت علي بن موسى بالموقف يدعو: اللهم كما سترت علي ما أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك، فليسعني عفوك، وكما أكرمتني بمعرفتك، فاشفعها بمغفرتك يا ذا الجلال والاكرام.

من اخبار معروف الكرخي


قيل: أتى رجل بعشرة دنانير إلى معروف، فمر سائل، فناوله إياها، وكان يبكي، ثم يقول: يانفس كم تبكين ؟ أخلصي تخلصي.
وسئل: كيف تصوم ؟ فغالط السائل، وقال: صوم نبينا صلى الله عليه وسلم كان كذا وكذا، وصوم داود كذا وكذا، فألح عليه، فقال: أصبح دهري صائما، فمن دعاني، أكلت، ولم أقل: إني صائم .
وقص إنسان شارب معروف، فلم يفتر من الذكر، فقال: كيف أقص ؟ فقال: أنت تعمل، وأنا أعمل.
وقيل: اغتاب رجل عند معروف، فقال: اذكر القطن إذا وضع على عينيك.
وعنه قال: ما أكثر الصالحين، وما أقل الصادقين.
وعنه: من كابر الله، صرعه، ومن نازعه، قمعه، ومن ماكره، خدعه، ومن توكل عليه، منعه، ومن تواضع له، رفعه، كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله .

من كتاب سير اعلام النبلاء للذهبي