القرامطة
وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من
الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومردك وكانا يبيحان المحرمات ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل وأكثر ما يفسدون من جهة الرافضة ويدخلون إلى الباطل من جهتهم لأنهم أقل الناس
عقولا ويقال لهم الاسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل الأعرج بن جعفر الصادق ويقال لها القرامطة قيل نسبة إلى قرمط بن
الأشعث البقار وقيل
إن رئيسهم كان في أول دعوته يأمر من اتبعه بخمسين صلاة في كل يوم وليلة ليشغلهم
بذلك عما يريد تدبيره من المكيدة ثم اتخذ نقباء اثنى عشر وأسس لأتباعه دعوة ومسلكا
يسلكونه ودعا إلى إمام أهل البيت ويقال لهم الباطنية
لأنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض والجرمية والبابكية نسبة إلى بابك الجرمي الذي ظهر في
أيام المعتصم وقتل كما تقدم ويقال لهم المحمرة نسبة إلى صبغ الحمرة شعارا مضاهاة
لبني العباس ومخالفة لهم لأن بني العباس يلبسون السواد ويقال لهم التعليمية نسبة
إلى التعلم من الإمام المعصوم وترك الرأي ومقتضى العقل ويقال لهم السبعية نسبة إلى
القول بأن الكواكب السبعة المتحيزة السائرة مدبرة لهذا العالم فيما يزعمون لعنهم
الله وقد ذكر ابن الجوزي تفصيل قولهم وبسطه وقد سبقه إلى ذلك أبو بكر الباقلاني
المتكلم المشهور في كتابه ( هتك الأستار وكشف الأسرار ) في الرد على الباطنية ورد على كتابهم الذي جمعه بعض قضاتهم بديار مصر في أيام الفاطميين الذي سماه ( البلاغ الأعظم والناموس الأكبر ) وجعله ست عشرة درجة أول درجة أن
يدعو من يجتمع به أولا إن كان من أهل السنة إلى القول بتفضيل على علي عثمان بن
عفان ثم ينتقل به إذا وافقه على ذلك إلى تفضيل علي على الشيخين
أبي بكر وعمر ثم يترقى به إلى سبهما لأنهما ظلما عليا وأهل البيت ثم يترقى به إلى تجهيل الأمة وتخطئتها في موافقة أكثرهم على ذلك ثم يشرع في القدح في دين الإسلام من حيث هو
وقد ذكر لمخاطبته لمن يريد أن يخاطبه بذلك شبها وضلالات لا تروج إلا على كل غبي
جاهل شقي كما قال
تعالى (( والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف
يؤفك عنه من أفك )).
أي يضل به من هو ضال وقال (( فأنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين
إلا من هو صال الجحيم )) وقال (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي
بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى
إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون )).
إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن
أن الباطل والجهل والضلال والمعاصي لا ينقاد لها إلا شرار الناس ثم بعد هذا كله
لهم مقامات في الكفر والزندقة والسخافة مما ينبغي
لضعيف العقل والدين أن ينزه
نفسه عنه إذا
تصوره وهو مما فتحه إبليس عليهم من أنواع الكفر وأنواع الجهالات وربما أفاد إبليس
بعضهم أشياء لم يكن يعرفها كما قال بعض الشعراء:
وكنت امرأ من جند إبليس برهة ... من الدهر حتى
صار إبليس من جندي ... والمقصود أن هذه الطائفة تحركت في هذه السنة ثم استفحل
أمرهم وتفاقم الحال بهم كما سنذكره حتى آل بهم الحال إلى أن دخلوا المسجد الحرام
فسفكوا دم الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة وكسروا الحجر الأسود واقتلعوه من موضعه
وذهبوا به إلى بلادهم في سنة سبع عشرة وثلاثمائة (317 ه) ثم لم يزل عندهم إلى سنة
تسع وثلاثين وثلاثمائة فمكث غائبا عن موضعه من البيت ثنتين وعشرين سنة فإنا لله
وإنا إليه راجعون.
وكل ذلك من ضعف الخليفة وتلاعب الترك بمنصب الخلافة
واستيلائهم على البلاد وتشتت الأمر.
نقل بتصرف من
كتاب البداية والنهاية لابن كثير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق