الأحد، 5 أكتوبر 2014

ابن تيمية يتكلم عن استشهاد الحسين رضي الله عنه

قال ابن تيمية رحمه الله :
وقد ذكر المصنفون من أهل العلم بالأسانيد المقبولة أنه لما كتب أهل العراق إلى الحسين وهو بالحجاز أن يقدم عليهم وقالوا أنه قد أميتت السنة وأحييت البدعة وأنه وأنه حتى يقال إنهم أرسلوا إليه كتبا ملء صندوق وأكثر وأنه أشار عليه الأحباء الألباء فلم يقبل مشورتهم .............. 
 فقد أشار عليه مثل عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وغيرهما بأن لا يذهب إليهم وذلك كان قد رآه أخوة الحسين وإتفقت كلمتهم على أن هذا لا مصلحة فيه وأن هؤلاء العراقيين يكذبون عليه ويخذلونه إذ هم أسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم فيها عن ثبات وإن أباه كان أفضل منه واطوع فى الناس وكان جمهور الناس معه ومع هذا فكان فيهم من الخلاف عليه والخذلان له ما الله به عليم حتى صار يطلب السلم بعد أن كان يدعو إلى الحرب وما مات إلا وقد كرههم كراهة الله بها عليم ودعا عليهم وبرم بهم .
 فلما ذهب الحسين رضى الله عنه وأرسل إبن عمه مسلم بن عقيل إليهم وإتبعه طائفة ثم لما قدم عبيدالله بن زياد الكوفة قاموا مع إبن زياد وقتل مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة وغيرهما فبلغ الحسين ذلك فأراد الرجوع فوافته سرية عمر بن سعد وطلبوا منه أن يستأسر لهم فأبى وطلب أن يرده إلى يزيد إبن عمه حتى يضع يده فى يده أو يرجع من حيث جاء أو يلحق ببعض الثغور فإمتنعوا من إجابته إلى ذلك بغيا وظلما وعدوانا وكان من أشدهم تحريضا عليه شمر بن ذى الجوشن ولحق بالحسين طائفة منهم ووقع القتل حتى أكرم الله الحسين ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة رضى الله عنهم وأرضاهم وأهان بالبغى والظلم والعدوان من أهانه بما أنتهكه من حرمتهم وإستحله من دمائهم ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء وكان ذلك من نعمة الله على الحسين وكرامته له لينال منازل الشهداء حيث لم يجعل له فى أول الإسلام من الإبتلاء والإمتحان ما جعل لسائر أهل بيته كجده وأبيه وعمه وعم أبيه رضى الله عنهم فإن بنى هاشم أفضل قريش وقريشا افضل العرب والعرب افضل بنى آدم كما صح ذلك عن النبى مثل قوله فى الحديث الصحيح إن الله إصطفى من ولد إبراهيم بنى إسماعيل وإصطفى كنانة من بنى إسماعيل وإصطفى قريشا من بنى كنانة وإصطفى بنى هاشم من قريش وإصطفانى من بنى هاشم 
 وفى صحيح مسلم عنه أنه قال يوم غدير خم أذكركم الله فى أهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى 
 وفى السنن أنه شكا إليه العباس إن بعض قريش يحقرونهم فقال والذى نفسى بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتى وإذا كانوا أفضل الخلق فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال 
 وكان أفضلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الذى لا عدل له من البشر ففاضلهم أفضل من كل فاضل من سائر قبائل قريش والعرب بل ومن بنى إسرائيل وغيرهم 
 ثم على وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث هم من السابقين الأولين من المهاجرين فهم أفضل من الطبقة الثانية من سائر القبائل ولهذا لما كان يوم بدر أمرهم النبى بالمبارزة لما برز عتبة ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فقال النبى قم يا حمزة قم يا عبيدة قم يا على فبرز إلى الثلاثة ثلاثة من بنى هاشم 
 وقد ثبت فى الصحيح أن فيهم نزل قوله هذان خصمان إختصموا فى ربهم الآية وإن كان فى الآية عموم .
ولما كان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وكانا قد ولدا بعد الهجرة فى عز الإسلام ولم ينلهما من الأذى والبلاء ما نال سلفهما الطيب فأكرمهما الله بما اكرمهما به من الإبتلاء ليرفع درجاتهما وذلك من كرامتهما عليه لا من هوانهما عنده كما أكرم حمزة وعليا وجعفرا وعمر وعثمان وغيرهم بالشهادة وفى المسند وغيره عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها إسترجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها 
 فهذا الحديث رواه الحسين وعنه بنته فاطمة التى شهدت مصرعه 
 وقد علم الله إن مصيبته تذكر على طول الزمان .
 فالمشروع إذا ذكرت المصيبة وأمثالها أن يقال إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرنا فى مصيبتنا وإخلف لنا خيرا منها قال تعالى وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون قال الله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم رحمة وأولئك هم المهتدون. 

من كتاب مجموع الفتاوي (الجزء 27).

ليست هناك تعليقات: