حدثنا حزم، قال: بلغنا أن عمر كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن في شأن ابنه عبد الملك حين توفي: أما بعد، فإن الله تبارك اسمه وتعالى ذكره كتب على خلقه حين خلقهم الموت وجعل مصيرهم إليه، فقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه وأشهد ملائكته على حقه أنه يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون. ثم قال لنبيه عليه السلام: " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون " . ثم قال: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " . فالموت سبيل الناس في الدنيا، لم يكتب الله لمحسن ولا لمسيء فيها خلداً، ولم يرض ما أعجب أهلها ثواباً لأهل طاعته، ولم يرض ببلائها نقمة لأهل معصيته، فكل شيء منها أعجب أهلها أو كرهوا منه شيئاً متروك، لذلك خلقت حين خلقت، ولذلك سكنت منذ سكنت، ليبلو الله فيها عباده أيهم أحسن عملاً، فمن قدم عند خروجه من الدنيا إلى أهل طاعته ورضوانه من أنبيائه وأئمة الهدى الذين أمر الله نبيه أن يقتدي بهداهم خالد في دار المقامة من فضله، لا يمسه فيها نصب ولا يمسه فيها لغوب، ومن كانت مفارقته الدنيا إلى غيرهم وغير منازلهم فقد قابل الشر الطويل واقام على ما لا قبل له له، أسأل الله برحمته أن يبقينا ما أبقانا في الدنيا مطيعين لأمره، متبعين لكتابه، وجعلنا إذا خرجنا من الدنيا إلى نبينا ومن أمرنا أن نقتدي بهداه من المصطفين الأخيار، وأسأله برحمته أن يقينا أعمال السوء في الدنيا، والسيئات يوم القيامة. ثم إن عبد الملك ابن أمير المؤمنين كان عبداً من عباد الله أحسن الله إليه في نفسه، وأحسن إلى أبيه فيه، أعاشه الله ما أحب أن يعيشه، ثم قبضه إليه حين أحب أن قبضه، وهو فيما علمت بالموت مغتبط يرجو فيه من الله رجاءً حسناً، فأعوذ بالله أن تكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله، فإن خلاف ذلك لا يصلح في بلائه عندي، وإحسانه إلى، ونعمته على، وقد قلت فيما كان من سبيله والحمد لله ما رجوت به ثواب الله وموعده الصادق من المغفرة، إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم لم أجد من المصيبة فحمداً لله على ما مضى وعلى ما بقى، وعلى كل حال من أمر الدنيا والآخرة. أحببت أن أكتب إليك بذلك وأعلمكه من قضاء الله فلا أعلم ما نيح عليه في شيء من قبلك ولا اجتمع على ذلك أحد من الناس، ولا رخصت فيه لقريب من الناس ولا لبعيد، واكفني ذلك بكفاية الله، ولا ألومنك فيه إن شاء الله والسلام عليك.
من كتاب حلية الاولياء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق