قصة الحسين واهله عليهم السلام في كربلاء
مات معاوية ( رضي الله عنه ) في نصف رجب، وبايع الناس يزيد، فكتب إلى والي المدينة
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: أن ادع الناس وبايعهم، وابدأ بالوجوه، وارفق
بالحسين، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل، ودعاهما إلى بيعة يزيد، فقالا:
نصبح وننظر فيما يعمل الناس.
ووثبا، فخرجا.
وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه حسين، وأخذ بعمامته، فنزعها، فقال
الوليد: إن هجنا بهذا
إلا أسدا.
فقال له مروان أو غيره: اقتله.
قال: إن ذاك لدم مصون
.
وخرج الحسين وابن الزبير لوقتهما إلى مكة، ونزل
الحسين بمكة دار العباس، ولزم عبد الله الحجر، ولبس المعافري (المعافري: برود
باليمن منسوبة إلى قبيلة معافر)، وجعل يحرض على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى
الحسين، ويشير عليه أن يقدم العراق، ويقول: هم شيعتكم.
وكان ابن عباس ينهاه .
وقال له عبد الله بن مطيع: فداك أبي وأمي،
متعنا بنفسك ولا تسر، فوالله لئن قتلت ليتخذونا خولا وعبيدا .
ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة منصرفين من
العمرة، فقال لهما: أذكر
كما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران، فإن اجتمع عليه
الناس لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان.
وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير بين الدنيا والآخرة، فاختار
الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها،
ثم اعتنقه، وبكى، وودعه.
فكان ابن عمر يقول: غلبنا
بخروجه، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما
كان ينبغي له أن لا يتحرك .
وقال له ابن عباس: أين
تريد يا ابن فاطمة ؟
قال: العراق
وشيعتي.
قال: إني كاره
لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك...
وقال له أبو سعيد: اتق
الله، والزم بيتك.
وكلمه جابر، وأبو واقد الليثي.
قال: وكتبت إليه عمرة تعظم ما يريد أن يصنع، وتخبره أنه إنما يساق إلى
مصرعه، وتقول: حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قول: " يقتل حسين بأرض بابل " فلما قرأ كتابها، قال: فلابد إذا
من مصرعي.
وكتب إليه عبد الله بن جعفر يحذره ويناشده الله.
فكتب إليه: إني
رأيت رؤيا، رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماض له.
وأبى الحسين على كل من أشار عليه إلا المسير إلى العراق.
وقال له ابن عباس: إني
لاظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، وإني لاخاف أن تكون الذي يقاد به
عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: أبا العباس
! إنك شيخ قد كبرت.
فقال: لولا أن
يزرى بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنك تقيم، إذا لفعلت، ثم بكى، وقال:
أقررت عين ابن الزبير.
وقال أبو بكر بن عياش: كتب الاحنف إلى الحسين: (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين
لا يوقنون) (الروم: 60)
عن لبطة بن الفرزدق، عن أبيه قال: لقيت الحسين، فقلت: القلوب معك، والسيوف مع بني أمية.
ذكر ابن سعد بأسانيد له قالوا: قدَّم الحسينُ مسلما ( ابن عقيل)، وأمره أن ينزل على هانئ
بن عروة، ويكتب إليه بخبر الناس، فقدم الكوفة مستخفيا، وأتته الشيعة، فأخذ بيعتهم،
وكتب إلى الحسين: بايعني إلى الآن ثمانية عشر ألفا، فعجل، فليس دون الكوفة مانع،
فأغذ السير حتى انتهى إلى زبالة ، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مئة
ألف، وكان على الكوفة النعمان بن بشير، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين.
فكتب إلى عبيد الله وهو على البصرة.
فضم إليه الكوفة، وقال له: إن كان لك جناحان، فطر إلى الكوفة ! فبادر
متعمما متنكرا، ومر في السوق، فلما رآه السفلة، اشتدوا بين يديه: يظنونه الحسين،
وصاحوا: يا ابن رسول الله ! الحمد لله الذي أراناك، وقبلوا يده ورجله، فقال: ما
أشد ما فسد هؤلاء.
ثم دخل المسجد، فصلى ركعتين، وصعد المنبر، وكشف لثامه، وظفر برسول الحسين -
وهو عبد الله بن بقطر - فقتله.
وقدم مع عبيد الله، شريك بن الاعور - شيعي -، فنزل على هانئ بن عروة، فمرض،
فكان عبيد الله يعوده، فهيأوا لعبيد الله ثلاثين رجلا ليغتالوه، فلم يتم ذلك.
وفهم عبيد الله، فوثب وخرج، فنم عليهم عبد لهانئ، فبعث إلى هانئ - وهو شيخ
- فقال: ما حملك على أن تجير عدوي ؟ قال: يا ابن أخي، جاء حق هو أحق من حقك، فوثب
إليه عبيد الله بالعنزة حتى غرز رأسه بالحائط.
وبلغ الخبر مسلما، فخرج في نحو الاربع مئة، فما وصل إلى القصر إلا في نحو
الستين، وغربت الشمس، فاقتتلوا، وكثر عليهم أصحاب عبيد
الله، وجاء الليل، فهرب مسلم،
فاستجار بامرأة من كندة، ثم جئ به إلى عبيد الله، فقتله،
فقال: دعني أوص.
قال: نعم.
فقال لعمر بن سعد: يا
هذا ! إن لي إليك حاجة، وليس هنا قرشي غيرك، وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه
لينصرف، فإن القوم قد غروه، وكذبوه، وعلي دين فاقضه عني، ووار جثتي، ففعل ذلك.
وبعث رجلا على ناقة إلى الحسين، فلقيه على أربع مراحل، فقال له ابنه علي
الاكبر: ارجع يا أبه، فإنهم أهل العراق وغدرهم وقلة وفائهم.
فقالت بنو عقيل: ليس بحين رجوع، وحرضوه، فقال حسين لاصحابه: قد ترون ما
أتانا، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا، فمن أحب أن يرجع، فليرجع، فانصرف عنه قوم.
وأما عبيد الله فجمع المقاتلة، وبذل لهم المال، وجهز عمر بن سعد في أربعة
آلاف، فأبى، وكره قتال الحسين، فقال: لئن لم تسر إليه لاعزلنك، ولاهدمن دارك،
وأضرب عنقك.
وكان الحسين في خمسين رجلا، منهم تسعة عشر من أهل بيته.
وقال الحسين: يا
هؤلاء ! دعونا نرجع من حيث جئنا،
قالوا: لا.
وبلغ ذلك عبيد الله، فهم أن يخلي عنه، وقال: والله ما عرض لشئ من عملي، وما
أراني إلا مخل سبيله يذهب حيث يشاء، فقال شمر: إن فعلت، وفاتك الرجل، لاتستقيلها
أبدا.
فكتب إلى عمر.
الآن حيث تعلقته حبالنا يرجو
النجاة ولات حين مناص .
فناهضه، وقال لشمر: سر فإن قاتل عمر، وإلا فاقتله، وأنت على الناس.
وضبط عبيد الله الجسر، فمنع من يجوزه لما بلغه أن ناسا يتسللون إلى الحسين.
قال: فركب العسكر، وحسين جالس، فرآهم مقبلين، فقال لاخيه عباس: القهم فسلهم: مالهم ؟ فسألهم،
قالوا: أتانا
كتاب الامير يأمرنا أن نعرض عليك النزول على حكمه، أو نناجزك.
قال: انصرفوا عنا
العشية حتى ننظر الليلة، فانصرفوا.
وجمع حسين أصحابه ليلة عاشوراء، فحمد الله، وقال: إني لا أحسب القوم إلا
مقاتليكم غدا، وقد أذنت لكم جميعا، فأنتم في حل مني، وهذا الليل قد غشيكم، فمن
كانت له قوة، فليضم إليه رجلا من أهل بيتي، وتفرقوا في سوادكم، فإنهم إنما
يطلبونني، فإذا رأوني، لهوا عن طلبكم.
فقال أهل بيته:
لا أبقانا الله بعدك، والله لا نفارقك.
وقال أصحابه كذلك.
وعن أبي الجحاف، عن أبيه: أن رجلا قال للحسين: إن علي دينا.
قال: لا يقاتل
معي من عليه دين .
فلما أصبحوا، قال الحسين: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما
نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة.
وقال لعمر وجنده: لا تعجلوا، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بأن
السنة قد أميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عطلت، فاقدم لعل الله يصلح بك الامة.
فأتيت، فإذ كرهتم ذلك، فأنا راجع، فارجعوا إلى أنفسكم، هل يصلح لكم قتلي،
أو يحل دمي ؟ ألست ابن بنت نبيكم
وابن ابن عمه ؟ أو ليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي ؟ ألم يبلغكم قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفي أخي: " هذان سيدا شباب أهل الجنة
" .
فقال شمر: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول، فقال عمر: لو كان
أمرك إلي، لاجبت.
وقال الحسين: يا
عمر ! ليكونن لما ترى يوم يسوؤك.
اللهم إن أهل العراق غروني، وخدعوني، وصنعوا بأخي ما صنعوا.
اللهم شتت عليهم أمرهم، وأحصهم عددا.
فكان أول من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد، فبرز له عبد الله بن تميم
الكلبي، فقتله، والحسين جالس عليه جبة خز دكناء، والنبل يقع حوله، فوقعت نبلة في
ولد له ابن ثلاث سنين، فلبس لامته، وقاتل حوله أصحابه، حتى قتلوا جميعا، وحمل ولده علي يرتجز:
أنا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي
فجاءته طعنة، وعطش حسين فجاء رجل بماء، فتناوله، فرماه حصين ابن تميم بسهم،
فوقع في فيه، فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله.
وتوجه نحو المسناه يريد الفرات، فحالوا بينه وبين الماء، ورماه رجل بسهم،
فأثبته في حنكه، وبقي عامة يومه لا يقدم عليه أحد، حتى أحاطت به الرجالة، وهو رابط
الجأش، يقاتل قتال الفارس الشجاع، إن كان ليشد عليهم، فينكشفون عنه انكشاف المعزى
شد فيها الاسد، حتى صاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم ! ماذا تنتظرون به ؟ فانتهى إليه
زرعة التميمي، فضربه وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم طعنه في صدره فخر،
واحتز رأسه خولي الاصبحي لا رضي الله عنهما.
قال: ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون جراحة، وقتل من جيش عمر بن سعد ثمانية
وثمانون نفسا.
قال: ولم يفلت من أهل بيت الحسين سوى ولده علي الاصغر، فالحسينية من ذريته،
كان مريضا.
وحسن بن حسن بن علي وله ذرية، وأخوه عمرو، ولا عقب له، والقاسم بن عبد الله
بن جعفر، ومحمد بن عقيل، فقدم بهم وبزينب وفاطمة بنتي علي، وفاطمة وسكينة بنتي
الحسين، وزوجته الرباب الكلبية والدة سكينة، وأم محمد بنت الحسن بن علي، وعبيد
وإماء لهم.
قال: وأخذ ثقل الحسين، وأخذ رجل حلي فاطمة بنت الحسين، وبكى، فقالت: لم
تبكي ؟ فقال: أأسلب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبكي ؟ قالت: فدعه،
قال: أخاف أن يأخذه غيري.
وأقبل عمر بن سعد، فقال: ما رجع إلى أهله بشر مما رجعت به، أطعت ابن زياد،
وعصيت الله، وقطعت الرحم.
وورد البشير على يزيد، فلما أخبره، دمعت عيناه، وقال: كنت أرضى من طاعتكم
بدون قتل الحسين.
وقالت سكينة: يا
يزيد، أبنات رسول الله سبايا ؟ قال: يا بنت أخي هو والله علي أشد منه عليك، أقسمت
ولو أن بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه،
فقال : رحم
الله حسينا، عجل عليه ابن زياد، أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل
عنه إلا بنقص بعض عمري، لاحببت أن أدفعه عنه، ولوددت أن أتيت به سلما.
ثم أقبل على علي بن الحسين، فقال: أبوك قطع رحمي، ونازعني سلطاني.
فقام رجل، فقال: إن سباءهم لنا حلال.
قال علي: كذبت
إلا أن تخرج من ملتنا.
فأطرق يزيد، وأمر بالنساء، فأدخلن على نسائه، وأمر نساء آل أبي سفيان،
فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام، إلى أن قال: وبكت أم كلثوم بنت عبد الله بن
عامر، فقال يزيد وهو زوجها: حق لها أن تعول على كبير قريش وسيدها.
هذه قصة استشهاد الحسين رضي الله عنه واهل بيته
عليهم السلام من دون خرافات او اساطير او أكاذيب رواها اهل الإسلام بأمانة و حياد
مع وجود زيادات مختلف في صدقها وحقيقتها. فرحم الله الحسين ورحم من سار على سنته
وسنة ابيه و صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وجمعنا بهم ان شاء الله ((
إخواناً على سُررٍ متقابلين )).
منقول بتصرف من كتاب "سير
اعلام النبلاء" للذهبي رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق