السبت، 4 يوليو 2015

قصة الموت بين بغداد والقاهرة ...... 7


الفصل السابع

في الخامسة فجراً تفاجأ أحمد بصوت دقات على باب غرفته . فتح احمد الباب ليجد رجلا متوسط الطول انيق المظهر قد تجاوز الاربعين ويحمل في يده حقيبة بلاستيكية.
-       صباح الخير.
-       صباح الخير
-       سيد ناصر.
-       نعم.
-       انا كمال ارسلني سيد "روكان".
-       تفضل , ادخل.
-       لقد طلب مني سيد روكان ان اساعدك في الوصول الى سامراء.
فتح كمال حقيبته البلاستيكية وأخرج سترة جلدية خفيفة .
-       البس هذه , انها تحوي جيوبا خفية كثيرة من الممكن ان تخفي فيها بطاقات الهوية الموجودة عندك ... لقد اشتريت لك سيارة صغيرة لتذهب بها الى سامراء وقد اعددت لك اوراقها بنسختين مختلفتين كل واحدة منها باسم هوية من التي تحملها.
اخرج كمال من الحقيبة وثائق شراء السيارة وناولها لاحمد الذي قرأها كانت فعلا نسختين متطابقتين ولكن كل منها باسم مختلف. احداها باسم "برهان شيروان محمد" والأخرى باسم "حسين جعفر علي".
-       بطاقة الهوية باسم "برهان" ستظهرها لمسلحي داعش والاخرى ستظهرها لقوات الحكومة والميليشيات. ....
-       حسناً.
-       لقد كلفتني السيارة والاوراق خمس وعشرون الف دولار.
اضاف كمال. كان قد تبقى لدى احمد ما يقرب من سبع وعشرين الف دولار من الاموال التي ارسلها اليه "ابو عامر" , دفع احمد لكمال النقود التي طلبها. ثم اخرج كمال هاتف محمول من حقيبته.
-       هذا جهاز اتصال محمول حديث فيه ارقام هواتف مختلفة و باسماء محايدة ... اذا اوقفك المسلحون أياً كانوا من داعش او الميليشيا فسيحاولون التأكد من حقيقة هويتك وعادةً ما يقومون بالاتصال على الارقام الموجودة في الهاتف ... اذا قاموا بالاتصال فجميع هذه الارقام تعود لرجالنا و عندها سندعم قصتك ...
مد "كمال" يده بالجهاز الى احمد ثم وقبل ان يناوله اياه اشار الى زرين على جانبي الهاتف.
-       اذا وقعت في يد داعش اصغط الزر الايمن واذا وقعت في يد الميليشيات اضغط الزر الايسر , ستصلنا إشارة وعلى ضوءها سنستطيع موائمة روايتنا مع روايتك .
ثم فصل كمال لاحمد الروايتين التي سيرويها في حال وقع في اسر داعش او الميليشيات. 
ارتدى احمد السترة الجلدية واخفى فيها البطاقتين ووثائق السيارة.
 نزل احمد مع كمال الى خارج الفندق , حيث اوقف كمال السيارة التي اشتراها لاحمد.
انطلقت السيارة يسوقها احمد و الى جواره كمال يرشده الطريق, اوضح له كمال انهما سيتجهان الى مدينة كركوك ومنها الى محافظة صلاح الدين.
كان احمد سيمثل دور شخص عراقي وكان بحاجة الى ان يفهم وضع هذا البلد و والتاريخ القريب له وكيف آل الى هذا الحال لذلك بادر بالاسئلة :
-  سيد كمال, كيف اصبح العراق بهذا الحال , لقد كنت في شبابي اسمع عن العراق وعن قوة الجيش العراقي , كيف سقط العراق بسهولة تحت الاحتلال الامريكي ووصل الى هذه الحالة المزرية و المظلمة.
اخذ كمال نفسا عميقا و زفر زفرةً مسموعة .
-  انها قصة طويلة و حزينة .
-  دعني اسمعها.
-  القصة ترجع بدايتها الى نهاية الثمانينات , كان العراق قد انهى حربه مع ايران بانتصار كبير وقد اصبح لصدام بعد نهاية الحرب جيش كبير يقرب من مليون جندي و يمتلك 2000 دبابة و قوة جوية كبيرة و قوة صاروخية تستطيع ضرب اسرائيل بالاضافة الى قاعدة صناعية حربية قوية مع امتلاكه اسلحة الدمار الشامل ومشروع نشط للحصول على السلاح النووي. وبذلك تجاوز العراق خطوطاً حمراء كثيرة لامريكا واسرائيل ... كل هذه الامور وامور اخرى جعلت امريكا تقرر تدمير العراق وايقاف تهديده على مصالحها في المنطقة و حينها كان صدام يحظى بالتفاف عربي شعبي وسياسي كبير لذلك كان ضرب العراق صعب المنال لذلك تم استدراج صدام لاحتلال الكويت و عندما وقع صدام في الفخ اصبح سهلاً على امريكا جمع الحلفاء والتخطيط لحرب تحرير الكويت , في تلك المعركة تم تدمير معظم قوات الجيش العراقي القوية و دمرت القوة الجوية و تم تدمير الكثير من مصانع الانتاج الحربي و المشاريع الصناعية . بعد الحرب تم فرض الحصار على العراق وهو اقسى حصار فرض على دولة في العالم , تم منع العراق من بيع نفطه و خسرت الدولة معظم ارصدتها في البنوك العالمية وتم فرض ضوابط قاسية على المواد المستوردة.  مُنعت الادوية ولقاحات الاطفال وحتى اقلام الرصاص بحجة امكانية استخدامها في صنع اسلحة الدمار الشامل ... عانى الشعب العراقي لاكثر من اثني عشرة سنة من الموت البطيء ... عانى معظم الشعب من الجوع  و المرض و اضطر الكثير الى الهجرة خارج العراق و سافر اكثر اساتذة الجامعات والمثقفين للعمل في الخارج او للهجرة . دمر الحصار معنويات الشعب العراقي و اقتنع بضرورة البحث عن بديل عن نظام صدام للخروج من هذه المأساة.
-  والجيش العراقي ماذا حل به ؟
-  في عام 2003 كانت معظم اسلحة الجيش العراقي قديمة تعود الى حقبة السبيعينات و كان في حرب الكويت قد تعرض الى خسارة افضل قطعاته و بدون قوة جوية و نظام دفاع جوي حديث و نظام اتصالات متطور اصبح جيشاً متخلفاً في مواجهة الجيش الامريكي ... اما على المستوى القيادات العسكرية فبعد حرب الكويت و بسبب القرارات الخاطئة والجسيمة التي ارتكبها صدام زاد حنق ضباط الجيش عليه وجرت عدة محاولات من قبل الجيش للاطاحة به ولكنها فشلت وادت الى اعدام الكثير من ضباطه و جعل ذلك صدام يولي اقاربه واولاده قيادة الجيش و وزارة الدفاع مما زاد من سوء حالة الجيش.
-  وبغداد كيف سقطت بهذه السرعة ؟
-  كما قلت لك , بعد عشر سنوات من الحصار والمعاناة لم يكن هناك أحد من الشعب مستعدا للقتال وكان الجيش العراقي في اسوء احواله وعندما بدأ الغزو الامريكي قامت امريكيا بشن غارات صاروخية و جوية مكثفة و متواصلة دامت اكثر من اسبوعين تم خلالها تدمير معظم قطعات الجيش العراقي قبل ان تدخل المعركة , لذلك عندما تقدمت القوات الامريكية باتجاه بغداد و كانت مسؤولية حمايتها بيد قصي ابن صدام , وهو شاب لا يفهم شيء في العسكرية , دخلت القوات الامريكية بسهولة الى بغداد , كما إن اكثر القوات فرت من المعركة بعد هروب صدام وقيادات الدولة من بغداد.   
-  و بعد الاحتلال ماذا حصل ؟
- احتلت امريكا العراق و قامت بحل الجيش العراقي والمخابرات والتصنيع العسكري و تم تسليم حكم العراق الى احزاب موالية لايران و تم تقديم العراق على طبق من ذهب الى ايران واصبح العراق منذ ذلك اليوم يدار باشراف ايران مع التفاهم مع الامريكان , وبعد انسحاب الامريكي عام 2010 اصبح العراق كمحافظة ايرانية وقامت ايران عن طريق عملائها بسحب اموال العراق لمقاومة الحصار المفروض عليها والانفاق على تدخلاتها في العراق وسوريا وفي باقي دول المنطقة.
وجد احمد في كمال فرصة ليزيد من حجم معلوماته وتصوراته حول الاحداث الجارية فاستمر في طرح الاسئلة.
-  و داعش كيف ظهرت ؟
-  في السنوات الاخيرة احكمت ايران قبضتها على العراق خاصة بعد الانسحاب العلني للقوات الامريكية , وبدأت ايران عبر حكومة المالكي الطائفية بالتنكيل بالسنة بشدة , ادى ذلك الى تزايد غظب المحافظات السنية ضد الحكومة و نتيجة لذلك نشطت الحركات المتشددة مثل داعش.
 - وكردستان
 -  ما بها
-  ما حالها
-  كردستان تعيش عصرها الذهبي وتعيش فرصتها.
- الان خبرني عن ذلك العالم الذي يجب اخراجه من سامراء.
- ظننتك لن تسالني عنه ! ... اسمه "عبد الكريم محمد احمد" ...
اخرج "كمال" من جيبه ورقة صغيرة و ناولها أحمد .
-       هذا عنوانه ورقم هاتفه .
قرأ احمد الورقة بسرعة و بمهارته استطاع حفظ محتواها على الفور ثم اخفاها في احد جيوب سترته.
-       من يهدده بالقتل و لماذا ؟
-       لا أعلم.
-       كيف سيكون شكل التهديد الذي قد يتعرض له.
-       طرق الاغتيال في العراق متنوعة و كثيرة مثلا هناك العبوات اللاصقة و السيطرات الوهمية والمفارز المتحركة وغيرها.
-       وكيف ساتعرف عليه ؟
-       ستتصل به وسيحدد لك مكانا لتلتقي به لانه مختفي في مكان مجهول .
-       وكيف سيثق بي ؟
-       قل انك من طرف " ابو عامر".
-       وكيف سنخرج من سامراء ؟
-       عندما تصل الى الدكتور اطلب منه ان يدلك على طريق كركوك , ما أن تخرج من حدود المدينة اتصل بنا على هذا الرقم .
اعطى كمال بطاقة فيها رقم الى احمد.
-       عندما تتصل بهذ الرقم سنستطيع تحديد موقعك وسنرسل لك قوة خاصة لاخراجكم من ذلك المكان في الوقت المناسب.
-       اذن لماذا لا ترسلون تلك القوة لاخراجه من سامراء بدلا من المخاطرة بحياتي ؟
-       نحن لا نخاطر بحياتك انت قبلت المهمة , و نحن لا نستطيع ارسال قوة الى سامراء لان الميليشيا لن تسمح لقوات البيشمركة الكردية بدخولها اضافة الى اننا لا نعرف مكان الدكتور بالضبط.
اثناء السير سهل "كمال" لأحمد عبور نقاط التفتيش , كان واضحا لاحمد ان كمال يشغل منصبا امنيا مهما يتيح له فرض ارادته على تلك النقاط. بعد ساعات من السير شرح خلالها كمال لاحمد خارطة الطريق على جهاز التموضع العالمي وتفاصيل الطرق و المناطق التي سيمر بها وصلت السيارة لابعد نقطة يمكن ان يصلها كمال مع احمد.


ليست هناك تعليقات: