قال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء : آدابُ الدعاء عشرة :
الأول : أن يترصَّدَ الأزمان
الشريفة كيوم عَرَفَة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار.
الثاني : أن يغتنمَ الأحوالَ
الشريفة كحالة السجود والتقاء الجيوش ونزول الغيث وإقامة الصلاة وبعدَها . قلتُ :
وحالة رقّة القلب.
الثالث : استقبالُ القبلة ورفعُ
اليدين .
الرابع : خفضُ الصوت بين المخافتة
والجهر .
الخامس أن لا يتكلَّف السجعَ وقد
فسَّر به الاعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد
يُحسن الدعاءَ فيخاف عليه الاعتداء . وقال بعضهم : ادعُ بلسان الذلّة والافتقار لا
بلسان الفصاحة والانطلاق ويُقال : إن العلماء لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات
ويشهد له ما ذكره اللّه سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة { رَبَّنا لا
تُؤَاخِذْنا } إلى آخرها [ البقرة : 286 ] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية عباده
بأكثر من ذلك . قلتُ : ومثلهُ قول اللّه سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى اللّه
عليه وسلم : { وَإِذْ قالَ إِبْرَاهِيمُ : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً }
إلى آخره [ إبراهيم : 35 ] . قلتُ : والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا
حجرَ في ذلك ولا تُكرهُ الزيادةُ على السبع بل يُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء مطلقاً
.
السادس : التضرّعُ والخشوعُ
والرهبة قال اللّه تعالى : { إنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ في الخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وكانُوا لَنا خاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90 ] وقال
تعالى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [ الأعراف : 55 ]
السابع : أن يجزمَ بالطلب ويُوقن
بالإِجابة ويصدقَ رجاءه فيها ودلائلُه كثيرةٌ مشهورة . قال سفيان بن عُيينة رحمه
اللّه : لا يمنعنّ أحدَكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه فإن اللّه تعالى أجاب شرّ
المخلوقين إبليس إذ { قال أنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قالَ إِنَّكَ منَ
المُنْظَرِينَ } [ الأعراف : 14 - 15 ]
الثامن : أن يُلحّ في الدعاء
ويكرّره ثلاثاً ولا يستبطىء الإِجابة.
التاسع : أن يفتتح الدعاء بذكر
اللّه تعالى . قلتُ : وبالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد الحمد للّه
تعالى والثناء عليه ويختمه بذلك كله أيضاً .
العاشر : وهو أهمّها والأصل في
الإِجابة وهو التوبةُ وردُّ المظالم والإِقبال على اللّه تعالى.
[ فصل ] : قال
الغزالي : فإن قيل : فما فائدة الدعاء مع أن القضاءَ لا مَرَدَّ له ؟ فاعلم أن من
جملة القضاء ردّ البلاء بالدعاء فالدعاءُ سببٌ لردّ البلاء ووجود الرحمة كما أن
الترسَ سبب لدفع السلاح والماءُ سببٌ لخروج النبات من الأرض فكما أن الترسَ يدفع
السهمَ فيتدافعان فكذلك الدعاءُ والبلاء وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحملَ
السلاح وقد قال اللّه تعالى : { وَلْيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأسْلِحَتَهُمْ } [
النساء : 102 ] فقدَّرَ اللّه تعالى الأمرَ وقدَّرَ سبَبه . وفيه من الفوائد ما
ذكرناه وهو حضور القلب والافتقار وهما نهاية العبادة والمعرفة واللّه أعلم .
منقول
بتصرف من كتاب الاذكار للامام النووي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق