الجمعة، 20 يونيو 2014

مغامرة "معركة البحر الاحمر" الحلقة الرابعة ( الوقوع في الفخ )

الوقوع في الفخ
في اليوم التالي وصل احمد في ساعة مبكرة الى مطار اسمرة عاصمة ارتريا ليبحث عن رقم 37 بصفته شقيقه الاكبر , و وفقا للاجراءات الاعتيادية نزل في احد الفنادق , ثم استأجر سيارة الى السفارة المصرية حيث طلب مساعدته على ايجاد شقيقه "عمرو".
استقبله موظف في السفارة وبعد عدة اسئلة واستفسارات تم اجراء اتصالات بين السفارة و جهات حكومية في أسمرة , تم اخباره بان اخيه مفقود وانهم لا يملكون اي معلومات عنه . شكرهم احمد وغادر السفارة و ذهب الى الميناء حيث حجز مكانا في عبارة لنقل المسافرين الى دهلك.
قبل زوال شمس ذلك اليوم وصل احمد الى ميناء دهلك. حيث استقل سيارة أجرة الى مقر موقع مشروع شركة العمران , ما أن وصل حتى ذهب مباشرة الى مكتب مدير الموقع وطلب مقابلته. بعد انتظار لدقائق سُمح له بمقابلة المدير الذي استقبله بترحاب :
-         اهلا وسهلا بك , تفضل !
-         انا "سامح سعيد" اخ الموظف لديكم "عمرو سعيد".
-         سامح سعيد ... تذكرته , انه عامل جيد وتقني كفوء.
-         سيدي انه مفقود منذ ثلاثة أيام واود ان اعرف هل لديكم معلومات منه.
-         ساتأكد من الادارة.
رفع المدير سماعة الهاتف واجرى اتصالاً وتكلم مع الادارة عن سامح سعيد الموظف لديه , استمع لاجابات اسئلته ثم اغلق سماعة الهاتف وعاد الى مخاطبة احمد :
-         سيد سامح , الادارة ابلغتني انه غائب منذ ثلاثة ايام , ولا يجيب على اتصالاتنا !
-         ضننت انني استطيع ان اعرف معلومات اكثر منكم.
-         انا اسف استاذ "سامح" ولكن معلوماتنا محصورة بوقت تواجده في الموقع , وقد اكمل عمله وخرج من الموقع بسلام و امان , تستطيع السؤال عنه في موقع سكناه.
-         اشكرك سيدي على سعة صدرك.
خرج احمد من موقع المشروع واستأجر سيارة الى موقع السكن للاخ المفقود. سارت السيارة بأحمد دقيقتين قبل ان تعترضها فجأةً سيارة شرطة قادمة من الاتجاه المعاكس , اوقف سائق سيارة الاجرة السيارة اثر اشارة من احد الشرطيين في السيارة.
ترجل احدهم واقترب من سائق الاجرة وطلب منه اوراقه , تطلع فيها ثم تحول الى احمد وطلب اوراقه كذلك , اخرج احمد جوازه وسلمه اليه , تطلع في الجواز مليا ثم طلب من احمد الترجل من السيارة , ترجل احمد من السيارة ففتشه الشرطي ثم قال له :
-         ستأتي معنا.
-         لماذا
-         سنتحقق من هويتك , اعطني يديك.
-         هل ستقوم باعتقالي ؟
-         كلا , انه اجراء احترازي , مد يديك ولا تجبرني على استخدام القوة معك.
مد احمد يديه فوضع الشرطي القيود فيها , ادرك احمد ان هذه هي الطريقة ذاتها التي استخدمت للقبض على رقم 37 , نظر احمد الى سيارة الشرطة فوجدها سيارة شرطة عادية تحمل الشارات المعروفة وهي من طراز قديم وبنظرة فاحصة وخبيرة لم يجد فيها ما يشير على احتوائها على جهاز مضاد للاتصالات اللاسلكية. قاده الشرطي واجلسه في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة ثم طلب من سائق الاجرة التحرك. ركب الشرطي وسارت سيارة الشرطة قليلا ثم اتجهت الى طريق ترابي يمتد في الصحراء.
-         اين تأخذوني ؟
قال احمد , التفت  الشرطي اليه ونظر اليه بنظرة صارمة :
-         اصمت.
-         اريد الاتصال بالسفارة.
-         عندما نصل سنسمح لك بالاتصال.
كان احمد يدرك انها عملية اعتقال ولكن سياق العمل يفرض عليه التمسك بالدور الذي يؤديه الى اخر لحظة ممكن ان يستمر فيها. كان اعتقال احمد من قبل الجهة التي اعتقلت رقم 37 واردا في خطة الانقاذ , الا ان هذا الحدث المتوقع حدث سريعا جداً.
توقفت السيارة فجأة , التفت اليه الشرطي :
-         سأغطي رأسك , ان حاولت المقاومة ستتعرض للضرب.
اخرج الشرطي كيسا قماشيا اسود والبسه في رأس احمد. ضغط احمد فص خاتمه واطلق اشارة النجدة وفعل اجهزة التتبع والتنصت التي يحملها معه. كان احمد يفكر في الثواني السبعة التي استغرقها المختطفون لرقم 37 لتعطيل الاجهزة التي كان يحملها , كان احمد يحسب الوقت في نفسه بحساب الثواني وينصت بحرص محاولا رصد الاصوات التي قد يسمعها خلال الثواني القادمة. ادرك احمد ان الذَّين اعتقلاه عنصران من الشرطة لكنهما عميلين لجهة اخرى وانهما سيسلمانه لتلك الجهة كما سلما رقم 37 من قبل.
مرت الثواني العشرون دون جديد , فكر احمد ان ترتيب عملية القبض على رقم 37 كانت اكثر دقة لانهم كان يراقبوه ويعرفون تحركاته لذلك لم تستغرق عملية اختفائه اكثر من 7 ثواني , بينما طالت هنا بسبب ان موعد حضوره لم يكن معروفا مسبقا لدى المختطفين وهذا يشير الى انهم احسوا بحضوره بعد وصوله الى موقع المشروع وان عيونهم موجودة في الموقع.

في الثانية الاربعين احس احمد بحركة كان صوت سيارة تقترب بسرعة عالية , توفت فجأة ساد الصمت احس باصوات مكتومة لحركة اقدام تسير على الرمال تقترب منه. فجأة احس بوخزة في رقبته , ادرك احمد انه حقن بمادة ما ولكن هل هي سم او مادة مخدرة , تشّهد احمد "اشهد ان لا اله الا الله " وبدأ يفقد وعيه.

الخميس، 19 يونيو 2014

معركة البحر الاحمر (الحلقة الثالثة) : جزيرة المهربين

جزيرة المهربين

على بعد مئات الكيلومترات من دهلك , كان هناك قارب سريع يقترب من جزيرة كمران* اليمينة من حدودها الشمالية الغربية , كان هناك راكبان على ظهر ذلك القارب , رقم 46 و مندوب القوة في اليمن "سيف" , كان القارب يقترب من ساحل الجزيرة بالقرب من قرية "مكرم" عندما بدأت زخات من المطر بالتساقط.

وصل القارب الى الشاطىء وتوقفوا بالقرب من مجموعة من زوارق الصيادين , بعد أن ربطا القارب نزل الاثنان الى الشاطىء.

كان هناك عدد من الصيادين الذين اقتربوا للترحيب بالسائحين الجديدين :

سيف – السلام عليكم .

- السلام عليكم.

- انا سيف وهذا "جان" صحفي من فرنسا , قدمنا من صنعاء.

انتحل رقم 46 شخصية مصور فرنسي قادم الى اليمن في عمل صحفي.

تقدم احد الصيادين من سيف وقدم نفسه:

- مرحبا , بكم في مكرم , أسمي "محمد".

تصافح السائحان مع مجموعة الصيادين بعد ذلك ثم دعاهم "محمد" الى منزله وقدم لهم الشاي.

- "جان" غواص ومصور فرنسي يصور افلاما عن البحر الاحمر و مناطق الغوص و المرجان و اللؤلؤ , وانا اصحبه كمترجم.

- اهلا بكم , نحن نرحب بالسياح ونقدم لهم كل ما نستطيع من خدمة ومساعدة.

- جزاكم الله كل خير , و الرجل سيدفع أي أجور تطلبونها مقابل ذلك.

- هل تحتاجون الى مكان تنامون فيه ؟

- نعم.

- لدينا اكواخ صغيرة للسكن , انها غير مريحة ولكنها كل ما نملكه في القرية.

- لا بأس , "جان" يقضي معظم وقته في الغوص والتصوير.

- تعالوا معي لأدلكم على مسكنكم.

تكلم سيف مع جان بالفرنسية وشرح له الحديث الذي دار مع الصياد وذلك لتمثيل دوره بدقة. 

تحرك الجميع الى الخارج حيث قادهم محمد الى كوخ صغير قريب من الشاطىء حيث سيكون منزلهم طيلة بقائهم في الجزيرة , قدم جان الى محمد مبلغ من المال كدفعة مقدمة كأجرة للنزل ومقابل اتعابه معهم , بعد ذلك حمل سيف و جان امتعتهم من الزورق الى الكوخ.

كان الشمس قد توسطت كبد السماء عندما توقفت زخات المطر وعادت اشعة الشمس للظهور , اخذ سيف و جان قسطا من الراحة ثم انطلق الاثنان وقد حمل سيف حقيبة جلدية كبيرة باتجاه تجمع من الصيادين. 

- السلام عليكم ... هل تدلونا على كبير الصيادين في القرية.

- انه "ابو حمزة" يسكن في طرف البلدة.

- هل تدلونا على بيته.

تطوع احد الشباب من الجالسين فقام لارشادهم الى بيت "ابو حمزة".

وصل الثلاثة الى بيت صغير حيث كانت مجموعة من الاطفال تلعب امام البيت حيث اشار الشاب اليهم للانتظار فيما اسرع الى داخل البيت ثم عاد مسرعا :

- سيخرج لكم جدي بعد قليل ؟

شكره سيف على مساعدته لهم.

ثوان وخرج لهم "ابو حمزة" كان شيخا قد تجاوز الستين من عمره خطت وجهه السنون , طويل القامة , نحيلا ولكن صلب البنية. تقدم ناحيتهم وقد التف الاطفال من حوله , صافحهم الرجل ورحب بهم بحرارة ودعاهم الى الدخول الى البيت.

- سيد "ابو حمزة" , اقدم لك جان انه صحفي فرنسي وهو يصور فيلما عن البحر الاحمر وعن كنوزه الطبيعية وعن صيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان وغيره .. وهو يود اجراء مقابلة معك امام الكاميرة حيث سيسئلك اسئلة وانا اترجمها لك وانت تجاوب وهو سيصور المقابلة و بعد ذلك انا ساترجمها له.

- لا بأس يا بني.

- نشكر لك ذلك سيد ابو حمزة , هل نستطيع البدء الان.

- كما تشاء.

تكلم سيف بالفرنسي مع جان و وضح له استعداد "ابو حمزة" لبدء المقابلة.

أخرج جان من الحقيبة الجلدية كاميرة رقمية خاصة بالتصوير التلفزيوني ثم طلب من سيف مساعدته في ترتيب المكان ثم اختار مكانا مشمسا وزاوية جيدة للتصوير وثبت كاميرته ثم طلب من "ابو حمزة" الجلوس في المكان المناسب لتصوير اللقاء.

كان رقم 46 أو "جان" مصورا حقيقيا لذلك اجرى ترتيبات حقيقية لاحكام الدور الذي يلعبه . بدأ جان بتشغيل الكاميرا وبدأ بالقاء الاسئلة بالفرنسي و سيف يترجمها للشيخ , كانت الاسئلة معدة سلفا وكان جان يقرأها من دفتر صغير حمله معه , بدأت الاسئلة حول جزيرة كرمان والصيد فيها وايام زمان وهكذا , وكان "ابو حمزة" يجيب بإسهاب وبسرور فقد كانت تلك الاسئلة تعيد له الذكريات الجميلة ايام الشباب و القوة , استمرت نصف الساعة الأولى على هذا المنوال ثم انتقلت الاسئلة عن مصائد اللؤلؤ والمرجان وبدأت الاسئلة تبتعد عن جزيرة كرمان نحو الغرب ...

- سيد ابو حمزة , انوي اكمال رحلتي الى جزيرة دهلك فهل ذهبت اليها ؟

- ذهبت اليها عندما كنت شابا مع ابي.

- هل ما زلتم تذهبون اليها ؟

- كلا , منذ حدثت الحرب لم يعد بامكاننا الاقتراب منها بسبب خفر السواحل. 

- لدي ترخيص للتصوير هناك وساذهب في الاسبوع القادم اليها وقد سمعت انها تحوي اكثر من 100 جزيرة , فأي الجزر تنصحني بزيارتها ؟

- لقد ذهبت اليها منذ زمن بعيد وكنا نذهب الى دهلك فهي جزيرة كبيرة وجميلة وكنا نشتري منهم اللؤلؤ واشياء كثيرة.

- حسنا , سيد ابو حمزة انا مصور واحاول اثناء عملي الحصول على لقطات نادرة وتصوير مناطق لم تصور بعد , فهل تتذكر في جزر دهلك وجود اماكن غريبة او جزر مميزة او شيء من هذ القبيل ؟

- انها جزر عادية وجزيرتنا وجزرنا القريبة اجمل منها ... ولكني اذكر كمكان غريب اني زرت في طفولتي جزيرة المهربين ... 

- جزيرة المهربين , لقد شوقتني !

كان الهدف من رحلة الفريق الى كرمان هي جمع معلومات عن جزيرة مليئة بالكهوف البحرية في أرخبيل دهلك يعتقد ان القوات البحرية الاسرائيلية تتخذها قاعدة بحرية للغواصات والسفن العسكرية و بسبب العلاقة القديمة بين صيادي كرمان واهالي دهلك فانه كان من المتوقع ان صيادي كرمان لديهم معلومات مفيدة عن جزر دهلك , لذلك وجدت رئاسة القوة ان جمع المعلومات من اهالي كرمان سيكون أكثر أمناً وسلامة لأفراد القوة.

- انها جزيرة صغيرة , ولكنها مليئة بالكهوف البحرية , كان يختفي فيها القراصنة في القديم و المهربين ولكنها كهوفها جميلة وغريبة.

- هل تستطيع ان تحدد لي مكانها ؟

- يا بني لقد ذهبت لها في طفولتي , و لا اذكر مكانها.

- هل هناك من يعرف مكانها ؟

- اعتقد "سلمان" يعرف مكانها ؟

- هل هو موجود الآن في القرية ؟

- نعم.

- هل هي جميلة و مميزة وتستحق ان نصورها ؟

- اعتقد ذلك.

استمر سيف و جان بطرح اسئلة اخرى الغوص لابعاد الانتباه عن موضوع دهلك ثم قاموا بانهاء المقابلة.

- أشكرك جدا سيد "ابو حمزة" , قضينا معك وقتا جميلا.

- الشكر لله يا بني.

- هل يستطيع احد اولادك ان يدلنا على بيت "سلمان".

- يا "أحمد" يا "أحمد" ... 

نادى الشيخ , فجاء صبي في العاشرة .

- دلهم على بيت "سلمان".

- تعالوا معي.

شكر سيف و جان "ابو حمزة" مرة ثانية وشدوا على يديه و ودعوه.

بعد دقائق وصل سيف و جان الى بيت "سلمان" , كان الوقت قد جاوز العصر. دق سيف باب البيت الصغير , دقائق قبل ان تفتح الباب , ظهر من البيت رجل في الخمسين من عمره مملوء الجسم ظهرت على وجهه علامات الدهشة عندما رأى سيف و جان ذي الملامح الغربية و هو يحمل كاميرة في يده.

- السلام عليكم.

- و عليكم السلام.

- سيد "سلمان".

- نعم.

- انا سيف من صنعاء اعمل مترجم مع سيد "جان" وهو صحفي ومصور من "فرنسا" .

- ماذا تريدون ؟

- نحن نصور برنامجا عن افضل اماكن للغوص في المنطقة ؟

- حسنا.

- نود تصوير لقاء معك.

- ليس لدي وقت.

- سندفع لك أجرا مقابل ذلك يا سيد "سلمان".

- انا فعلاً ليس لدي وقت.

- اذن هل من الممكن أن تجيبنا على سؤال واحد ؟

- ما هو ؟

- اخبرنا "ابو حمزة" انك تستطيع ان ترشدنا الى جزيرة المهربين.

تغيرت التعابير على وجه "سلمان" من الدهشة الى الغضب :

- يبدو ان السنين قد اثرت على عقل "ابو حمزة" ... انا لا اعرف جزيرة المهربين و لا مكانها.

- سيد "سلمان" , سيد جان يبحث عن مواقع ومناظر مميزة وقد أخبرنا "ابو حمزة" ان في جزيرة المهربين كهوف و مناظر جميلة و مميزة , لذلك فقط نريد ان ترشدنا الى مكانها.

- انا لا اعلم عن ماذا تتكلمان , هناك جزيرة كما تصفون , لكني لم اذهب اليها منذ اكثر من ثلاثين عاما و لست متأكدا من مكانها.

- سيد سلمان فقط اوصف لنا الطريق وسندفع لك جائزة مقابل ذلك.

تغير وجه سلمان عندما سمع بالجائزة و ظهر اكثر تجاوبا :

- انا ليس لدي خريطة او ما شابه ولكني اذكر اننا للذهاب اليها , كنا نبحر بعيدا الى شمال جزيرة دهلك ثم نتجه الى أقصى الغرب الى جزيرة اصغر من جزيرة نورة ... جزيرة فيها كهوف كثيرة , لقد مر زمان طويل على ذهابنا اليها ومنذ الحرب لم نعد نستطيع الوصول الى تلك الجزر بسبب خفر السواحل.

- هل هناك اماكن اخرى جميلة للغوص او مميزة للتصوير. 

بدأ سلمان يعدد اماكن الغوص الموجودة حول الجزيرة وسيف و جان يصغيان اليه متظاهرين بالاهتمام.

بعد ان انهى سلمان كلامه شكراه ودفع اليه جان مبلغا من المال جزاء المعلومات المفيدة التي اعطاها اياهم. 

عاد الاثنان الى مسكنهما حاملان معداتهم وحقيبتهم الجلدية في انتظار يوم عمل شاق و طويل.





* تقع جزيرة كمران اليمنية غرب اليمن على بُعد حوالي 6 كيلومترات من ميناء الصليف ، وهي جزيرة ذات طبيعة جميلة وخلابة وتصلح كموقع سياحي في البحر الاحمر وهي بحاجة للاستثمار. 

قصة "معركة البحر الاحمر" , الحلقة الثانية (البحث عن المرجان)


البحث عن المرجان

استمر احمد و ابو رامز في الاجتماع الذي سادته دقائق طويلة من الصمت والتفكير تخلله طرح افكار واسئلة من احمد على ابو رامز. مع مرور الليل واقتراب ساعات الفجر بدت الخطة تتبلور وبدا الاثنان في مناقشة التفاصيل الدقيقة لمحاور تلك الخطة الى أن وصلوا الى مفصل مهم في تلك الخطة فقال احمد :

- نحتاج في هذه المرحلة الى رأي كابتن سليم فهو الوحيد الذي سيحكم على هذا الجزء من الخطة.

- ساتصل به واطلب حضوره بأسرع وقت.

خرج ابو رامز الى خارج غرفة الاجتماعات العازلة ثم عاد بعد قليل :

- سيوافينا الى هنا في التاسعة صباحا.

استمر الاثنان في وضع الخطة ورسم تفاصيل العملية.

في السابعة وصل الرئيس الى غرفة الاجتماعات وعرض ابو رامز الخطة التي توصلا اليها.

استمر الاجتماع و الحوار لحين حظور كابتن سليم الى غرفة الاجتماعات. استغرق الجميع ذلك اليوم في سلسلة من الاجتماعات المتلاحقة انتهت بوضع التفاصيل الدقيقة لعملية الانقاذ التي سميت عملية "البحث عن المرجان".

بعد يومين طار احمد الى القاهرة وهناك حصل على هوية مستعارة لشخصية مجهولة تظهر انه شقيق لرقم 37 حيث بدأ اتصالاته من هناك بمقر الشركة التي كان يعمل فيها رقم 37 :

- الو شركة العمران !

- نعم , مكتب شركة العمران للاستثمار , تفضل !

- انا سامح سعيد اخ السيد عمرو الموظف لديكم.

- أهلا وسهلاً سيد سامح , كيف استطيع خدمتك ؟

- انا احاول الاتصال باخي منذ ايام وهو لا يجيب , هل استطيع أن اطمئن عليه ؟

- سيدي , ارجو ان تعاود الاتصال بعد ساعة وخلال ذلك ساستفسر لك عن السيد عمرو سعيد.

- اشكرك و سأعاود الاتصال بعد ساعة.

- الى اللقاء.

بعد ساعة عاود أحمد الأتصال :

- الو شركة العمران ؟

- سيد سامح سعيد ؟

- نعم , هل هناك معلومات عن أخي ؟

- سيد سامح , أخوك ترك العمل منذ ثلاثة أيام وهو غائب منذ ذلك الوقت و ليس للشركة أية معلومات أخرى.

- شكرا.

كانت اتصالات احمد هذه ضمن التصرفات الطبيعية التي يتبعها الاشخاص العاديون عند فقدهم الاتصال بفرد من افراد عائلاتهم.



بعد هذا الاتصال حجز احمد على رحلة طيران الى أسمرة عاصمة ارتيريا.

الأربعاء، 18 يونيو 2014

مغامرة معركة البحر الاحمر (الحلقة الاولى)

لغز رقم 37
في ساعة متأخرة من الليل , في بيت احمد رن هاتفه برنة خاصة , استيقض من النوم ... فتح عينيه ونظر الى الهاتف وقرأ رقم الهاتف المتصل , كان الرقم هو رقم الاستدعاء الفوري.
في اقل من خمس دقائق غير احمد ملابسه وركب سيارته مغادرا المنزل ومنطلقا الى المقر. ذهب مباشرة الى غرفة الاجتماعات السرية وهناك اجتمع احمد مع رئيس القوة و مسؤول العمليات حيث تكلم الرئيس بصورة مقتضبة :
-         ارسلت اليكم على عجل لانه منذ ساعة بعث لنا الرقم 37 اشارة النجدة ثم بعد ذلك بثوان انقطعت جميع الاتصالات معه وفقدنا موقعه على الخارطة ...حاول قسم المتابعة والاتصالات تحديد موقعه والاتصال به خلال الساعة الماضية ولكن من دون جدوى ...انتم الاثنان ابقوا في هذه الغرفة وضعوا خطة محكمة لايجاد رقم 37 وانقاذه , في الصباح اريد ان تعرضوا عليّ تلك الخطة ، واضح ؟
-         نعم سيدي.
اجاب الاثنان في صوتٍ واحد. انهى رئيس القوة كلامه بدون أن ينتظر أي رد و غادر الغرفة تاركاً الاثنين لتنفيذ الأمر.
نظر "ابو رامز" الى أحمد وقال :
-         لنبدأ ...
أخرج "ابو رامز " محفضته ومن جيب سري فيها اخرج بطاقة ذاكرة صغيرة. كانت طاولة الاجتماعات عبارة عن شاشة عرض كبيرة تعمل باللمس , وضع ابو رامز بطاقة الذاكرة في المكان المخصص لها من الشاشة وضغط عدة مفاتيح فانارت الشاشة وبدأت بالعمل.
-         مشروع 17 هو عملية تحقق وجمع معلومات عن ارخبيل دهلك التابع لدولة ارتيريا والتحقق من المعلومات المتداولة عن وجود قواعد اسرائيلية في جزر ذلك الارخبيل.
ظهرت على شاشة العرض خارطة ارخبيل دهلك , ثم تابع "ابو رامز" شرحه :
-         أرخبيل دهلك تجمع جزر في البحر الأحمر قبالة الشواطئ الإريترية قرب مدينة مصوع، عدد الجزر 126 جزيرة , اثنتين منها جزر كبيرة وهي دهلك الكبرى ونهلق ، تشتهر هذه الجزر بصيد اللؤلؤ من الحقبة الرومانية وما زالت تنتج كميات كبيرة منه، من أصل 126 جزيرة أربع جزر فقط تسكن وبشكل دائم وهي دهلك الكبرى وهي الأكبر والاكثر سكانا ونهلق ونورا وحرمل.
-          الحياة البحرية المتنوعة والطيور البحرية تجذب العديد من السياح، ويقطن هذا الارخبيل 2500 إلى 3000 نسمة ويمتهنون صيد الاسماك والمرجان واللؤلؤ بالإضافة إلى تربية الماعز والجمال واللغات السائدة هي التغري والعفر ولغة الدهالكة ويمكن الوصول للجزر عن طريق ميناء مصوع.
وهي عبارة عن جزر صحراوية بتربتها الصلبة , وتقل المياه العذبة لدرجة جعلت عدد الجزر المأهولة لا يزيد عن أربعة جزر فقط , لعبت هذه الجزر دور هام كنقطة تجمع وانطلاق للهجرات العربية القديمة المتجه صوب اليابسة باتجاه الشاطىء الإرتري , وعن طريقها كان يتم نقل التجارة واستقبالها, وبعد الفتح الإسلامي ازدهرت جزر دهلك وقامت إمارة إسلامية كان لها شأن كبير وشجع العرب على استيطانها وتعميرها ومن جزر أرخبيل دهلك وأهمها:
أ‌-     جزيرة "دهلك الكبير": هي أكبر الجزر الإرترية فمساحتها تزيد على 700 كم2وتبعد عن الساحل حوالي 43 كم شرقاً. , وعدد سكانها 1500نسمة  بقراها أو أحياءها الثمانية وهي تشبه سطح القمر في قسوتها لذلك يصعب التصديق إنها كانت محطات الهجرات القادمة من الجزيرة العربية وعلى ساحلها عدد من المراسي للسفن التي تتجه إلى ميناء مصوّع، وأراضيها صالحة للزراعة وأغلب سكانها مسلمون من أصل عربي، ويعملون في الزراعة والصيد والرعي حيث تنتشر بها المها العربية والغزلان والسلاحف الضخمة, ونظراً إلى موقع الجزيرة الإستراتيجي، القريب من باب المندب، ومن خطوط الملاحة الرئيسية في البحر الأحمر، فقد حاولت القوى العالمية الكبرى التمركز فيها، لإنشاء قواعد عسكرية ، خاصة أن في الجزيرة مطارا ومهبطا للطائرات العمودية وأرصفة عائمة ومحطات للاتصالات  ومنارات, فنارات لإرشاد السفن، إلى جانب ثروات اقتصادية، كالزراعة ومصايد الأسماك واللؤلؤ
ب- جزيرة"ديسي": تقع على ثغر خليج "زولا" في طرف الساحل البعيد عن تأثير الرياح في جزيرة دهلك الكبير , وتعطى الصخور ذات الأشكال الغريبة والنتوءات ملمحا خاصا لهذا الساحل وحول كل امتداد أرضي يوجد كهف أو خليج محاط بتلال من الرمال البيضاء.
ج- جزيرة" نخرة" : تقع غرب جزيرة دهلك الكبير واتخذت كمنفى وسجن في الاستعمار الايطالي والإثيوبي.
د - جزيرة "فاطمة" : تقع عند مدخل خليج عصب. وتبعد عن الساحل 10 كم، وعن جزيرة بريم اليمنية حوالي 60 كم. ومساحتها 8 كم2. وهي ذات أهمية استراتيجية، لمجاوَرتها الممر الملاحي في جنوبي البحر الأحمر، وهي تصلح للاستخدام كميناء عسكري، وفيها مطار.
ر- جزيرة "حالب": أكبر جزر خليج عصب. وتقع جنوبي جزيرة فاطمة بمسافة 5 كم. وتبلغ مساحتها 22 كم2، وتكسوها الأشجار. وفيها قاعدة بحرية، ولهذا ، فهي ذات موقع إستراتيجي مهم.
وتابع ابو رامز :
-         قبل 75 يوما تمت الموافقة على المشروع 17 وهكذا بدأ تنفيذ عملية لجمع المعلومات عن ارخبيل دهلك وقد تم اختيار رقم 37 لاداء المهمة ... هذه هي المعلومات المتعلقة ب 37  ...
على شاشة العرض استعرض ابو رامز على مهل صور رقم 37 و بيانات عن طوله ووزنه ومواليده و تحصيله العلمي ومهاراته . ثم استطرد قائلاً :
- وحسب الخطة وبعد تم ارسال رقم 37 الى جزيرة دهلك حيث استطعنا الحصول له على عمل في مشروع استثماري هناك و كانت التعليمات ان يبتعد عن اي نشاط لمدة شهرين لكي يكّون له غطاء جيد لنشاطه ذاك , وقد التزم 37 بالتعليمات والاوامر وعمل بجد ليكسب ثقة رؤسائه في العمل , قبل خمسة ايام اعطيناه الضوء الاخضر لبدء نشاطه في جمع المعلومات , وكانت جميع تحركاته خلال الايام الخمسة الماضية محسوبة ولم يبتعد عن مكان عمله او خط سير تنقلاته العادية , انظر هنا الى الخارطة.
على خارطة الجزيرة ظهرت مخططات ورسوم توضيحية للمشروع الاستثماري وطرق التنقل في الجزيرة.
-         هنا موقع المشروع وهنا مكان سكن الرقم 37 وهذا الطريق المعتاد الذي يسلكه للانتقال بين سكنه وموقع المشروع واليوم عن طريق متابعة تحركاته سلك نفس الطريق و في أثناء رجوعه توقف هنا وفي هذا المكان وفي الساعة العاشرة و واحد وخمسين دقيقة اطلق نداء النجدة ثم بعد 7 ثوان انقطعت اشارة تحديد الموقع وانقطعت جميع اشارات الاتصال معه !
-         انقطعت الاتصالات والاشارات ! لانه وضع في مكان آمن وعازل ؟
-         لماذا لم تتوقع أحتمال آخر ؟
-         لأن هذه الاشارات لن تنقطع الا إذا سقط في جوف الأرض او في أعماق البحر ... بينما هو اختفى في طريق صحراوي وبعد ان ارسل اشارة نجدة تدل على انه يتوقع وقوعه في خطر حقيقي.
-         ومن يكون من الممكن ان يمتلك تلك التجهيزات الالكترونية في ذلك المكان ؟
-         عزيزي ابو رامز من خبرتي المتواضعة عرفت انني يجب ان اتوقع الاسوء وان اتوقع من العدو اكثر بكثير مما نعلم عنه ... انا لا اقصد ان ابالغ في امكانياته ولكنه يفوقنا بسنوات في الامكانيات والتجهيزات والخبرات ولا استبعد إن رقم 37 كان مراقبا طيلة الفترة السابقة وانهم انتظروا منه نشاطا ملحوضا لكي يقبضوا عليه.
-         لكننا تفوقنا عليهم في عمليات عديدة من قبل رغم ذلك!
-         ذلك صحيح , انا اقصد اننا يجب ان نستعمل ذكاءنا وعقولنا للتفوق على امكانياتهم وان نحسب لهم الف حساب.
-         حسنا لنعود الى موضوعنا الحالي , انت تعتقد ان رقم 37 ربما تم كشفه واعتقاله من قبل العدو ؟
-         وهذا هو اعتقاد الرئيس ايضا لذلك ارسل علينا بسرعة في هذا الوقت المتأخر , فرقم 37 سيتعرض للتحقيق والتعذيب للاعتراف بما يعرف عن القوة.
-         اذن يجب ان تكون الخطة سريعة و محكمة !
-         وان نتحسب ان العدو سيتوقع ارسال نجدة الى رقم 37 وسيكون بانتظارنا ...
سكت الاثنان قليلا في لحظات من الاستغراق في التفكير قطعها احمد بكلمات غير متوقعة :
-         سأعد قدحاً من الشاي , هل أعد قدحا لك ؟

* * *

الاثنين، 16 يونيو 2014

سيدّنا إبراهيم والأصنام

صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم
           بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيّ المصطفى
أما بعد
القضية العادلة لا ترهق الدفاع وقضية اليوم وان أخطأ كثير من الناس فهمها قضية عادلة إن إبراهيم الخليل صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم قاد الفكر الإنساني في أصعب المراحل لان نوحا صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم 
عاش قبله ألف سنة إلا خمسين عاما في كفاح دائم  ومع ذلك قال تعالى فيه
{000 وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }هود40 لذلك رسم إبراهيم الخليل صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم   منهجا جديدا للدعوة إلى الله  تعالى  استعمل الكلمة الطيبة
و استعمل الجدل الفطن واستعمل الحيلة الخارقة واستطاع بمنهجه الجديد أن يلزم أعدائه الحجة ثم بعد ذلك لا سلطان له على القلوب الكلمة الطيبة :- وتتجلى في حوار إبراهيم صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم   مع أبيه قال تعالى
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ .  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ .  قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ .  قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ .  أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ .  قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ  }الشعراء 69-74 وهو أكثر ما يكون ليّنا وأطيب قلبا إذا خلا بوالده قال تعالى :- {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً .  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً .  يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً .  يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً .  يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً  }مريم 41-45 بهذا اللين واللطف بدأ الجولة مع قومه . الحجة الملزمة:- واستعمل الحجة القوية في شجاعة نادرة
عندما وقف إمام  النمرود حاكم البلاد وطاغيتها . قال تعالى :- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة  258
ومع ذلك لم يرجع أصحاب الأهواء عن عبادة أهوائهم  لذلك لجأ إبراهيم صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم إلى منهج جديد الحيلة الخارقة 0 نظر في الكون فرأى بدائع صنع الله تعالى وتمثلت أمام عينه الأصنام إنها الستار الكثيف الذي يحجب الناس عن الله تعالى لذلك فلا بد أن يفعل شيئا قال تعالى:- { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ .  إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ .  أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ .  فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ .  فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ .  فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ .  فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ  }الصّافات 83-90 فقال إني سقيم .......
إن سقم أصحاب الرسالات  أن يروا الناس قد اعرضوا عن دعواتهم لذلك عاد إبراهيم إلى ساحة الأصنام متهكما...{ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ .  مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ  }الصّافات 91-92 ثم نفذ خطته وكسر الأصنام  وجعل الفأس في رأس كبيرهم {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ .  فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ }الصّافات 57-58 أي لعلهم يرجعون إلى إبراهيم لان عداوته للأصنام واضحة....أو لعلهم يرجعون إلى كبيرهم وفي ذلك نجاح لغرضه الذي يهدف له . وجاء الناس ورأوا أصنامهم جذاذا .....وآلمهم ما شاهدوا. وتساءلوا حائرين:-- { قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ .  قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ .  قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ .  قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ .  قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ }الأنبياء 59-63 وهنا يتساءل الناس :- كيف يقول إبراهيم صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم فعله كبيرهم هذا.....مع أن إبراهيم هو الفاعل؟ والأمر سهل لمن يفهم لغة القرآن
أولا :- لو قال إبراهيم من أول الأمرأنا الفاعل فان هدفه لن يتمّ . لانّ إبراهيم لا يريد الانتقام من الأصنام ولكنه يريد أن يأخذ بيد الناس إلى معرفة الحقّ.
وهذا يحتاج إلى التواء في العرض وحيلة في الأداء.
ثانيا :- إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام  تهّكم منهم وسخر من عقولهم فأنت إذا كتبت لافته جميلة وقال لك احد العوام ...أنت كتبت هذه ألافتة ؟ فقلت له لا !!
بل كتبتها أنت فهل في هذا كذب ؟! لا ولكنه التعريض بمن تتحدث معه
ثالثا :- لو قال احد الناس لصاحبه :- أنت سرقت ساعتي من بيتي ؟ فقال له المتهم :-- أنا سرقت ساعتك إن كنت ذهبت إلى بيتك ... فإذا قام الدليل على انه لم يذهب إلى بيت صاحبه أبدا ...فهل سرق الساعة ؟! بدون تشبيه ولإبراهيم المثل الأعلى إن إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام قال:-- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فان كانوا ينطقون فالفاعل كبيرهم . وان كانوا لا ينطقون – والحال كذلك – فالفاعل إبراهيم . بهذه الطريقة الذكية استطاع إبراهيم
صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم  أن ينتزع منهم اعترافا خطيرا :-
لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ قال تعالى { فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ .  ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ  . .  قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ .  أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ .  قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ .  وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ }الأنبياء 64-70 أقول هذا حتى لانخطيء فهم القرآن
من محاضرات الأستاذ الشيخ محمود محمد غريب
نقلت بيسير من التصرف