الخميس، 19 يونيو 2014

معركة البحر الاحمر (الحلقة الثالثة) : جزيرة المهربين

جزيرة المهربين

على بعد مئات الكيلومترات من دهلك , كان هناك قارب سريع يقترب من جزيرة كمران* اليمينة من حدودها الشمالية الغربية , كان هناك راكبان على ظهر ذلك القارب , رقم 46 و مندوب القوة في اليمن "سيف" , كان القارب يقترب من ساحل الجزيرة بالقرب من قرية "مكرم" عندما بدأت زخات من المطر بالتساقط.

وصل القارب الى الشاطىء وتوقفوا بالقرب من مجموعة من زوارق الصيادين , بعد أن ربطا القارب نزل الاثنان الى الشاطىء.

كان هناك عدد من الصيادين الذين اقتربوا للترحيب بالسائحين الجديدين :

سيف – السلام عليكم .

- السلام عليكم.

- انا سيف وهذا "جان" صحفي من فرنسا , قدمنا من صنعاء.

انتحل رقم 46 شخصية مصور فرنسي قادم الى اليمن في عمل صحفي.

تقدم احد الصيادين من سيف وقدم نفسه:

- مرحبا , بكم في مكرم , أسمي "محمد".

تصافح السائحان مع مجموعة الصيادين بعد ذلك ثم دعاهم "محمد" الى منزله وقدم لهم الشاي.

- "جان" غواص ومصور فرنسي يصور افلاما عن البحر الاحمر و مناطق الغوص و المرجان و اللؤلؤ , وانا اصحبه كمترجم.

- اهلا بكم , نحن نرحب بالسياح ونقدم لهم كل ما نستطيع من خدمة ومساعدة.

- جزاكم الله كل خير , و الرجل سيدفع أي أجور تطلبونها مقابل ذلك.

- هل تحتاجون الى مكان تنامون فيه ؟

- نعم.

- لدينا اكواخ صغيرة للسكن , انها غير مريحة ولكنها كل ما نملكه في القرية.

- لا بأس , "جان" يقضي معظم وقته في الغوص والتصوير.

- تعالوا معي لأدلكم على مسكنكم.

تكلم سيف مع جان بالفرنسية وشرح له الحديث الذي دار مع الصياد وذلك لتمثيل دوره بدقة. 

تحرك الجميع الى الخارج حيث قادهم محمد الى كوخ صغير قريب من الشاطىء حيث سيكون منزلهم طيلة بقائهم في الجزيرة , قدم جان الى محمد مبلغ من المال كدفعة مقدمة كأجرة للنزل ومقابل اتعابه معهم , بعد ذلك حمل سيف و جان امتعتهم من الزورق الى الكوخ.

كان الشمس قد توسطت كبد السماء عندما توقفت زخات المطر وعادت اشعة الشمس للظهور , اخذ سيف و جان قسطا من الراحة ثم انطلق الاثنان وقد حمل سيف حقيبة جلدية كبيرة باتجاه تجمع من الصيادين. 

- السلام عليكم ... هل تدلونا على كبير الصيادين في القرية.

- انه "ابو حمزة" يسكن في طرف البلدة.

- هل تدلونا على بيته.

تطوع احد الشباب من الجالسين فقام لارشادهم الى بيت "ابو حمزة".

وصل الثلاثة الى بيت صغير حيث كانت مجموعة من الاطفال تلعب امام البيت حيث اشار الشاب اليهم للانتظار فيما اسرع الى داخل البيت ثم عاد مسرعا :

- سيخرج لكم جدي بعد قليل ؟

شكره سيف على مساعدته لهم.

ثوان وخرج لهم "ابو حمزة" كان شيخا قد تجاوز الستين من عمره خطت وجهه السنون , طويل القامة , نحيلا ولكن صلب البنية. تقدم ناحيتهم وقد التف الاطفال من حوله , صافحهم الرجل ورحب بهم بحرارة ودعاهم الى الدخول الى البيت.

- سيد "ابو حمزة" , اقدم لك جان انه صحفي فرنسي وهو يصور فيلما عن البحر الاحمر وعن كنوزه الطبيعية وعن صيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان وغيره .. وهو يود اجراء مقابلة معك امام الكاميرة حيث سيسئلك اسئلة وانا اترجمها لك وانت تجاوب وهو سيصور المقابلة و بعد ذلك انا ساترجمها له.

- لا بأس يا بني.

- نشكر لك ذلك سيد ابو حمزة , هل نستطيع البدء الان.

- كما تشاء.

تكلم سيف بالفرنسي مع جان و وضح له استعداد "ابو حمزة" لبدء المقابلة.

أخرج جان من الحقيبة الجلدية كاميرة رقمية خاصة بالتصوير التلفزيوني ثم طلب من سيف مساعدته في ترتيب المكان ثم اختار مكانا مشمسا وزاوية جيدة للتصوير وثبت كاميرته ثم طلب من "ابو حمزة" الجلوس في المكان المناسب لتصوير اللقاء.

كان رقم 46 أو "جان" مصورا حقيقيا لذلك اجرى ترتيبات حقيقية لاحكام الدور الذي يلعبه . بدأ جان بتشغيل الكاميرا وبدأ بالقاء الاسئلة بالفرنسي و سيف يترجمها للشيخ , كانت الاسئلة معدة سلفا وكان جان يقرأها من دفتر صغير حمله معه , بدأت الاسئلة حول جزيرة كرمان والصيد فيها وايام زمان وهكذا , وكان "ابو حمزة" يجيب بإسهاب وبسرور فقد كانت تلك الاسئلة تعيد له الذكريات الجميلة ايام الشباب و القوة , استمرت نصف الساعة الأولى على هذا المنوال ثم انتقلت الاسئلة عن مصائد اللؤلؤ والمرجان وبدأت الاسئلة تبتعد عن جزيرة كرمان نحو الغرب ...

- سيد ابو حمزة , انوي اكمال رحلتي الى جزيرة دهلك فهل ذهبت اليها ؟

- ذهبت اليها عندما كنت شابا مع ابي.

- هل ما زلتم تذهبون اليها ؟

- كلا , منذ حدثت الحرب لم يعد بامكاننا الاقتراب منها بسبب خفر السواحل. 

- لدي ترخيص للتصوير هناك وساذهب في الاسبوع القادم اليها وقد سمعت انها تحوي اكثر من 100 جزيرة , فأي الجزر تنصحني بزيارتها ؟

- لقد ذهبت اليها منذ زمن بعيد وكنا نذهب الى دهلك فهي جزيرة كبيرة وجميلة وكنا نشتري منهم اللؤلؤ واشياء كثيرة.

- حسنا , سيد ابو حمزة انا مصور واحاول اثناء عملي الحصول على لقطات نادرة وتصوير مناطق لم تصور بعد , فهل تتذكر في جزر دهلك وجود اماكن غريبة او جزر مميزة او شيء من هذ القبيل ؟

- انها جزر عادية وجزيرتنا وجزرنا القريبة اجمل منها ... ولكني اذكر كمكان غريب اني زرت في طفولتي جزيرة المهربين ... 

- جزيرة المهربين , لقد شوقتني !

كان الهدف من رحلة الفريق الى كرمان هي جمع معلومات عن جزيرة مليئة بالكهوف البحرية في أرخبيل دهلك يعتقد ان القوات البحرية الاسرائيلية تتخذها قاعدة بحرية للغواصات والسفن العسكرية و بسبب العلاقة القديمة بين صيادي كرمان واهالي دهلك فانه كان من المتوقع ان صيادي كرمان لديهم معلومات مفيدة عن جزر دهلك , لذلك وجدت رئاسة القوة ان جمع المعلومات من اهالي كرمان سيكون أكثر أمناً وسلامة لأفراد القوة.

- انها جزيرة صغيرة , ولكنها مليئة بالكهوف البحرية , كان يختفي فيها القراصنة في القديم و المهربين ولكنها كهوفها جميلة وغريبة.

- هل تستطيع ان تحدد لي مكانها ؟

- يا بني لقد ذهبت لها في طفولتي , و لا اذكر مكانها.

- هل هناك من يعرف مكانها ؟

- اعتقد "سلمان" يعرف مكانها ؟

- هل هو موجود الآن في القرية ؟

- نعم.

- هل هي جميلة و مميزة وتستحق ان نصورها ؟

- اعتقد ذلك.

استمر سيف و جان بطرح اسئلة اخرى الغوص لابعاد الانتباه عن موضوع دهلك ثم قاموا بانهاء المقابلة.

- أشكرك جدا سيد "ابو حمزة" , قضينا معك وقتا جميلا.

- الشكر لله يا بني.

- هل يستطيع احد اولادك ان يدلنا على بيت "سلمان".

- يا "أحمد" يا "أحمد" ... 

نادى الشيخ , فجاء صبي في العاشرة .

- دلهم على بيت "سلمان".

- تعالوا معي.

شكر سيف و جان "ابو حمزة" مرة ثانية وشدوا على يديه و ودعوه.

بعد دقائق وصل سيف و جان الى بيت "سلمان" , كان الوقت قد جاوز العصر. دق سيف باب البيت الصغير , دقائق قبل ان تفتح الباب , ظهر من البيت رجل في الخمسين من عمره مملوء الجسم ظهرت على وجهه علامات الدهشة عندما رأى سيف و جان ذي الملامح الغربية و هو يحمل كاميرة في يده.

- السلام عليكم.

- و عليكم السلام.

- سيد "سلمان".

- نعم.

- انا سيف من صنعاء اعمل مترجم مع سيد "جان" وهو صحفي ومصور من "فرنسا" .

- ماذا تريدون ؟

- نحن نصور برنامجا عن افضل اماكن للغوص في المنطقة ؟

- حسنا.

- نود تصوير لقاء معك.

- ليس لدي وقت.

- سندفع لك أجرا مقابل ذلك يا سيد "سلمان".

- انا فعلاً ليس لدي وقت.

- اذن هل من الممكن أن تجيبنا على سؤال واحد ؟

- ما هو ؟

- اخبرنا "ابو حمزة" انك تستطيع ان ترشدنا الى جزيرة المهربين.

تغيرت التعابير على وجه "سلمان" من الدهشة الى الغضب :

- يبدو ان السنين قد اثرت على عقل "ابو حمزة" ... انا لا اعرف جزيرة المهربين و لا مكانها.

- سيد "سلمان" , سيد جان يبحث عن مواقع ومناظر مميزة وقد أخبرنا "ابو حمزة" ان في جزيرة المهربين كهوف و مناظر جميلة و مميزة , لذلك فقط نريد ان ترشدنا الى مكانها.

- انا لا اعلم عن ماذا تتكلمان , هناك جزيرة كما تصفون , لكني لم اذهب اليها منذ اكثر من ثلاثين عاما و لست متأكدا من مكانها.

- سيد سلمان فقط اوصف لنا الطريق وسندفع لك جائزة مقابل ذلك.

تغير وجه سلمان عندما سمع بالجائزة و ظهر اكثر تجاوبا :

- انا ليس لدي خريطة او ما شابه ولكني اذكر اننا للذهاب اليها , كنا نبحر بعيدا الى شمال جزيرة دهلك ثم نتجه الى أقصى الغرب الى جزيرة اصغر من جزيرة نورة ... جزيرة فيها كهوف كثيرة , لقد مر زمان طويل على ذهابنا اليها ومنذ الحرب لم نعد نستطيع الوصول الى تلك الجزر بسبب خفر السواحل.

- هل هناك اماكن اخرى جميلة للغوص او مميزة للتصوير. 

بدأ سلمان يعدد اماكن الغوص الموجودة حول الجزيرة وسيف و جان يصغيان اليه متظاهرين بالاهتمام.

بعد ان انهى سلمان كلامه شكراه ودفع اليه جان مبلغا من المال جزاء المعلومات المفيدة التي اعطاها اياهم. 

عاد الاثنان الى مسكنهما حاملان معداتهم وحقيبتهم الجلدية في انتظار يوم عمل شاق و طويل.





* تقع جزيرة كمران اليمنية غرب اليمن على بُعد حوالي 6 كيلومترات من ميناء الصليف ، وهي جزيرة ذات طبيعة جميلة وخلابة وتصلح كموقع سياحي في البحر الاحمر وهي بحاجة للاستثمار. 

ليست هناك تعليقات: