الأحد، 29 يونيو 2014

العلم نعمة وعدم العلم أحيانا نعمة أكبر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى

وسلام على النبيّ

المصطفى

أما بعد

قالوا
 العلم نعمة
 فمتى يكون عدم العلم نعمة أكبر ؟

العلم نعمة هذه قضية لا تحتا ج إلى دليل
 وقد خلق الله تعالى وسائل العلم في الإنسان

قال تعالى

{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }
الإسراء 36

أكتفي هنا

بالعين

فقد قال العامة :-
 بها نعرف العدو من الحبيب

أقول :- وبالعين عرف الإنسان الكتابة وهي السبب في نقل معارف الماضي إلى من بعدهم
إن الحيوان يمكنه أن يتعلم
وقد شهد القرآن بهذا في الحيوانات وطيور الصيد
قال تعالى
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }
المائدة 4

(يسألونك) يا محّمد

صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم

كما تحبه وترضاه آمين

 (ماذا أحل لهم) من الطعام (قل أحل لكم الطيبات) المستلذات (و) صيد (ما علمتم من الجوارح) الكواسب من الكلاب والسباع والطير (مكلِّبين) حال من كلَّبْتُ الكلب بالتشديد أي أرسلته على الصيد (تعلمونهن) حال من ضمير مكلبين أي تؤدبونهن (مما علمكم الله) من آداب الصيد (فكلوا مما أمسكن عليكم) وإن قتلنه إن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تسترسل إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبهن فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح (واذكروا اسم الله عليه) عند إرساله (واتقوا الله إن الله سريع الحساب)
ولكن حيوانات الصّيد والسّيرك وكلاب الشّرطة تتعلم ولكنها لا تستطيع أن تنقل معارفها المكتسبة لأولادها

وكل جيل منها يبدأ من حيث بدا من قبله لأنه لا يعرف الكتابة
من هنا أقسم الله تعالى بالقلم وما يسطرون
قال تعالى
 { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }
القلم 1

فبالقلم يبدأ كل جيل من حيث انتهى من قبله فتتقدم الإنسانية
وبالعين
 دخلنا عالم الخشوع

فأصحاب الإيمان الراسخ يبكون لتغسل دموعهم ما أصاب نفوسهم من زلات
قال تعالى
{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }
الإسراء 109
وقال تعالى

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }
مريم 58

وقد بشر النبيّ
صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم
عينين
بعدم مس النار لهما
عين باتت تحرس في سبيل الله وألا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى
رواه الترمذي والنسائي وأحمد

والدمع يجري في العين
يغسلها ويطهرها ويمنع احتكاك الجفن
بهما وهي جافة
وفي أسفل العين --- بالوعات --- توصل الدمع إلى الأنف
ففيها منبع ومصرف
فالعين
 بها نعرف العدو من الحبيب

وبها تعلمنا الكتابة لنقل معارف الأجيال
وبها ندخل عالم الخاشعين
والعين سر من أسرار الجمال
فالقزحية تعطي العين لونها وجمالها
 وقد يكون جمال العين ساترا لعيوب كثيرة في الحسناء
والله تعالى صمّم للعين خزينة تحفظها
 فهي تحت ارتفاعات ثلاثة
الجبهة
 وعظام تحت العين
 وهرم الأنف
ثمّ الجفن والدموع
وقد قالوا :---
 كفى برمش العين
 دليلا على وجود الله تعالى
أهداب العين تكسر أشعة الشّمس وتتشابك فتحافظ على العين من التراب وهي جمال يتغنى به أهل الغناء وتتاجر شركات عالمية تخصصت في خدمة --- رمش العين ---

تجربة عشتها
دعاني صاحب مصنع كبير للألبان
 ودخلت الثلاجة وكدت أشعر بالتجمد
فحاولوا غطاء ما أصاب البرد من جسدي ومع غطائه تحركت
أن كل عضو يصاب بالبرد يمكن أن تغطيه وتنتفع به
أما العين فلو حاولت غطائها لتدفئها
يتعطل النفع بها
من أجل ذلك أبدع ربّ العالمين سبحانه وتعالى لها جلدا لا يتأثر بالبرد
هذا خلق الله تعالى

فلماذا خلق الله تعالى
 أشعة لا ترى فيها العين ؟
منها أشعة جاما وأشعة فوق البنفسجية وأشعة تحت الحمراء ثمّ أشعة أكس
والدارس المتخصص
 يعرف أشعة أخرى لا ترى فيها العين المجردة

وفي حدود ما أعلم
 أن الله تعالى أراد أن يعلم الناس
 أن الذي لا نعلمه في الكون
أضعاف أضعاف ما نعلم
وأن الذي لا نراه لا يمكن أن يقول عالم
 انه غير موجود
لان عدم العلم ليس علما بالعدم

فالله تعالى لا نراه وهو أصل الوجود

الملائكة لا نراها والجّن لا نراه

وفي مجال المعامل العلمية الجاذبية لا نراها

والكهرباء لا نراها والقوى المغناطيسية كذلك

أمور نحسها ولا نراها

ولو رأيناها لفقدنا عقولنا

قال الله تعالى
{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ .  لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }
 الحجر 14-15

إن نسوة المدينة
 --- في قصة سيدّنا يوسف عليه الصّلاة والسّلام ---عندما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهنّ
لان يوسف
في تصورهن كالملك (بفتح ألام )الكريم

فكيف إذا رأين الملك حقيقة ؟

سوف نحتقر كل جمال في دنيانا !!

والجنّ منهم الشّياطين
 وقد شبّه القرآن الكريم شجرة الزّقوم بأنّ طلعها كرؤوس الشّياطين

فكيف إذا رأين الشيّطان ؟

والرجل يموت ولده أو أخوه فيقبره
 فكيف نتصوره يمر على قبر حبيبه
 فيراه يعذب في قبره ؟
هل تصلح حياة الناس وهم يرون كلّ شيء؟
أم أن الله تعالى رحمة منه
 حجب عنا رؤية بعض
 ما لا يريد سبحانه وتعالى أن نراه .

إننا نسميه سترا
ويدعو أحدنا لأخيه :--- الله يسترك

ان الله تعالى يكره عبده العاصي
 ولكنه يحب من يستر عليه .
إن الله تعالى لو كشف الستر عنا
 لما وجد أحدنا من يحمله إلى قبره عند موته
ولو كشف الله تعالى الستر
 لتبرأ الزوج من زوجته
وتبرأت الأم من وحيدها
ولفقدت الشعوب قدوتها
ولكن الله تعالى يحجب عنا
 ما يشاء من العلوم حتى تنتظم حياة الناس
إن الله تعالى سمى نفسه
– في أسمائه الحسنى –
بأسماء متقابلة
المحيّ المميت
القابض الباسط
المعز المذل
وسمى نفسه السّتار
ولم يسمي نفسه السّتار الفضّاح

أليس عدم العلم أحيانا نعمة ؟

هذا في حياتنا العامة
إن الله تعالى يستر على العاصي ليعطيه فرصة ليتوب
وفي دراسة قمت بها في بعض الفنادق العربية
خرجت منها بأن فضيحة المرأة تنقلها
 من --- منحرفة --- إلى --- محترفة ---

وهذه النتيجة تؤكدها قصة امرأة العزيز
وأقرأ آيات القرآن قبل أن يعلم النساء بمراودتها ليوسف عليه الصّلاة والسّلام وموقفها بعد أن قال النسوة في المدينة ما قالوه
قال الله تعالى

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ .  وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ .  وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .  قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ .  وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ .  فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ .  يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ .  وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ .  فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ .  قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ  }
يوسف 23-32
أما الأشعة التي لا نراها فهي رحمة مهداة من الله تعالى
إنها تحجب عنا الكثير من الأشياء حتى يكون للإيمان بالغيب مجال مدركاتنا العقلية
فنحن نحصل على أجر الإيمان
 ما دام الإيمان بالغيب
قال تعالى
{ الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ .  الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  }
البقرة 1-3

فإذا تحول عالم الغيب إلى عالم شهادة بطل الأجر

قال تعالى
{  فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ  }
 غافر 85

إن التلميذ إذا دخل لجنة الامتحان نأخذ ما معه من كتب
فإذا خرج أخذ الكتب
 وساعتها لا يستطيع أن يصحح ما أخطأ

فالله تعالى حجب رؤيته عنا وملائكته والجنّ حتى نحصل على أجر الإيمان بالغيب
ولو كنا نستطيع أن نرى
 في هذه الأشعة لفقدنا عنصر البهجة والجمال

تصور شابا تقدم لخطبة كريمتك الحسناء ونظر إليها بأشعة أكس ماذا سيرى ؟!!
سيرى العظام والأمعاء
أين ماقدمته القزحية من جمال العيون ؟!!
وما كان سببا في وصفها بالحسناء ؟!!
لقد ضاع الجمال
وكنترول الامتحان كيف تحفظ سرها
والطالب يمكنه أن يرى بهذه الأشعة ؟!!

والداهية الكبرى
كيف تلبي حاجة زوجتك في الفراش؟!!

وكل من يسير في الشّارع يرى بهذه الأشعة الفاضحة !!
سترك ياربّ

وأسألك أن تمنع عنا من العلم ما يفضح الآخرين

فالعلم نعمة

وعدم العلم أحيانا

نعمة أكبر

من محاضرات الأستاذ الشّيخ محمود غريب

مركز السّلطان قابوس للثقافة الإسلامية
سلطنة عمان - صلالة

ليست هناك تعليقات: