وقيل لبعضهم: ما الزهد في الدنيا؟ قال: ترك ما فيها على ما فيها.
وقال رجل لذي النون المصري: متى أزهد في الدنيا؟ فقال: إذا زهدتَ في نفسك.
وقال محمد بن الفضل: إيثار الزهاد عند الاستغناء، وإيثار الفتيان عند الحاجة، قال الله تعالى: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " .
وقال الكتاني: الشيء الذي لم يخالف فيه كوفي ولا مدني ولا عراقي، ولا شامي: الزهد في الدنيا، وسخاوة النفس، والنصيحة للخلق، يعني أن هذه الأشياء لا يقول أحد إنها غير محمودة.
وقال رجل ليحيى بن معاذ: متى أدخل حانوت التوكل، وألبس رداء الزاهدين؟ فقال: إذا صرت من رياضتك في السر إلى حد لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة أيام لم تضعف في نفسك.
فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين جهل، ثم لا آمن عليك أن تفتضح بينهم!! وقال بشكر الحافي: الزهد: ملك لا يسكن إلا في قلب مخلي.
سمعت محمد بن الحسين، رحمه الله، يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت بن محمد بن الأشعث البيكندي يقول: من تكلم في الزهد، ووعظ الناس، ثم رغب في مالهم، رفع الله تعالى حب الآخرة من قلبه.
وقيل: إذا زهد العبد في الدنيا وكل الله تعالى به ملكاً يغرس الحكمة في قلبه.
وقيل: لبعضهم: لم زهدت في الدنيا؟ فقال: لزهدها فيَّ.
وقال أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام، وهو: زهد العوام: والثاني: ترك الفضول من حلال، وهو: زهد الخواص.
والثالث: ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى، وهو: زهد العارفين.
سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقاق، يقول: قيل لبعضهم: لم زهدت في الدنيا؟ قال: لما زهدت في أكثرها أنفت من الرغبة في أقلها.
وقال يحيى بن معاذ: الدنيا كالعروس المجلوة، ومن يطلبها ما شطتها والزاهد فيها يسخم وجهها، وينتف شعرها، ويحرق ثوبها والعارف مشتغل بالله تعالى، لا يلتفت إليها.
من كتاب الرسالة القشيرية للامام ابي القاسم القشيري