عن
ابن عباسٍ رضيَّ اللهُ عنهما قال : لما قدم النبيُّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم
المدينةَ وجد اليهودَ يصومون عاشوراء ، فسُئلوا عن ذلك فقالوا : هذا اليومُ الذي
أظفرَ اللهُ فيه موسى و بني إسرائيل على فرعون ، و نحن نصومُه تعظيماً له ، فقال
رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( نحن أولى بموسى منكم )) . فأمر بصومه .[1]
الاثنين، 31 مارس 2014
إسلام عبد الله بن سلام
عن
أنسٍ رضيَّ اللهُ عنه : أنَّ عبدَ اللهِ بن سَلامٍ بَلغهُ مَقْدَمُ النبيِّ صلى
اللهُ عليهِ و سلّم المدينةَ ، فأتاهُ يسألهُ عن أشياءَ فقال : إني سائلُكَ عن
ثلاثٍ لا يَعلمهنَّ إلاّ نبيّ : ما أولُ أشراطِ الساعة ، و ما أولُ طعام يأكلهُ
أهلُ الجنةِ ، و ما بالُ الولدِ يَنزِعُ إلى أبيهِ أو إلى أمه ؟ قال (( أخبرَني
جِبريلُ آنِفاً )). قال ابنُ سَلام : ذاك عدوُّ اليهود منَ الملائكة . قال (( أما
أولُ أشراطِ الساعةِ فنارٌ تحشُرهم من المشرقِ إلى المغربِ . و أما أولُ طعامٍ
يأكلهُ أهل الجنةِ فزيادةُ كبِدِ الحوت . و أما الوَلدُ فإذا سبقَ ماءُ الرجُل
ماءَ المرأة نزعَ الولدَ ، و إذا سَبقَ ماءُ المرأةِ ماءَ الرجلِ نزَعَتِ الولد
)). قال : أشهدُ أن لا إله إلا الله و أنكَ رسولُ الله . قال : يا رسولَ الله ،
إنَّ اليهودَ قوم بُهت ، فأسألهم عني قبلَ أن يَعلموا بإسلامي . فجاءتِ اليهودُ ،
فقال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( أيُّ رجُلٍ عبدُ اللهِ بن سلامٍ فيكم )) ؟
قالوا : خيرُنا و ابنُ خيرِنا ، و أفضَلُنا و ابن أفضَلِنا . فقال النبيُّ صلى
اللهُ عليهِ و سلّم (( أ رأيتم إن أسلم عبدُ اللهِ بن سلام )) ؟ قالوا : أعاذَهُ
الله من ذلك ، فأعادَ عليهم فقالوا مثل ذلك . فخرج إليهم عبدُ اللهِ فقال : أشهدُ
أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمداً رسولُ الله . قالوا : شرُّنا و ابنُ شرِّنا ، و
تنقَّصوه . قال : هذا كنتُ أخافُ يا رسولَ الله . [1]
عن
أبي هريرةَ رضيَّ اللهُ عنه عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قال (( لو آمَنَ بي
عشرةٌ من اليهود لآمَنَ بي اليَهود )).[2]
فضل المدينة
عن أنسٍ رضيَّ اللهُ عنه عنِ
النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قال (( المدينةُ حَرَمٌ من كذا إلى كذا ، لا
يُقطَعُ شجرُها ، ولا يُحْدَثُ فيها حدَثٌ. من أحدَثَ فيها حدَثاً فعليهِ لَعنةُ
اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ )).[1]
عن ابي هريرةَ رضيَّ اللهُ عنه :
أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قال (( إنَّ الإيمانَ لَيَأرِزُ [ يعود ]
إلى المدينةِ كما تأرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحرِها )).[2]
عن سعد بن أبي وقاص رضيَّ اللهُ
عنه قال : سمعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم يقول (( لا يَكيدُ أهلَ المدينةِ
أحدٌ إلاّ انْماعَ كما يَنْماعُ الملحُ في الماء )).[3]
عن ابي هريرة رضيَّ اللهُ عنه
قال : قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( على أنقابِ [ مداخل ] المدينة
ملائكةٌ ، لا يدخُلُها الطاعونُ ولا الدجّال )).[4]
عن أنسٍ رضيَّ اللهُ عنه عن
النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قال (( اللهَّم اجْعَلْ بالمدينةِ ضِعْفَيْ ما
جعَلْتَ بمكةَ منَ البرَكة )).[5]
عن ابي هريرة رضيَّ اللهُ عنه عن
النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قال (( ما بينَ بَيتي ومِنبري رَوضةٌ من رياضِ
الجنَّة ، ومِنبري على حَوضي )).[6]
[1] صحيح البخاري - كتاب الحج \ فضائل المدينة - باب حرم المدينة - حديث : 1777
[2] صحيح البخاري - كتاب الحج \ فضائل المدينة - باب : الإيمان يأرز إلى المدينة - حديث :
1786
[3] صحيح البخاري - كتاب الحج \ فضائل المدينة - باب إثم من كاد أهل المدينة
- حديث : 1787
[5] صحيح البخاري - كتاب الحج \ فضائل المدينة - باب : المدينة تنفي الخبث - حديث : 1795
[6] صحيح البخاري - كتاب الجمعة \ أبواب تقصير الصلاة - باب فضل ما بين القبر والمنبر - حديث : 1153
فضل الأنصار
عن
أنسٍ رضيَّ اللهُ عنه عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قال (( آيةُ الإيمانِ
حُبُّ الأنْصارِ ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنْصار )).[1]
عن
عبدِ اللهِ بن زيدٍ و أبو هريرةَ رضيَّ اللهُ عنهما عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و
سلّم قال (( لولا الهجرةُ لكنت امرءاً من الأنصار )).[2]
قالت
عائشةُ : نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ ، لم يَمنَعْهنَّ الحياءُ أَنْ يتفقهنَّ في
الدِّينِ .[3]
عن
أمِّ سلمةَ رضيَّ اللهُ عنها [ زوج الرسول صلى اللهُ عليهِ و سلّم ] قالت : جاءت
أمُّ سُلَيمٍ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم فقالت : يا رسولَ اللهِ ، إن
اللهَ لا يَسْتَحيي مِنَ الحقّ ، فهل على المرأةِ مِن غُسْلٍ إذا احتَلمَتْ ؟ قال
النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم )) : إذا رأتِ الماءَ )). فغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ –
تعني وجهَها – و قالتْ : يا رسولَ اللهِ ، وَ تَحتَلِمُ المرأةُ ؟ قال (( نعم ، تَرِبَتْ يَمينُكِ ، فبِمَ
يُشْبِهُها وَلَدُها ؟)) .[4]
هجرة الرسول صلى اللهُ عليهِ و سلّم
قال تعالى : ) إلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ
اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هيَ
العُلْيَا وَ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( [ التوبة :
40 ].
) و قل رب أدخلني مُدخل صِدقٍ ، و أخرجني مُخرَج
صِدق ، و اجعلْ لي من لُدنك سُلطاناً نصيرا (
قال
أبو موسى رضيَّ اللهُ عنه عن النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( رأيتُ في المنامِ
أني أُهاجِرُ منْ مَكَّةَ إلى ارضٍ بِهَا نَخلٌ ، فذَهبَ وَهَلي [ ظني ] إلى أَنهَا
اليَمَامَةُ أو هَجَرٌ ، فإذا هي المدينةُ يَثرِبُ )).[1]
عن
عائشةَ رضيَّ اللهُ عنها زوجَ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قالت : لم أعقلْ
أبوَيَّ قطُّ إلا و هُما يَدِينان الدِّين ، و لم يَمرَّ علينا يومٌ إلا يأتينا
فيه رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم طرَفيَ النهارِ : بُكرةً و عَشيِة . فلمّا
ابتُلِيَ المسلِمون ، خرَجَ أبو بكرٍ مهاجراً نحوَ أرض الحبشة حتى بلغَ بَرْكَ
الغِماد لَقَيهُ ابن الدَّغِنة – و هو سيِّدُ القارة [ قبيلة مشهورة من بني الهُون
يُضرَب بهم المثَلُ في قوة الرميِّ ] – فقال : أين تُريدُ يا أبا بكر ؟ فقال أبو
بكر : أخرجَني قومي فأريدُ أن أسِيحَ في الأرضِ و أعبُدَ ربي ، قال ابنُ الدَّغنِة
: فان مِثلَكَ يا أبا بكر لا يَخرُجُ و لا يُخرَج ، إنك تَكسِبُ المعدوم ، و تَصِل
الرحِم ، و تَحمِلُ الكَلّ ، و تَقرِي الضَّيف ، و تُعين على نوائبِ الحقّ . فأنا
لك جار [ أمنع من يؤذيك ] ، ارجِعْ واعبُدْ ربَّكَ ببلدك . فرجعَ ، وارتحلَ معه
ابنُ الدَّغنِة ، فطافَ ابنُ الدغِنِة عَشِيةً في أشرافِ قُريَش فقال لهم : إن أبا
بكرٍ لا يَخرُجُ مثلهُ و لا يُخرَج ،
أتُخرِجونَ رَجلاً يَكسِبُ المعدوم ، و يَصِلُ الرَّحِم ، و يَحمِلُ الكَلّ ، و
يَقرِي الضَّيف ، و يُعينُ على نَوائبِ الحقّ ؟ فلم تكذِّبْ قُريشٌ بجوارِ ابنِ
الدَّغنِة ، و قالوا لابنِ الدَّغنِة : مرْ أبا بكرٍ فلْيَعْبُد ربَّهُ في داره .
ثم بدا لأبي بكر فابتَنى مَسجداً بفِناءِ دارهِ و كان يُصلَّي فيه و يقرأ القرآن
فيتقذَّفُ [ يَزدحِم ] عليه نساء المشركينَ و أبناؤُهم و هم يعجَبونَ منه و
ينظُرونَ إليه . و كان أبو بكرٍ رجُلاً بكّاءً لا يملِكُ عينيهِ إذا قرأ القرآنَ ،
فافزَعَ ذلكَ أشرافَ قريشٍ منَ المشركين ، فأرسَلوا إلى ابنِ الدَّغنِة ، فقَدِمَ
عليهم ، فقالوا : إنّا كنّا أجَرنا أبا بكرٍ بجِوارِك على أن يعبُدَ ربهُ في داره
، فقد جاوَزَ ذلك فابتَنى مسجداً بفِناءِ دارهِ فأعلنَ بالصلاةِ و القراءةِ فيهِ ،
و إنّا قد خَشينا أن يفتِنَ نساءنا و أبنائنا ، فانْهَهُ ، فان أحبَّ أن يقتَصِرَ
على أن يعبُدَ ربهُ في داره فعل ، و إن أبى إلاّ أن يُعلِنَ بذلك فسَلْهُ أن
يرُدَّ إليكَ ذِمتَك [ أمانك له ] ، فانّا قد كرِهنا أن نُخفِرَك [ نغدر بك ] ، و
لسنا بمقرِّينَ لأبي بكرٍ الاستِعلان . قالت عائشة : فأتى ابنُ الدَّغنِةِ إلى أبي
بكرٍ فقال : قد علمتَ الذي عاقَدْتَ لك عليه ، فإمّا تَقتَصِرَ على ذلك و إما أن
تَرْجعَ إليَّ ذِمتي ، فإني لا أحبُّ أن تَسمعَ العربُ أني أُخفرتُ [ غُدِرت ] في
رَجلٍ عقَدتُ له . فقال أبو بكر : فإني أرُدُّ إليك جِوارَك ، و أرضى بجوار اللهِ
عزَّ و جلّ [ أمانه و حمايته ] . و النبيُّ
صلى اللهُ عليهِ و سلّم يومئذ بمكة . فقال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم
للمسلمين (( إني أُريتُ دارَ هجرتِكم ذاتَ نخلٍ )) بينَ لابَتَين ، و هما الحرتَّان . فهاجرَ مَن هاجرَ قِبلَ
المدينة ، ورجعَ عامةُ من كان هاجرَ بأرضِ الحبشة إلى المدينة ، و تجهَّزَ أبو
بكرٍ قِبَلَ المدينة ، فقال له رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم : على رِسْلِك
[ مَهلك ] ، فإني أرجو أن يُؤْذَنَ لي . فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟
قال : نعم . فحبسَ أبو بكرٍ نفسَهُ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم
لِيَصحبَه ، و علفَ راحلتين كانتا عندَه ورقَ السَّمُر – و هو الَخْبَط – أربعةَ
أشهر.
قالت
عائشة رضيَّ اللهُ عنها : فبينما نحن جُلوسٌ في بيت أبو بكر في نحو الظهيرة قال
قائلٌ لأبي بكر هذا رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم متقنعاً [ مغطياً رأسه ] –
في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها – فقال أبو بكر : فداءٌ له أبي و أمي ، و اللهِ ما
جاءَ به في هذه الساعة إلاّ أمر . قالت : فجاء رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم
فاستأذنَ ، فأذِنَ له ، فدخل . فقال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم لأبي بكرٍ ((
أخرِج مَن عندَك )) ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلُك بأبي أنتَ يا رسولُ الله صلى
اللهُ عليهِ و سلّم ، قال (( فإني قد أُذِنَ لي في الخروج )) . فقال أبو بكر :
الصُحبة بأبي أنت يا رسول الله . قال رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( نعم ))
. قال أبو بكر : فخُذ بأبي أنت يا رسول الله إحدَى راحلتيَّ هاتين . قال رسولُ
الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم : بالثمن [ بثمنها ] . قالت عائشة : فجهَّزناها أحثَّ
[ أسرع ] الجهاز ، و صَنَعْنا لهما سُفرةً [ طعاماً ] في جِرابٍ ، فقطَعَت أسماء
بنتُ أبو بكرٍ قِطعةً من نِطاقها [ النطاق : ما يشد به الوسط ] فربطَت به على فم
الجراب ، فبذلكَ سُميت ذات النطاق . قالت : ثمَّ لحقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ
و سلّم و أبو بكر بغار في جبل ثَور ، فكَمنا فيه ثلاثَ ليال ، يبيتُ عندَهما عبدُ
الله بنُ أبي بكر و هو غلامٌ شابٌّ ثَقِفٌ [ الحاذق ] لَقِن [ سريع الفهم ] ،
فيُدلجُ [ يخرُج ] من عندهما بسَحَر [ ساعة من الليل ] ، فيُصبِح معَ قريشٍ بمكةَ
كبائتٍ [ كالبائت ] ، فلا يَسمعُ أمراً يُكتادانِ بهِ [ أمراً يُكادُ لهما به ]
إلاّ وَعاهُ حتى يأتيَهما بخبرِ ذلك حينَ يَختلِطُ الظلام ، و يرعى عليهما عامرُ
بن فُهَيرةَ مَولى أبي بكر مِنحةً [ الشاة ] من غَنَم فيَريحها عليهما حينَ تذهبُ
ساعةٌ منَ العِشاءِ فيبيتانِ في رِسلٍ [ اللبن الطري ] – و هو لَبنُ مِنحتِهما ورَضيفِهما
– حتى ينعِقَ [ يصيح بغنمه ] بها عامرُ بنُ فهيرة بغَلَسٍ ، يفعلُ ذلكَ في كلَّ
ليلةٍ من تلكَ الليالي الثلاث . و استأجرَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم و
أبو بكر رجُلاً من بني الدِّيل ، و هو من بني عبدِ بن عِديٍ هادياً خرِّيتاً – و
الخرِّيتُ الماهرُ بالهداية – قد غَمسَ [ عقد ] حِلفاً في آل العاصِ بن وائل
السهميّ ، و هو على دِين كفار قريش ، فأمِناهُ ، فدَفَعا إليهِ راحِلتَيهما ،
وواعداهُ غارَ ثَورٍ بعدَ ثلاثِ ليال براحِلَتَيهما صُبحَ ثلاث ، و انطلقَ معهما
عامرُ بنُ فهَيرةَ [ قُتلَ يومَ بئر معونة رضيَّ اللهُ عنه ] و الدَّليل ، فأخذَ
بهم طريقَ السواحل .[2]
عن
أبي بكرٍ رضي الله عنه قال : قلت للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّم وأنا في الغارِ
: لو أن أحدهم نظرَ تحت قدَميهِ لأبصرَنا. فقال (( ما ظنكَ يا أبا بكرٍ باثنينٍ
الله ثالثُهما )). [3]
عن
سُراقةَ بنَ جُعشُمٍ رضيَّ اللهُ عنه قال : جاءنا رُسُل كفّارِ قريشٍ يجعلونَ في
رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم و أبي بكرٍ ديةَ [ جائزة ] كلِّ واحدٍ منهما
لمن قَتَلهُ أو أسرَه . فبينما أنا جالسٌ في مجلسِ من مَجالسِ قومي بني مُدلجٍ إذ
أقبلَ رجلٌ منهم حتى قام علينا و نحن جُلوس فقال : يا سُراقة ، إني قد رأيتُ
آنِفاً أسوِدةً بالساحلِ أراها محمداً و أصحابَه . قال سُراقة : فعرفتُ أنهم هم ،
فقلت له : إنهم ليسوا بهم ، و لكنَّكَ رأيتَ فلاناً و فلاناً انطلَقوا بأعيُنِنا .
ثمَّ لبِثتُ في المجلسِ ساعةً ، ثمَّ قمتُ فدخلتُ فأمَرتُ جاريتي أن تخرُج بفرسي –
وهي مِن وراء أكَمِة [ مُرتفَع ] – فتَحبِسَها عليَّ ، وأخذتُ رُمحي فخرجتُ بهِ من
ظَهر البيت فخَطْطت بزُجِّهِ الأرضَ ، و خَفَضْت عاليه [ خفضَ الرمح و سحبه على
الأرض حتى لا يُشاهَد من بعيد ] ، حتى أتيت فرَسي فركبتُها ، فرفعتُها تقرّب بي ،
حتى دَنَوتُ منهم ، فعَثَرَتْ بي فرسي ، فخرَرتُ عنها ، فقُمتُ فأهويَتُ يدي إلى
كنانتي فاستخرجتُ منها الازلامَ ، فاستَقسَمت بها : أضرُّهم أم لا ؟ فخرَجَ الذي
أكرَهُ ، فركبتُ فرسي – و عصيتُ الأزلامَ – تقرِّب بي ، حتى إذا سمعتُ قِراءةَ
رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم و هو لا يَلتَفِتُ ، و أبو بكرٍ يُكثرُ
الالتِفاتَ ، ساخَتْ [ غاصت ] يَدا فَرَسي في الأرض حتى بَلغَتا الرُّكبتَين ،
فخَررَتُ [ وقعتُ ] عنها ، ثمَّ زجَرتها ، فنَهضَت فلم تكَد تُخرِجُ يديَها ، فلما
استوتْ قائمةً إذا لأثر يدَيها عُثانٌ [ غبارٌ ] ساطِعٌ في السماءِ مثلُ الدُّخان
، فاستقسمتُ بالأزلام فخرجَ الذي أكرَهُ . فنادَيتهم بالأمان ، فوَقَفوا ، فركبِتُ
فرسي حتى جئتهم . ووقعَ في نفسي حين لَقيتُ ما لقيتُ منَ الحبسِ عنهم أن سيَظهَرُ
أمرُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم فقلتُ له : إنَّ قومَكَ قد جَعلوا فيكَ
الدِّيةَ . و أخَبرتهم أخبارّ ما يُرِيدُ الناسُ بهم ، و عرَضتُ عليهم الزادَ و
المَتاعَ ، فلم يَرْزآني [ يأخذا منه شيء ] ، و لم يَسألاني إلا أن قال (( أخفِ
عنّا .)) فسألتهُ أن يَكتُبَ لي كتابَ أمنٍ ، فأمرَ عامرَ بنَ فُهَيرةَ فكتبَ في
رُقعةٍ من أدم [ جلد ] ، ثمَّ مضى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم .[4]
عن
عُروةُ بن الزُّبيرِ : أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم لَقِيَ الزُّبَيرَ
في ركبٍ منَ المسلمين كانوا تجاراً قافِلينَ من الشام ، فكسا الزُّبيرُ رسولَ
اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم و أبا بكرٍ ثِيابَ بَياض . و سمعَ المسلمون
بالمدينةِ مَخرَج رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم من مكةَ ، فكانوا يَغدونَ
كلَّ غَداةٍ إلى الحرَّةِ فيَنتِظرونه ، حتى يَردَّهم حرُّ الظهيرَةِ ، فانقلَبوا
يوماً بعدَ ما أطالوا انتِظارَهم ، فلما أوَوْا إلى بيوتهم أوفى رجلٌ من يهودَ على
أطُمٍ [ حِصنٍ ] من آطامِهم لأمرٍ يَنظرُ إليه ، فبصُرَ برسول اللهِ - صلى اللهُ
عليهِ و سلّم - و أصحابهِ مُبيَّضينَ يزولُ بهم السَّرابُ ، فلم يملِكِ اليهوديُّ
أن قال بأعلى صَوتهِ : يا معاشِرَ العرب ، هذا جدُّكم الذي تنتَظرون . فثارَ
المسلمون إلى السلاح ، فتَلقَّوا رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم بظهرِ
الَحرَّة ، فعدَلَ بهم ذاتَ اليَمينِ حتى نزلَ بهم في بني عمرِو بن عوف ، و ذلكَ
يومَ الاثنين من شهرِ ربيعٍ الأول ، فقام أبو بكر للناس ، و جلسَ رسول اللهِ صلى
اللهُ عليهِ و سلّم صامِتاً ، فطَفِقَ من جاء منَ الأنصارِ – ممن لم يَرَ رسولَ
اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم – يُحيِّ أبا بكر ، حتى أصابتِ الشمسُ رسولَ اللهِ
صلى اللهُ عليهِ و سلّم ، فأقبلَ أبو بكرٍ حتى ظلَّلَ عليه برِدائهِ ، فعرَفَ
الناسُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم عندَ ذلك ، فلَبثَ رسولُ اللهِ صلى
اللهُ عليهِ و سلّم في بني عمرو بن عَوف بضعَ عشرةَ ليلة ، و أُسِّسَ المسجدُ الذي
أُسِّسَ على التقوى ، و صلَّى فيه رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم . ثمَّ ركبَ
راحلتَهُ ، فسارَ يمشي معه الناسُ ، حتى برَكَتْ عندَ مسجدِ الرسولِ صلى اللهُ
عليهِ و سلّم بالمدينة ، و هو يُصلِّي فيه يومئذٍ رجالٌ منَ المسلمين ، و كان
مِرْبَداً للتمرِ لسهيلٍ و سهل غلامَين يَتيمين في حَجْر سَعدِ بن زُرارةَ ، فقال
رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم حين بَركت به راحلته (( هذا إن شاء اللهُ
المنزِل )) . ثمَّ دعا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم الغُلامين فساوَمَهما
بالمِرْبَدِ ليتَّخِذَهُ مسجداً ، فقالا : لا ، بل نهَبُهُ لك يا رسولَ الله ،
فأبى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم أن يَقبلهُ منهما هِبةً حتى ابتاعَهُ
منهما ، ثمَّ بناهُ مسجداً ، و طَفِقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم ينقلُ
معَهمُ اللبِنَ في بُنيانهِ و يقول –
وهوَ
ينقلُ اللبن –
(( هذا الحِمالُ لا
حِمال خَيبرْ هذا أبرُّ ربنا و أطهر
))
و يقول (( اللهم إن الأجرَ أجرُ الآخرَةْ فارحَم
الأنصارَ و المهاجرَة ))
فتمثلَ
بشعر رجُل منَ المسلمين لم يُسَمَّ لي .[5]
عن
أنس بن مالكٍ رضيَّ اللهُ عنه قال : أقبلَ نبيُّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم إلى
المدينة و هوَ مُردِفٌ أبا بكر ، و أبو بكرٍ شيخٌ [ قد شابَ رأسهُ ] يُعرَف و
نبيُّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم شابٌّ لا يُعرَف . قال فيَلقى الرجلُ أبا بكرٍ
فيقول : يا أبا بكر مَن هذا الرجلُ الذي بين يدَيك ؟ فيقول : هذا الرجل يَهديني
السبيل ، قال فيَحسِبُ الحاسبُ أنهُ إنما يَعني الطريقَ ، و إنما يَعني سبيلَ
الخير . فالتفتَ أبو بكر فإذا بفارسٍ قد لحِقهم ، فقال : يا رسولَ الله ، هذا
فارسٌ قد لحِق بنا ، فالتفتَ نبيُّ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم فقال (( اللَّهم
اصرَعْه )) ، فصرَعَهُ الفرَس ، ثم قامت تُحمحِمُ [ الحمحمة : صوت الفرس ] ، فقال
: يا نبيَّ الله مُرْني بما شِئت . قال (( فقِفْ مكانَكَ لا تَترُكنَّ أحداً يلحقُ
بنا )) . قال فكان أوَّلَ النهار جاهِداً على نبيِّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم
، و كان آخِرَ النهار مَسْلحةً [ حارِساً ] له . فنزَلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ
عليهِ و سلّم جانبَ الحرَّةِ ، ثمَّ بَعثَ إلى الأنصارِ فجاءوا إلى نبيِّ الله صلى
اللهُ عليهِ و سلّم و أبي بكر فسلمَّوا عليهما و قالوا : اركبا آمِنيَن مطاعَين .
فركبَ نبيُّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم و أبو بكرٍ و حَفُّوا دونَهما بالسلاح ،
فقيل في المدينةِ : جاءَ نبيُّ الله ، جاء نبيُّ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم ،
فأشرَفوا ينظرونَ و يقولون : جاء نبيُّ الله . فأقبلَ يسيرُ حتى نزلَ جانبَ دارِ
أبي أيوب ، فانه ليَحدِّثُ أهلَهُ إذ سمعَ بهِ عبدُ اللهِ بن سلام و هو في نخلٍ
لأهلهِ يختَرِف [ يجتني من الثمار ] لهم ، فعَجِلَ أن يَضعَ الذي يَختَرِف لهم
فيها ، فجاء و هيَ معَهُ ، فسمعَ من نبيِّ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم ثمَّ رجع
إلى أهله ، فقال نبيُّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( أيُّ بيوتِ أهلِنا أقرَبُ
؟ )) فقال أبو أيوب : أنا يا نبيَّ اللهِ ، هذهِ داري وهذا بابي . قال (( فانطلِقْ
فهيِّئ لنا مَقِيلاً )) . قال : قوما على بركةِ الله . فلما جاء نبيُّ الله صلى
اللهُ عليهِ و سلّم جاء عبدُ اللهِ بن سلامٍ فقال : أشهدُ أنّكَ رسولُ الله ، و أنكَ
جئتَ بحقّ . و قد علِمتْ يهودُ إني سيِّدُهم وابنُ سيدِهم وأعلمُهم وابنُ أعلمِهم
، فادعُهم فأسألهم عني قبلَ أن يعلموا أني قد أسلمت ، فأنهم إن يعلموا أني قد
أسلمت قالوا فيَّ ما ليس فيَّ . فأرسل نبيُّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلّم فأقبلوا
فدخلوا عليه ، فقال لهم رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم (( يا مَعشرَ اليهود ،
وَيْلَكم اتقوا الله ، فو اللهِ الذي لا إلهَ إلاّ هوَ إنكم لتعلمونَ أني رسولُ
اللهِ حقاً ، و أني جِئتكم بحق ، فأسلِموا )) . قالوا : ما نَعلمهُ – قالوا
للنبيِّ صلى اللهُ عليهِ و سلّم قالها ثلاثَ مِرار – قال (( فأيُّ رجل فيكم عبدُ
اللهِ بن سَلام )) ؟ قالوا : ذاك سيِّدُنا ، وابنُ سيدنا ، وأعلمُنا وابنُ
أعلَمِنا . قال (( أ فرأيتم إن أسلَم )) ؟ قالوا : حاشا للهِ ما كان ليُسلِمَ .
قال (( أ فرأيتم إن أسلَم )) ؟ قالوا : حاشا للهِ ما كان ليُسلِمَ . قال (( أ فرأيتم
إن أسلَم )) ؟ قالوا : حاشا للهِ ما كان ليُسلِمَ . قال (( يا ابنَ سَلام أخرُجْ
عليهم )) . فخرج ، فقال : يا معشرَ اليهود ، اتقوا الله ، فو اللهِ الذي لا إلهَ
إلاّ هوَ إنكم لتعلمونَ أنه رسولُ الله ، و أنه جاء بحق . قالوا : كذبت ، فأخرجهم
رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ و سلّم .[6]
[1] صحيح البخاري - كتاب التعبير \ باب إذا رأى بقرا تنحر - حديث : 6646
[2] صحيح البخاري - كتاب المناقب \ باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى
المدينة - حديث : 3714
[3] صحيح البخاري - كتاب المناقب \ باب مناقب المهاجرين وفضلهم - حديث : 3474
[4] صحيح البخاري - كتاب المناقب \ باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى
المدينة - حديث : 3714
[5] صحيح البخاري - كتاب المناقب \ باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى
المدينة - حديث : 3714
[6] صحيح البخاري - كتاب المناقب \ باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى
المدينة - حديث : 3719
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)